فقه الصادق

تأليف

فقيه العصر سماحة آية الله العظمى

السيد محمد صادق الحسيني الروحاني

مد ظله

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أوجب الحج تشييدا للدين وجعله من القواعد التي عليها بناء

الاسلام والصلاة على محمد المبعوث على كافة الأنام ، وعلى آله هداة الخلق وأعلام

الحق .

وبعد فهذا هو الجزء الثاني عشر من كتابنا فقه الصادق وقد وفقنا لطبعه

والمرجو من الله تعالى التوفيق لنشر بقية الأجزاء فإنه ولي التوفيق .

 

 

[ الفصل الثالث : في الوقوف بالمشعر . واذا غربت الشمس من يوم عرفة أفاض الى المشعر ، ويستحب أن

يقتصد في المسير ويدعو عند الكثيب الاحمر ]

 

الفصل الثالث : في الوقوف بالمشعر

 

وهو ثالث أفعال الحج ، ويقال للمشعر ، المزدلفة كما صرح به في بعض النصوص

كما أنه يقال له : الجمع كما في جملة من الأخبار

والكلام فيه إما في مقدماته أو في كيفيته أو في أحكامه ، فهاهنا ثلاثة أبحاث :

البحث الأول في مقدماته ( و ) هي أمور :

منها : أنه ( اذا غربت الشمس من يوم عرفة أفاض ) من عرفات ( الى المشعر )

وهو واجب إن قلنا بوجوب مقدمة الواجب .

( ويستحب أن يقتصد في المسير ) الى المشعر ويفيض بالاستغفار .

( و ) منها : أن ( يدعو عند الكثيب الأحمر ) ففي صحيح معاوية بن عمار ، قال

أبو عبد الله عليه السلام : اذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة

والوقار ، وأفض من حيث أفاض الناس ، واستغفر الله إن الله غفور رحيم ، فاذا انتهيت

الى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل : اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي

ديني وتقبل مناسكي ، وإياك والوجيف الذي يصنعه كثير من الناس فإنه بلغنا أن الحج

ليس بوجف الخيل ولا إيضاح الابل ولكن اتقوا الله وسيروا سيرا جميلا ولا توطئوا

ضعيفا ولا توطئوا مسلما ، اقتصدوا في السير فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان

يقف بناقته حتى كان يصيب رأسها مقدم الرحل ويقول : ايها الناس عليكم بالدعة

 

 

[ ويؤخر العشاءين حتى يصليهما فيه ولو صار ربع الليل . ]

 

فسنة رسول الله صلى الله عليه وآله تتبع .

قال معاوية بن عمار : وسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : اللهم أعتقني

من النار ، يكررها حتى أفاض الناس ، قلت : ألا تفيض قد أفاض الناس ؟ قال : إني

أخاف الزحام وأخاف أن أشرك في عنت انسان ( 1 ) .

الوجيف والأيضاع كلاهما بمعنى : الاسراع ، والكثيب الأحمر هو التل من

الرمل عن يمين الطريق .

( و ) منها : أن ( يؤخر العشاءين حتى يصليهما فيه ولو صار ربع الليل ) بلا

خلاف ، بل ثلثه ، بل عن المنتهى دعوى الاجماع عليه .

ويشهد به صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : لا تصل المغرب حتى

تأتي جمعا فصل بها المغرب والعشاء الآخرة باذان وإقامتين ( 2 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما ( عليه السلام ) : لا تصل المغرب حتى تأتي

جمعا ، وإن ذهب ثلث الليل ( 3 ) .

وصحيح منصور بن حازم عن الامام الصادق عليه السلام : صلاة المغرب

والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصل بينهما شيئا ( 4 ) ونحوها غيرها .

وظاهرها وإن كان وجوب التأخير الى المشعر كما عن ظاهر الشيخ في الخلاف

والنهاية والعماني وابن زهرة إلا أنه يتعين حملها على الاستحباب بقرينة جملة أخرى

من النصوص صريحة في ذلك كصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام :

……………………………………………

1 - الوسائل باب 1 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1

2 - الوسائل باب 6 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

3 - الوسائل باب 5 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

4 - الوسائل باب 6 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 3

 

 

[ ويجمع بينهما بأذان واقامتين ]

 

لا بأس بأن يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة ( 1 ) .

وصحيح محمد عنه عليه السلام : عثر محمل أبي بين عرفة والمزدلفة فنزل فصلى

المغرب وصلى العشاء بالمزدلفة ( 2 ) .

وربما يجمع بين الطائفتين بحمل الثانية على صورة الاضطرار ، وهو لا وجه له ،

بخلاف ما ذكرناه من الجمع .

ثم إني لم أعثر على رواية متعرضة لخصوص الربع ، بل في بعض النصوص

التحديد بالثلث ، وبعضها مطلق مصرح بأنه وإن مضى من الليل ما مضى .

وعن كشف اللثام : ولعل من اقتصر على الربع نظر الى أخبار توقيت المغرب

بالربع وحمل الثلث على أن يكون بعد الفراغ من العشاء عنده .

وفيه : أن المصنف ممن لا يرى ذلك ، وقد صرح ببقاء وقت العشاءين الى

انتصاف الليل .

( و ) يستحب أيضا أن ( يجمع بينهما بأذان وإقامتين ) من غير نوافل بينهما ،

كما يشهد به النصوص كصحيح منصور المتقدم ونحوه غيره .

وأما ما في صحيح أبان : صليت خلف أبي عبد الله المغرب بالمزدلفة فقام فصلى

المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع فيما بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما

صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ( 3 ) فمحمول على إرادة بيان الجواز .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 5 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 3 .

2 - الوسائل باب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث 4 .

3 - الوسائل باب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث 5

 

 

[ وتجب فيه النية والكون فيه بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ]

 

اعتبار النية في الوقوف

 

البحث الثاني : في كيفيته :

( ويجب فيه النية ) بمعنى الإرادة المحركة للعضلات نحو الفعل ، وكون ذلك

عن داع قربي ، لأنه من العبادات ، واعتبار ذلك فيها من الواضحات الثابتة بالادلة ،

وقد مر تفصيل ذلك في الاحرام كما أنه ظهر مما ذكرناه هناك أنه لا يعتبر الاخطار ،

بل يكفي الداعي الموجود في النفس .

وهل يعتبر قصد كون وقوفه لحجة الاسلام أو غيرها كما في التذكرة ، أم لا ؟

وجهان مبنيان على كون ذلك من قبيل عنوان الظهرية والعصرية من العناوين

القصدية الدخيلة في المأمور به أم لا ، وحيث إن الأظهر في المبنى هو الثاني ، للأصل

وللنصوص الدالة على أن من وقف بالمزدلفة وصلى فيها وذكر الله يحصل الواجب وإن

جهل بكون الموقف هو المزدلفة ، فالحق عدم اعتباره .

( و ) يعتبر أيضا ( الكون فيه بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ) للرجل

المختار غير ذي العذر كما هو المشهور ، وعن المدارك والمفاتيح وكشف اللثام دعوى

الاجماع عليه .

