استفتاء:
هل يدلّ هذا الحديث الشريف : « إنّ الله خلق المشيئة بنفسها ، وخلق الأشياء بالمشيئة » على أنّه لم يصدر من الواحد إلاّ الواحد ؟
جواب:
بإسمه جلت اسمائه
لا بدّ أوّلا من الفراغ عن مقدّمتين :
الاُولى : إنّه لا يعتبر في اتّصاف الفعل بكونه اختياريّاً سوى القدرة عليه ، واستناد الفعل إليها ، ولا يعتبر سبق الاختيار ، وإن كانت اختياريّة الفعل الخارجي مساوقة لذلك ، ولا يكفي مجرّد القدرة .
الثانية : إنّ كلّ ممكن ـ بما أنّ الوجود والعدم بالإضافة إليه على حدٍّ سواء ـ لا يعقل وجوده بنفسه ، فلا محالة يحتاج إلى الموجد ليخرج به عن حدِّ الاستواء ، وغير الأفعال الاختياريّة من الموجودات يحتاج إلى العلّة التامّة ، وأمّا الأفعال الاختياريّة فلا يتوقّف صدورها عليها ، بحيث يكون الموجد لها لا يكاد ينفكّ عنها كما عرفت .
وبعبارة اُخرى : دعوى احتياج الأفعال الاختياريّة إلى شيء يستحيل انفكاكها عنه ، من الاشتباهات الناشئة عن التعبير باحتياج الممكن في وجوده إلى العلّة . وعلى ضوء هاتين المقدّمتين يُقال : إنّ إعمال القدرة والاختيار إنّما يكون فعلا
قائماً بالنفس ، وهي موجدة له بنفسها ، ويكون اختياريّاً بلااحتياج إلى العلّة التامّة ، وهذا يعني أنّ إعمال القدرة يكون اختيارياً للنفس بنفسه بلا وساطة شيء ، وهذا هو الأوفق بظاهر الرواية الشريفة ، فلا وجه لتوجيهها بتوجيهات بعيدة كما عن بعض المحقّقين .