وعن الدروس أن وقت الاختيار ليلة النحر الى طلوع الشمس ، ونسبه

بعضهم الى ظاهر الأكثر نظرا الى حكمهم بجبره الافاضة قبل الفجر بدم شاة فقط ،

وبحكمهم بصحة الحج لو أفاض قبله .

ولكن حيث إن الجبر بالدم قرينة على عدم الجواز ولا أقل من عدم الدلالة

عليه ، وصحة الحج لو أفاض قبله دليل عدم كونه بالخصوص ركنا لا عدم وجوبه ، مع

 

 

[ . . . ]

أن في الصحة كاملا سيأتي ، فالظاهر عدم قولهم بما ذكر ، ولنعم ما أفاده بعض المحققين

قال : ويشبه أن يكون النزاع لفظيا فيكون مراد من جعل ما بين الطلوعين خاصة

الوقت الاختياري ما يحرم ترك الوقوف فيه ومن ضم معه قبل الفجر أراد ما يوجب

تركه عمدا بطلان الحج ، انتهى .

وكيف كان فيشهد للأول : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه

السلام : أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل وإن شئت

حيث شئت فإذا وقفت فاحمد الله عزوجل وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت

عليه - الى أن قال - ثم أفض حيث يشرف لك ثبير وترى الابل مواضع أخفافها ( 1 ) .

ومرسل جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام : لا بأس أن

يفيض الرجل بليل اذا كان خائفا ( 2 ) فإن مفهومه ثبوت البأس اذا لم يكن خائفا وهو

دليل الحرمة ، لكن غاية ما يدل عليه لزوم الوقوف بعد طلوع الفجر ، ولا يدل على أن

منتهاه طلوع الشمس .

واستدل في الحدائق على امتداده الى طلوع الشمس : بالأخبار الدالة على أن

من ادرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد ادرك الحج ، ومن لم يدركه في ذلك الوقت

فقد فاته الحج ( 3 )

وقد استدل للقول الآخر بصحيح هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله عليه

السلام : في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به ، والتقدم من

……………………………………………

1 - الوسائل باب 11 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

2 - الوسائل باب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

3 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر

 

 

[ . . . ]

مزدلفة الى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس به ( 1 ) .

وبحسن مسمع عن أبي إبراهيم عليه السلام في رجل وقف مع الناس بجمع

ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال عليه السلام : إن كان جاهلا فلا شئ عليه وإن

كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة ( 2 ) ، إذ لو وجب الوقوف بعد الفجر لما

سكت عن أمره بالرجوع .

وبالأخبار الآتية الدالة على أن من ادرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك

الحج .

وبخبر علي بن عطية قال : أفضنا من المزدلفة بليل أنا وهشام بن عبد الملك

الكوفي فكان هشام خائفا فانتهينا الى جمرة العقبة قبل طلوع الفجر ، فقال لي هشام :

أي شئ أحدثنا في حجنا فنحن كذلك إذ لقينا أبو الحسن موسى عليه السلام قد

رمى الجمار ، وانصرف فطابت نفس هشام ( 3 ) .

ولكن يرد على الأول : أنه مطلق قابل للحمل على ذي العذر ، فالجمع بينه وبين

ما تقدم يقتضي ذلك . ويرد على الثاني : أن السكوت ليس دليل عدم الوجوب ، ولذا

سكت في نصوص الافاضة من عرفات قبل غروب الشمس عن الأمر بالعود .

ويرد على الثالث : أن تلك الأخبار لا تنافي وجوب غير ذلك معه .

وأما الرابع فهو قضية في واقعة ، ولعله عليه السلام كان معذورا ، هذا كله للرجل

المتمكن المختار .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 8 .

2 - الوسائل باب 16 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

3 - الوسائل باب 14 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 3 .

 

 

[ ولو فاته لضرورة فالى الزوال ]

 

إجزاء الوقوف بالمشعر نهارا

 

( ولو فاته ) الوقوف بين الطلوعين ( لضرورة ف ) من طلوع الشمس ( الى

الزوال ) بلا خلاف ، بل عليه الاجماع كما ادعاه غير واحد .

ويشهد له جملة من النصوص كصحيح ابن عمار عن الامام الصادق عليه

السلام : من أفاض من عرفات الى منى فليرجع وليأت جمعا وليقف بها وإن كان قد

وجد الناس قد أفاضوا من جمع ( 1 )

وموثق يونس عنه عليه السلام في رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر فلم

يقف حتى انتهى الى منى فرمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار ، قال عليه السلام :

يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع ويرمي الجمرة ( 2 ) ، ونحوهما غيرهما ، وهي وإن لم

يحدد المنتهى فيها بزوال الشمس إلا أنه يشهد لذلك النصوص الدالة على أن من

أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج كصحيح جميل عن مولانا الصادق

عليه السلام : من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ( 3 ) .

الحديث .

وموثق إسحاق عن أبي الحسن عليه السلام في من لم يدرك الموقفين : اذا ادرك

مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج ( 4 ) ونحوهما غير هما .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 21 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

2 - الوسائل باب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث 3 .

3 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 8 .

4 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 6

 

 

[ . . . ]

وعن السيد : امتداد هذا الوقت الاضطراري الى غروب الشمس وإن كان

المصنف - رحمه الله - ينكره .

واستدل له بإطلاق ما دل على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج

ولكن يرد عليه : أن المراد به من أدركه في الوقت المحدد له لا مطلقا كما هو

واضح ، والكلام الآن فيه .

ثم إن للوقوف بالمشعر وقتا اضطراريا آخر مشوبا بالاختياري ، وهو ليلة النحر

الى طلوع الشمس ، وهي وقت للمرأة ولذي العذر ، بلا خلاف .

وفي المنتهى : وهو قول كل من يحفظ عنه العلم انتهى .

ويشهد به مرسل جميل المتقدم : لا بأس أن يفيض الرجل بليل اذا كان خائفا .

وصحيح سعيد الأعرج ، قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك معنا

نساء فافيض بهن بليل ؟ فقال عليه السلام : نعم ، تريد أن تصنع كما صنع رسول الله

صلى الله عليه وآله ؟ قلت : نعم ، قال : أفض بهن بليل ولا تفض بهن حتى تقف بهن

بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة ( 1 ) الحديث .

وصحيح أبي بصير عنه عليه السلام : رخص رسول الله صلى الله عليه وآله

للنساء والضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل وأن يرموا الجمرة بليل فاذا أرادوا أن يزوروا

البيت وكلوا من يذبح عنهن ( 2 ) .

وخبر علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام : أي امرأة أو رجل خائف

أفاض من المشعر ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ( 3 ) الحديث .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 2 .

2 - الوسائل باب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 3 .

3 - الوسائل باب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 4 .

 

 

[ ولو أفاض قبل الفجر عالما عامدا كفر بشاة وصح حجه إن وقف بعرفة ]

 

وصحيح هشام المتقدم : والتقدم من مزدلفة الى منى يرمون الجمار ويصلون

الفجر في منازلهم بمنى لا بأس ، فإن المتيقن منه المحمول عليه النساء وذو العذر . .

الى غير ذلك من الأخبار ، وقد صرح في هذه النصوص بالنساء والضعفاء والصبيان

والرجل الخائف ، وعليه فاستفادة حكم كل ذي عذر واضحة ، لصدق الضعيف عليه ،

مضافا الى أنه من التصريح بهؤلاء بضميمة إرسال رسول الله صلى الله عليه وآله أسامة

مع النساء كما في ذيل صحيح أبي بصير يستفاد كبرى كلية ، أضف الى ذلك كله إطلاق

صحيح هشام ، فإن المتيقن خروج الرجل غير ذي العذر منه فيبقى الباقي فلا إشكال

في الحكم .

 

حكم من أفاض من المشعر قبل طلوع الفجر

 

وتمام الكلام في هذه المسألة بالتعرض لفروع :

1 - إن غير ذي العذر من الرجال لا يجوز له الافاضة من المشعر قبل طلوع

الفجر لكون الوقوف بعده واجبا عليه ( ولو أفاض قبل الفجر عالما عامدا كفر بشاة

وصح حجه إن وقف بعرفة ) كما هو المشهور بين الأصحاب .

وفي الجواهر : شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا .

ويشهد به حسن مسمع المتقدم في رجل وقف مع الناس ، بجمع ثم أفاض قبل

أن يفيض الناس ، فقال عليه السلام : إن كان جاهلا فلا شئ عليه ، وإن كان أفاض

قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة ، ودلالة الخبر على لزوم الشاة واضحة ، وأما صحة حجه

والتقييد بأن يقف بعرفات فسيأتي الكلام فيهما في الأحكام في المسألة الأولى .

 

 

[ ويجوز للمرأة واالخائف الافاضة قبله ]

 

( و ) قد عرفت أنه ( يجوز للمرأة والخائف الافاضة قبله ) ولا شئ عليهما .

 

عدم وجوب استيعاب زمان الوقوف

 

2 - قد عرفت أن للوقوف بالمشعر أوقاتا ثلاثة : الاختياري والاضطراري

والاختياري المشوب بالاضطراري ، والواجب من كل منها المسمى ، ولا يجب

الاستيعاب .

اما في الأول فهو المشهور بين الأصحاب ، وعن التذكرة دعوى الاجماع عليه .

وعن الصدوقين والمفيد والسيد وغيرهم وجوب الوقوف الى طلوع الشمس .

وعن بعضهم وجوبه من طلوع الفجر .

يشهد للأول إطلاق الأمر بالوقوف في صحيح ابن عمار المتقدم المتحقق

بالمسمى .

وصحيح هشام بن الحكم عن الامام الصادق عليه السلام : من أدرك المشعر

الحرام وعليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج ( 1 ) فإنه كناية عن بقاء قليل من الوقت .

ونحوه غيره .

ومرسل جميل عنه عليه السلام : ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع

الشمس وسائر الناس إن شاؤوا عجلوا ، وإن شاؤا أخروا ( 2 ) ، والنصوص الدالة على

أن من صلى بالمشعر أجزأه .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 10 .

2 - الوسائل باب 15 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 4 .

 

 

[ . . . ]

واستدل للقول الثاني ، بالأمر بالإفاضة حين يشرق لك ثبير في صحيح ابن

عمار المتقدم .

وبصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام : لا تجاوز وادي محسر

حتى تطلع الشمس ( 1 ) .

ولكن يرد على الأول : أنه قد وردت نصوص كثيرة دالة على أن الافاضة قبل

طلوع الشمس بقليل أحب كموثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام ،

قال : سألته أي ساعة أحب اليك أن أفيض من جمع ؟ قال عليه السلام : قبل أن تطلع

الشمس بقليل فهو أحب الساعات الي ، قلت : فإن مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال

عليه السلام : لا بأس ( 2 ) ونحوه غيره .

وعليه فيحمل الصحيح على إرادة الاسفار من الإشراق لو لم يكن بنفسه

ظاهرا فيه بقرينة قوله : حين ترى الابل أخفافها .

ويرد الثاني : أن وادي محسر من حدود المشعر لا منه ، وعدم التجاوز عنه أعم

من عدم الافاضة من المشعر ، مع أنه لا يمنع عن عدم الافاضة من المشعر بنحو لا

يستلزم التجاوز عن ذلك الوادي .

وعن جماعة وجوب الوقوف اليه على الأمام خاصة أي أمير الحاج ، واستدلوا

له بما تقدم ، بخبر جميل المتقدم : ينبغي للأمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس .

وما تقدم قد مر ما فيه ، وخبر جميل لا ظهور له في الوجوب كما لا يخفي لو لم

يكن ظاهرا في الفضل .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 15 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 2 .

2 - الوسائل باب 15 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1

 

 

[ . . . ]

وأما القول الثالث فلم يذكر له وجه ، بل الأمر بالوقوف في صحيح ابن عمار

بعد صلاة الفجر يشهد بخلافه ، كما أن الأصل ينفيه .

وأما الوقت الثالث فكفاية مسمى الوقوف فيه إجماعية ، وقوله عليه السلام في

صحيح أبي بصير : فيفيض عند المشعر الحرام ساعة ، وتصريح جميع نصوصه بالإفاضة

ليلا ورمي ، الجمار فيه شاهدان به ، أما الأول فواضح وأما الثاني ، فلانه يعم أي وقت

من الليل أراد ، وما في بعضها من التأخر عن زوال الليل ، لعدم القائل بوجوبه يحمل

على الندب .

وأما الثاني فالظاهر أنه لا خلاف في كفاية مسمى الوقوف فيه أيضا ، ويشهد

به قوله عليه السلام : في صحيح العطار : فليقف قليلا بالمشعر الحرام ( 1 ) .

 

عدم وجوب المبيت بالمشعر

 

3 - هل يجب المبيت بالمشعر كما نسبه في الجواهر الى ظاهر الأكثر ، أم لا يجب

كما عن جماعة من المحققين منهم المحقق والمصنف - رحمه الله - في جملة من كتبهما ؟

وجهان .

قد استدل للأول بصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام في حديث :

ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة ( 2 ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 24 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

2 - الوسائل باب 10 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1

 

 

[ وحد المشعر بين المأزمين الى الحياض الى وادى محسر ]

 

وبصحيح ابن عمار عنه عليه السلام ، أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ( 1 )

بدعوى : أنه ظاهر في المفروغية عن المبيت .

وبخبر عبد الحميد عنه ( عليه السلام ) عن انه لم سمى الابطح أبطح ، قال :

لان آدم عليه السلام أمر أن يتبطح في بطحاء جمع فانبطح حتى انفجر الصبح ( 2 ) .

وبمفهوم مرسل جميل المتقدم : لا بأس أن يفيض الرجل بليل اذا كان فائضا .

وبما دل على ثبوت الدم على من أفاض قبل الفجر ، وبالتأسي ( 3 ) .

وفي الجميع نظر ، أما الأول ، فلأن عدم التجاوز عن الحياض أعم من المبيت في

المزدلفة ، لإمكان التقدم عليها ، مع أن الصحيح مصدر بقوله عليه السلام : ويستحب

للصرورة أن يقف على المشعر ويطأه برجله ولا يجاوز ، الى آخره ، فيمكن أن يكون

قوله : ولا يجاوز ، عطفا على قوله : يقف ، فيكون مستحبا .

وأما الثاني ، فلأنه يلائم مع رجحان المبيت أيضا ، وبه يظهر ما في الثالث .

وأما الرابع ، فلأن عدم الإفاضة أعم من المبيت فيه فيقدم فيه لدرك الوقت

الاختياري .

وأما الخامس ، فلأن الظاهر كون الدم لترك الوقوف الاختياري .

وأما السادس ، فلأنه لا يمكن إثبات أكثر من الاستحباب به ، فالأظهر هو

عدم الوجوف ، للأصل .

4 - ( وحد المشعر ما بين المأزمين الى الحياض الى وادي محسر ) بلا خلاف ،

……………………………………………

1 - الوسائل باب 11 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

2 - الوسائل باب 4 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 6 .

3 - الوسائل باب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

 

 

[ وهذا الوقوف ركن من تركه ليلا ونهارا عمدا بطل حجه ولو

مان ناسيا وادرك عرفات صح حجة - مسائل - الاولى وقت الوقوف

الاختياري بعرفة من زوال الشمس يوم عرفة الى غروبها والاضطراري الى

الفجر ووقت الوقوف الاختياري بالمشعر من طلوع الفجر يوم النحر الى

طلوع الشمس والاضطراري الى الزوال ]

 

والنصوص شاهدة به ، وقد عقد في الوسائل بابا لذلك ، وذكر فيه جملة من النصوص ،

5 - ( و ) قد مر أن ( هذا الوقوف ركن فمن تركه ليلا ونهارا عمدا بطل حجه ،

ولو كان ناسيا وأدرك عرفات صح حجه ) وسيأتي تمام الكلام في ذلك وحكم جميع

الصور .

 

أوقات الاختيار والاضطرار للموقفين

 

البحث الثالث : في جملة من الأحكام غير ما مر في ضمن البحثين السابقين .

وفيه ( مسائل ) :

( الأولى ) : قد ظهر مما ذكرناه أن أوقات الوقوفين خمسة : ( وقت الوقوف

الاختياري بعرفات ) وهو ( من زوال الشمس يوم عرفة الى غروبها ، و ) وقته

( الاضظراري ) وهو من غروب شمس عرفة ( الى ) طلوع ( الفجر ) من يوم النحر ( و

وقت الوقوف الاختياري بالمشعر ) وهو ( من طلوع الفجر يوم النحر الى طلوع

الشمس ) ووقت الاختياري المشوب بالاضطراري وهو اضطراري عرفة ( و ) وقت

( الاضطراري ) المحض وهو من طلوع شمس يوم النحر ( الى الزوال ) .

وقد مر أنه لو ترك الوقوفين جميعا فقد بطل حجه من غير فرق بين كونه عن

علم أو جهل أو نسيان ، وعليه اجماع علماء الإسلام .

 

 

[ . . . ]

ولو ادرك شيئا من الوقوفين ففيه صور خمس منها مفردة ، وهي اختياري عرفة

واضطراريها واختياري المشعر المحض واختيارية المشوب بالاضطراري والاضطراري

المحض ، وست أخرى منها مركبة من هذه الأقسام الخمسة : الاختياريان

والاضطراريان واختياري كل منهما مع اضطراري الآخر واختياري عرفة مع اختياري

المشوب للمشعر واضطراريها معه ، ونذكر بعون الله تعالى حكم كل من الصور مستقلا

من حيث صحة الحج وعدمها .

 

حكم من أدرك اختياري عرفة خاصة

 

الصورة الاولى : ما لو ادرك اختياري عرفة خاصة وفيها أقوال :

الأول : صحة الحج ، ذهب اليها المصنف - رحمه الله - في جملة من كتبه ، والمحقق

والشهيدان وغيرهم ، بل نسب الى المشهور ، بل عن ثاني الشهيدين : نفي الخلاف فيها ،

وعن المفاتيح عن بعضهم الإجماع عليها .

الثاني : بطلان الحج ، كما عن المنتهى والمدارك والمفاتيح .

الثالث : التفصيل بين العامد العالم فالثاني ، والجاهل والناسي والمضطر فالأول ،

ولا يبعد خروج العالم العامد عن محل الكلام وعدم التزام أحد من القائلين بالصحة

بصحة حج العالم العامد ، وعليه ففي المسألة قولان .

وكيف كان فقد استدل للأول بالنبوي المشهور : الحج عرفة ( 1 ) .

وبحسن ابن اذينة عن الامام الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل

……………………………………………

1 - المستدرك باب 18 من ابواب احرام الحج حديث 3

 

 

[ . . . ]

( الحج الأكبر ) فقال عليه السلام : الحج الأكبر : الموقف بعرفة ورمي الجمار ( 1 ) .

وبصحيح ابن أبي عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه

السلام في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى ، قال عليه السلام : الم ير

الناس ؟ ألم ينكر منى حين دخلها ؟ قلت : فإنه جهل ذلك قال عليه السلام : يرجع .

قلت إن ذلك قد فاته ، قال عليه السلام : لا بأس به ( 2 ) ونحوه خبره الآخر .

وبصحيح علي بن رئاب عن الامام الصادق عليه السلام : من أفاض مع

الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع ومضى الى منى متعمدا أو مستخفا فعليه

بدنة ( 3 ) ونحوه صحيح حريز ( 4 ) .

أقول : إن بعض هذه الوجوه غير تام ، إذ يرد على الأول : أنه غير مروي من

طرقنا ، مع أنه في مقام بيان أهمية الحج وإلا قيبطل الحج بترك جملة اخرى من الأجزاء

قطعا ، وبه يظهر ما في الثاني .

وأما الأخيران فغاية ما يدلان عليه ثبوت البدنة على من تركه ، وهذا لا يستلزم

صحة الحج ، وقد مر في مبحث الكفارات أن بعض محرمات الإحرام يوجب الكفارة

وبطلان الحج .

نعم دلالة خبري الخثعمي تامة ، والمناقشة في سنديهما من جهة كونه عاميا بعد

كون الراوي عنه ابن أبي عمير وتوثيق النجاشي الخثعمي ، في غير محلها ، وهما وإن

اختصا بالجاهل إلا أنه يلحق به الناسي والمضطر ، لعدم القول بالفصل بينهما وبينه .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 19 من ابواب احرام الحج حديث 9 .

2 - الوسائل باب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 5 .

3 - 4 - الوسائل باب 26 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

وقد استدل للقول الآخر بالنصوص ( 1 ) الدالة على أن من أدرك جمعا إما مطلقا

أو قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج .

وبما دل من الأخبار على أن من ادرك جمعا بعد طلوع الشمس فقد فاته الحج

كخبري محمد بن فضيل ومحمد بن سنان ( 2 ) .

وبخبر الحلبيين عن مولانا الصادق عليه السلام : اذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج ( 3 ) .

ولكن الجميع أعم من خبري الخثعمي المتقدمين ، لعمومها بالنسبة الى الجاهل

باختياري المشعر وغيره ، واختصاصهما بالجاهل به ، فيقيد إطلاقها بهما ، فالأظهر صحة

الحج ، إلا في صورة العلم والعمد ، وفي تلك الصورة تجب البدنة والحج من قابل

الصورة الثانية : أن يدرك اضطراري عرفة ، فعن الشهيد في الدروس : أنه غير

مجز قولا واحدا ، ونقل الإجماع عليه من غير واحد .

وفيه : إن مقتضى خبري الخثعمي وإن كان الصحة إلا ان تسالم الأصحاب

على البطلان يوجب البناء عليه ، وترك العمل بالخبرين في المورد .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر .

2 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 3 - 4 .

3 - الوسائل باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث 2

 

 

[ . . . ]

 

حكم من أدرك المشعر خاصة

 

الثالثة : أن يدرك اختياري المشعر خاصة ، لا أشكال نصا وفتوى في صحة

حجه إن كان تركه الوقوف بعرفة غير عمدي ، وإلا فيبطل الحج ، وقد تقدم تفصيل

القول فيه في أحكام الوقوف بعرفات .

الصورة الرابعة : أن يدرك المشعر ليلا ، فعن الشهيد الثاني القول بصحة حجه .

وعن الذخيرة البناء على البطلان .

وفي المستند : الظاهر عدم الإجزاء لمن ترك عرفة عمدا والإجزاء لغيره مطلقا .

فالكلام في موردين :

الأول : لو ترك عرفة عمدا فقد يقال : إن مقتضى إطلاق ما دل على أن من

ادرك مزدلفة فقد أدرك الحج كصحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق عليه السلام :

من أدرك جمعا فقد أدرك الحج ( 1 ) ونحوه غيره - صحة حجه ، ومقتضي ما دل على نفي

الحج عن أصحاب الأراك ، كخبر أبي بصير عنه عليه السلام : إن أصحاب الأراك

الذين ينزلون تحت الأراك لا حج لهم ( 2 ) ونحوه غيره - بطلانه ، والنسبة بين الطائفتين

عموم من وجه ، وحيث إن المختار في تعارض العامين من وجه هو الرجوع الى أخبار

الترجيح فيرجع اليها ، وهي تقتضي تقديم نصوص الصحة لموافقة أخبار البطلان

للعامة .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث 2 .

2 - الوسائل باب 10 من ابواب احرام الحج والوقوف بعرفة حديث 3

 

 

[ . . . ]

قال في التذكرة : وأما العامة فقالوا : لو فاته الوقوف بعرفات فقد فاته الحج

مطلقا سواء وقف بالمشعر أو لا ، انتهى .

ولكن قد مر أنه وقت للمرأة وذي العذر ، فالرجل غير المعذور لا يكون ذلك

وقتا له ، فلا يشمله إطلاق دليل الصحة .

ويدل على البطلان مضافا الى ذلك صحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه

السلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال : إن كان في مهل حتى

يأتي عرفات في ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس بالمشعر قبل أن يفيضوا فلا

يتم حجه حتى يأتي عرفات من ليلته ليقف بها ( 1 ) : فإنه اذا كان ترك اضطراري عرفة

عمدا موجبا للبطلان فترك اختياريها أولى بذلك .

الثاني : ما لو تركها عن غير عمد ، وقد استدل لصحة حجه بصحيح الحلبي

المتقدم وغيره من النصوص الدالة على أن من فاتته عرفة ووقف بالمشعر أو أقام به

أو ادرك الناس به تم حجه ( 2 ) فإنها بإطلاقها تشمل المقام وهي أخص مطلق مما دل

على نفي الحج عن أصحاب الأراك ، فتقيده ، والتخصيص بما بين الطلوعين لا وجه له .

ويرده : أولا إن شمول تلك النصوص المتضمنة إدراك المشعر قبل طلوع

الشمس المنصرف عن الإدراك في الليل ممنوع .

وثانيا أنه لا بد من التقييد بالمرأة وذي العذر ، لما عرفت من أنه ليس وقتا

للرجل غير ذي العذر ، فالأظهر هو البطلان مطلقا .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 19 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة حديث 1 .

2 - الوسائل باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر

 

 

[ . . . ]

 

إجزاء الوقوف بالمشعر نهارا

 

الصورة الخامسة : أن يدرك اضطراري المشعر خاصة ، فإن ترك عرفة عمدا

بطل حج ) ، لما مر ، وإن كان تركه غير عمدي فالمشهور بين الأصحاب بطلان الحج ،

وعن المختلف دعوى الإجماع عليه .

وعن الصدوق في العلل ، والاسكافي ، وظاهر السيد والحلبي وثاني الشهيدين

وصاحب المدارك القول بالاجتزاء به ، وجعله الشهيد - قدس سره - أقرب .

يشهد للأول : نصوص كثيرة ، بل عن المفيد أن أخبار عدم الاجتزاء به متواترة

كصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان

جميعا ، فقال عليه السلام : له الى طلوع الشمس يوم النحر فإن طلعت الشمس من

يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ( 1 ) .

وخبري محمد بن فضيل ومحمد بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام عن الحد

الذي اذا ادركه الرجل ادرك الحج ، فقال عليه السلام : إذا أتي جمعا والناس في المشعر

قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له ، وإن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس

فهي عمرة مفردة ولا حج له ، فإن شاء أقام وإن شاء رجع وعليه الحج من قابل ( 2 ) .

ونحوها غيرها .

وبإزاء هذه النصوص روايات دالة على إدراك الحج بإدراك المشعر قبل زوال

……………………………………………

1 - الوسائل باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

2 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 3 - 4

 

 

[ . . . ]

الشمس كصحيح عبد الله بن المغيرة : جاءنا رجل بمنى فقال : إني لم ادرك الناس

بالموقفين جميعا - الى أن قال - فدخل إسحاق بن عمار على أبي الحسن عليه السلام

فسأله عن ذلك ، فقال عليه السلام : إذا ادرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس

يوم النحر فقد أدرك الحج ( 1 )

وصحيح جميل عن الامام الصادق عليه السلام : من أدرك المشعر الحرام يوم

النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ( 2 ) .

وصحيح ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عنه عليه السلام تدري لم جعل

ثلاث هنا ؟ قلت : لا ، قال عليه السلام : فمن أدرك شيئا منها فقد ادرك الحج ( 3 ) ونحوها

غيرها ، وبعض هذه النصوص وإن كان قابلا للمناقشة إلا أن أكثرها تامة الدلالة

على ذلك .

وقد يقال : إن الطائفة الثانية أعم من الأولى من جهتين : إحداهما : عموم

الثانية لمن أدرك عرفة ولو اضطراريها ، وعدمه ، والاولى مختصة بمن لم يدركها ، ثا نيتهما :

عمومها لما قبل طلوع الشمس أيضا ، فيقيد إطلاقها بالاولى ، فإن تم ذلك ، فهو ، وإلا

فان صحت دعوى إعراض الأصحاب عن الثانية فالمتبع هو الاولى ، وإن لم تتم

ووقعت المعارضة بينهما يقدم الاولى ، للشهرة ، فالأظهر هو البطلان في هذه الصورة .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 6 .

2 - 3 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 9 - 12

 

 

[ . . . ]

 

الصور المركبة

 

السادسة : أن يدرك الاختياريين من الوقوفين ، وصحة الحج حينئذ ضرورية .

السابعة : أن يدرك اختياري عرفة مع ليلي المشعر خاصة ، فإن كان تركه

اختياري المشعر عن غير علم وعمد وكان ذا عذر ، أو كان الحاج مرأة فلا إشكال في

الصحة ، لإدراكه كلا الوقوفين ، وإن كان تركه إياه عن علم وعمد وكان رجلا فالأظهر

هو الصحة كما عليها الأكثر على ما في المستند .

وصاحب الجواهر - قدس سره - عند بيان صور التركيب يصرح بالبطلان ،

ولكن في مبحث الوقوف بالمشعر في مسألة ما لو أفاض قبل الفجر عامدا بعد أن كان

به ليلا يبني على الصحة ويدعي أن عليها الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا .

وكيف كان فيشهد للصحة : حسن مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل

وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال عليه السلام : إن كان

جاهلا فلا شئ عليه ، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة ( 1 ) .

وأورد عليه تارة بضعف السند ، وأخرى بأنه في مقام بيان حكم الجاهل المفيض

قبل الفجر وبعده فيكون حينئذ من مسألة ذي العذر وثالثة أنه لا ينطبق على فتوى

الأصحاب فإنهم قيدوه بدرك عرفة ، والخبر مطلق من هذه الجهة .

ولكن يرد الأول : أنه حسن ومنجبر بالعمل كما اعترف به المستشكل في غير

المقام .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 16 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1

 

 

[ . . . ]

ويرد الثاني : أن الجاهل لا شئ عليه لو أفاض قبل الفجر ، مع أنه لا داعي

ولا وجه لتقييد إطلاقه به .

ويرد الثالث : أنه غير متعرض لحكم صورتي درك عرفة وعدمه فيبقى ما

يقتضي الفساد مما دل على وجوب وقوف عرفة وأنه لا حج لمن تركه .

الثامنة : أن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر في النهار ، فإن كان ترك

اختياري المشعر اضطراريا صح حجه إجماعا والأدلة متطابقة عليه ، فإنه جعل وقتا

لذلك ، وإن كان تركه عمديا ، فعن غير واحد دعوى الاجماع على بطلان الحج ، لتركه

اختياري المشعر عمدا .

ويشهد به النصوص ( 1 ) الكثيرة - المتقدم طرف منها - المتضمنة أنه إن لم يأت

جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له ، أو ما يقرب ذلك .

ولا يعارضها ما دل ( 2 ) على أن من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك

الحج ، لاختصاصه بغير العامد التارك للاختياري منه .

التاسعة : أن يدرك اضطراري عرفة مع ليلي المشعر ، فإن كان ترك اختياري

عرفة عمديا بطل حجه ، لما مر في مبحث الوقوف بعرفة من أن ترك اختياريها عمدا

موجب للبطلان ، وإن كان غير عمدي فإن كان ترك اختياري المشعر عن عذر أو كان

امرأة صح حجه ، لما مر من صحة الحج مع إدراك الليلي وحده في الفرض فمع

اضطراري عرفة بطريق أولى ، وإن كان تركه إياه عن غير عذر صح حجه ، لا طلاق

حسن مسمع المتقدم فإنه يقيد إطلاقه بمن لم يدرك عرفة أصلا ، ويبقى من ادرك

……………………………………………

1 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر .

2 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر

 

 

[ . . . ]

اضطراريها تحت الإطلاق فالأظهر هي الصحة مطلقا .

العاشرة : أن يدرك اضطراري عرفة مع اختياري المشعر ، فإن كان تركه

اختياري عرفة عمديا بطل حجه ، وإلا صح إجماعا ، ويظهر وجهه مما مر .

الحادية عشرة أن يدرك اضطراري عرفة مع اضطراري المشعر النهاري ، فإن

كان تركه اختياري عرفة عمديا بطل ، لما مر ، وإن كان عن عذر فإن كان ترك

اختياري المشعر عمديا بطل أيضا ، لما مر ، وإن كان غير عمدي ففيه قولان ،

( أحدهما : ما عن الشيخ والصدوق والسيد والاسكافي والحلبيين والمحقق والمصنف في

أكثر كتبه وأكثر المتأخرين ، وهي : صحة الحج .

الثاني : ما عن جمع آخرين وهو : البطلان .

وظاهر المصنف - رحمه الله - في الكتاب التردد فيه .

والأظهر : هو الأول ، لصحيح الحسن العطار عن الصادق عليه السلام : اذا

أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع

ووجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولا شئ

عليه ( 1 ) .

وأما العمومات المتضمنة لأن من لم يدرك المزدلفة قبل طلوع الشمس فلا حج

له - فهي أعم من الصحيحة فيقيد إطلاقها بها ، ومعارضة مع ما دل على أن من أدركها

قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ، والنسبة عموم من وجه ، والترجيح مع نصوص

الدرك .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 24 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1

 

 

[ فإن أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الاخر لضرورة صح حجه ، وإن أدرك

الاضطراريين معا فاته الحج على قول ، أما لو أدرك أحدهما فانه يبطل حجه

إجماعا .

الثانية : من فاته الحج سقطت عنه أفعاله ويحل بعمرة مفردة ، ويقضي

الحج في القابل مع الوجوب . ]

 

( ف ) قد تلخص مما ذكرناه أنه ( إن ادرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر

لضرورة صح حجة ، وإن أدرك الاضطراريين معا فاته الحج على قول ) وإن كان

الأظهر الصحة في بعض الفروض ( أما لو أدرك أحدهما فإنه يبطل حجه إجماعا )

كذا في المتن ، ولكن قد مر القول بالصحة وما هو الحق عندنا .

 

حكم من فاته الحج بعد الإحرام .

 

الثانية : من فاته الحج ) بعد الإحرام بفوات أحد الموقفين ونحوه ( سقطت

عند أفعاله ) أي بقية مناسكه من الهدي والرمي والمبيت بمنى والحلق والتقصير فيها

أو الموقف الباقي إن فات قبله ( ويحل ) عن إحرامه ( بعمرة مفردة ) مع الإمكان فيأتي

بأفعالها ثم يتحلل بما يتحلل به المعتمر ( ويقضي الحج في القابل مع ) استقرار

( الوجوب ) في ذمته بلا خلاف في شئ من الأحكام الثلاثة وفي المستند : بإجماع العلماء

المحقق والمحكي في الأحكام الثلاثة انتهى .

يشهد للحكم الأول : مضافا الى الأصل - خبر إسحاق عن أبي الحسن عليه

السلام عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي أن يفوته الموقف فقال : له يومه الى

طلوع الشمس من يوم النحر فإذا طلعت الشمس فليس له حج ، فقلت له : كيف

يصنع بإحرامة ؟ قال عليه السلام : يأتي مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة .

 

 

[ . . . ]

فقلت له : إذا صنع ذلك فما يصنع بعد ؟ قال عليه السلام : إن شاء أقام بمكة وإن شاء

رجع الى الناس بمنى وليس منهم في شئ ، وإن شاء رجع الى أهله وعليه الحج من

قابل ( 1 ) وصحيح حريز الآتي ( 2 ) .

وموثق الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السلام في رجل عرض له

سلطان فأخذه يوم عرفة قبل أن يعرف وخلى عنه يوم النفر ، وإن كان دخل مكة مفردا

للحج فليس عليه ذبح ولا حلق رأسه ( 3 ) .

ويشهد للحكمين الأخيرين : مضافا الى ما مر - كثير من النصوص كصحيح

ضريس عن الامام الباقر عليه السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة الى الحج فلم

يبلغ مكة إلا يوم النحر ، فقال عليه السلام : يقيم على إحرامه - الى أن قال - فإن لم

يكن اشترط فإن عليه الحج من قابل ( 4 ) .

وصحيح حريز عن الامام الصادق عليه السلام عن مفرد الحج فاته الموقفان

جميعا ، فقال عليه السلام : له الى طلوع الشمس من يوم النحر ، فإن طلعت الشمس

يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ، قال : قلت : كيف يصنع ؟

قال عليه السلام : يطوف بالبيت وبالصفا والمروة فإن شاء أقام بمكة وإن شاء أقام

بمنى مع الناس ، وإن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شئ ( 5 ) .

وصحيح معاوية بن عمار عن مولانا الصادق عليه السلام : أيما حاج سائق

……………………………………………

1 - الوسائل باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 5 .

2 - الوسائل باب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 4 .

3 - الوسائل باب 3 من أبواب الاحصار والصد حديث 2 مع اختلاف يسير .

4 - الوسائل باب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 2 .

5 - الوسائل باب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 4

 

 

[ . . . ]

للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة الى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة

وعليه الحج من قابل ( 1 ) ونحوها غيرها .

 

انقلاب الحج الى العمرة قهرا

 

فروع :

1 - هل ينقلب الحج الى العمرة قهرا كما عن القواعد والدروس والذخيرة

وغيرها ، فلو أتى بأفعالها من غير نية العمرة لكفى ، أم يعتبر النية ولا ينقلب قهرا كما

عن التحرير والتذكرة والمنتهى وغيرها ؟ وجهان من أن ظاهر قوله في بعض النصوص :

ويجعلها عمرة ، وهو لزوم نية الاعتمار وقلب إحرامه السابق اليه بالنية ، ومن التصريح

في أكثر النصوص بأنها عمرة وأنه يأتي ببقية افعال العمرة من غير تعرض للنية أصلا .

والأظهر هو الأول ، لقابلية حمل قوله : ويجعلها عمرة ، على إرادة فعلها عمرة

لا نيتها .

2 - بناءا على ما اخترناه من الانقلاب عمرة - لو بقي على إحرامه الى السنة

الآتية يجب عليه إتمام أعمالها ثم الإتيان بما عليه من مناسك الحج من حج التمتع أو

غيره ، ولا يكفي إتمام هذه العمرة عن عمرة التمتع ، لاعتبار كون عمرة التمتع وحجه

في سنة واحدة ، كما لا يكفي لو كان ما عليه حج الافراد أو القران وهو واضح ، بل

ظاهر النصوص وجوب إتمامها في تلك السنة للأمر به .

3 - المشهور بين الأصحاب شهره عظيمة : أنه لا يجب عليه الهدي ، وأكثر

……………………………………………

1 - الوسائل باب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

نصوص الباب من جهة خلوها عنه شاهدة به ، مضافا الى الأصل .

ونسب الى الصدوقين وبعض الأصحاب وجوبه ، واستدل له بما تضمن الأمر

به على المحصور .

وبصحيح ضريس المتقدم بناءا على نقل الصدوق - رحمه الله - إياه ، مع إضافة

قوله : ويذبح شاته .

وبخبر الرقي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : كنت معه إذ دخل عليه

رجل فقال : قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج ، فقال عليه السلام : نسأل الله العافية ، قال :

أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلون وعليهم الحج من قابل إن

انصرفوا الى بلادهم الحديث ( 1 ) .

ولكن يرد على الأول : أنه قياس مع الفارق .

وعلى الثاني : أنه في من اشترط على ربه عند إحرامه ، وقد مر الكلام فيه في

مبحث الإحرام .

ويتوجه على الثالث : مضافا الى ما قيل في سنده - أنه من جهة عدم إفتاء

الأصحاب بالوجوب يحمل على الندب أو على محامل أخر ككون القوم مصدودين أو

محصورين ، فإن عليهم حينئذ هدي التحلل كما عن كشف اللثام ، أو أنهم قد أحرموا

بعمرة لا حج لما علموا أنهم لا يدركون الموقف فكان يستحب لهم ذبح الشاة والحلق

تشبها بالحاج ، أو حمله على خصوص من اشترط كما عن الشيخ ، أو يحمل على التقية ،

وعلى أي تقدير لا يعمل بظاهره .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 5

 

 

[ الثالثة : يستحب الوقوف بعد الصلاة والدعاء ]

 

مستحبات الوقوف بالمشعر

 

( الثالثة : يستحب الوقوف ) بالمشعر ( بعد الصلاة ) بأن يكون نية الوقوف

بعد صلاة الصبح كما صرح به في محكي كلماتهم : في المقنع والهداية والكافي والمراسم

وجمل العلم والعمل والشرائع والنافع والمنتهى والتذكرة وغيرها .

واستدل له بقوله عليه السلام في صحيح ابن عمار : أصبح على طهر بعد ما

تصلي الفجر فقف ( 1 ) .

( و ) يستحب أيضا أن يصرف زمان وقوفه في ( الدعاء ) سيما الدعوات الماثورة ؟

وعن السيد والحلي والقاضي وجوبه .

وعن المفاتيح وشرحه : أنه لا يخلو من قوة .

وفي المستند : وهو كذلك إلا أنه يجزيه اليسير من الدعاء ، انتهى .

فقد استدل للوجوب بالأمر به في الآية الكريمة : ( فاذكروا الله عند المشعر

الحرام واذكروه كما هداكم ) ( 2 ) .

وبظواهر الأوامر في الأخبار ، ففي صحيح ابن عمار المتقدم مرارا : فإذا وقفت

فاحمد الله عزوجل وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه وصلى على النبي

صلى الله عليه وآله ثم ليكن من قولك : اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار

وأوسع علي من رزقك الحلال وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس ، اللهم أنت خير

……………………………………………

1 - الوسائل باب 11 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

2 - البقرة الآية 198

 

 

[ ووطء المشعر بالرجل للصرورة والصعود على قزح وذكر الله عليه . ]

 

مطلوب اليه وخير مدعو وخير مسؤول ولكل وافد جائزة فاجعل جائزتي في موطني

هذا أن تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وأن تجاوز عن خطيئتي ، ثم اجعل التقوى من

الدنيا زادي ، وفي غيره غير ذلك .

ولكن الدليلين لو تمت دلالتهما كان مفادهما وجوب مطلق الذكر والدعاء ، لا

صرف زمانه فيهما ، والأظهر حملهما على الاستحباب ، لتسالم الأصحاب عليه .

( و ) أيضا يستحب ( وطء المشعر بالرجل للصرورة ) لصحيح الحلبي عن

الامام الصادق عليه السلام في حديث : ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام

ويطأه برجله ( 1 ) .

قال الشيخ : المشعر الحرام جبل هناك يسمى قزح .

ونحوه مرسل ابان ( 2 ) .

وفي الرياض : الظاهر أن المراد بالمشعر هنا ما هو أخص من المزدلفة ، وفسر

بجبل قزح في المبسوط والوسيلة والكشاف والمغرب وغيرها على ما حكاه عنهم بعض

الأجلة انتهى .

اقول : ويعضده قوله : أن يقف على المشعر ، فإن الوقوف عليه غير الوقوف به ،

والأمر سهل بعد كون الحكم استحبابيا .

( و ) قال جماعة منهم المصنف - ره - إنه يستحب ( الصعود على قزح وذكر الله

عليه ) ومدركه النبويان ، ولضعفهما لم يلتزم به ، جمع ، ولكن يكفي في الحكم به أخبار من

……………………………………………

1 - الوسائل باب 7 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

2 - الوسائل باب 7 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث 2 .

 

 

[ الرابعة : يستحب التقاط حصى الرمي فيه ويجوز من أي جهات

الحرم كان عدا المساجد . ]

 

بلغ ( 1 ) وظاهر المصنف - ره - مغايرة الصعود على قزح لوطء المشعر ، وعن ظاهر

الحلبي اتحاد المسألتين .

( الرابعة : يستحب التقاط حصى الرمي منه ) أي من المشعر بلا خلاف ، و

في المستند : إجماعا محققا ومحكيا مستفيضا له .

ويشهد به : صحيح ابن عمار : خذ حصى الجمار من جمع وإن أخذته من رحلك

بمنى أجزأك ( 2 ) .

( ويجوز ) أخذها ( من أي جهات الحرم كان عدى المساجد ) .

ويشهد به : صحيح زرارة عن الامام الصادق عليه السلام : حصى الجمار إن

أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك ( 3 ) .

وموثق حنان عنه عليه السلام : يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من

المسجد الحرام ومسجد الخيف ( 4 ) ونحوهما غيرهما .

ثم إن الأكثر اقتصروا على استثناء المسجدين تبعا للنص ، بل عن الصدوق

والشيخ والحلبي والحلي وابن حمزة التصريح بالجواز من الأخذ من غيرهما ، وظاهر

التذكرة الاجماع عليه ، ومع ذلك كله تعدى جمع منهم الى سائر المساجد إما لإلغاء

الخصوصية وتنقيح المناط ، أو للنهي عن إخراج حصى المساجد .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 18 من ابواب مقدمة العبادات .

2 - الوسائل باب 18 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

3 - الوسائل باب 19 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

4 - الوسائل باب 19 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 2

 

 

[ الفصل الرابع : في نزول منى ويجب يوم النحر بمنى ثلاثة : أحدها

رمي جمرة العقبة ]

 

أقول : أما الأول فلا وجه له ، لعدم إحراز المناط ، وأما الثاني ، فقد مر في محله

عدم حرمة إخراج الحصى منها ، وعلى فرض الحرمة لايستفاد منه فساد العمل .

ودعوى : أنه يجب الإعادة فورا ومقتضاه النهي عن أضداده ومنها الرمي ،

والنهي موجب للفساد ، مندفعة : بعدم اقتضاء الأمر بالشئ للنهي عن ضده ، فهل

يفسد العمل بالرمي بالحصى المأخوذة من المسجدين ، أم لا ؟ الظاهر ذلك ، لأن النهي

عن أخذها منهما يستفاد منه المنع لا خصوص الحرمة التكليفية ، وعليه فالفرق بينه وبين

أخذ الحصى من سائر المساجد واضح .

 

رمي جمرة العقبة

 

( الفصل الرابع : في نزول منى ، ويجب يوم النحر بمنى ثلاثة : أحدها : رمي

جمرة العقبة ) ويقال لها : الجمرة القصوى أيضا ، وهي أقرب الجمرات الثلاث الى مكة ،

والخارج من مكة الى منى يصل اليها أولا في يسار الطريق .

وفي المستند : وهي منصوبة اليوم في جدار عظيم متصل بتل بحيث يظهر منه

جهتها الواحدة ، انتهى .

وفي وجوب ذلك قولان ، وفي المنتهى : رمي هذه الجمرة بمنى يوم النحر واجب ،

ولا نعلم فيه خلافا انتهى .

مع أنه في محكي المختلف نقل جملة من الأقوال المختلفة في ذلك ، فنقل عن

الشيخ في الجمل وابن البراج والمفيد وغيرهم من الأساطين القول بالندب .

 

 

[ . . . ]

ولكن الحلي في محكي السرائر ينكر أشد الانكار وجود قائل بالاستحباب ،

قال : لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجبا ولا أظن أحدا من المسلمين يخالف فيه ،

اقول : بعض كلماتهم قابل للحمل على إرادة ما ثبت وجوبه بالسنة كما أفاده ،

ولكن كلمات كثير منهم ظاهرة بل صريحة في إرادة الاستحباب

وكيف كان فيشهد للوجوب جملة من النصوص كصحيح معاوية بن عمار عن

الامام الصادق عليه السلام : خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند

العقبة فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها وتقول والحصى في يدك الحديث ( 1 )

وصحيح سعيد الأعرج : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : معنا نساء قال عليه

السلام : أفض بهن - الى أن قال - ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين

الجمرة الحديث ( 2 ) .

وخبر علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام : أي امرأة أو رجل خائف

أفاض من المشعر الحرام بليل فلا بأس ، فليرم الجمرة ثم ليمض ( 3 ) الى غير ذلك من

النصوص المتقدمة جملة منها في المسائل المتقدمة المعتضدة بالتأسي وفتاوي الفقهاء

فلا ينبغي التوقف في وجوبه .

ثم للرمي واجبات ومستحبات .

المقام الأول : في واجباته ، وهي أمور :

……………………………………………

1 - الوسائل باب 3 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 1 .

2 - الوسائل باب 1 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 1 .

3 - الوسائل باب 1 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

 

واجبات الرمي

 

الاول : ما صرح به المصنف - ره - وهو : لزوم كون الرمي في يوم النحر ، وهو

ظاهر الأصحاب .

قال في المنتهى : رمي هذه الجمرة بمنى يوم النحر واجب ، ولا نعلم فيه خلافا .

انتهى .

ويشهد به : جملة من النصوص كصحيح جميل عن الامام الصادق عليه السلام

في حديث : قلت له : الى متى يكون رمي الجمار ؟ فقال عليه السلام : من ارتفاع النهار

الى غروب الشمس ( 1 ) .

وخبر صفوان بن مهران ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ارم

الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها ( 2 ) .

وخبر إسماعيل بن همام عن الامام الرضا عليه السلام : لا ترم الجمرة يوم

النحر حتى تطلع الشمس ( 3 ) ونحوها غيرها .

ومن الغريب ما في المستند ، قال : لم أعثر بعد على خبر دال بصريحه على

وجوب كونه فيه ، انتهى .

نعم يجوز للمرأة وذي العذر تقديمه الى الليل كالوقوف بالمشعر ، وقد تقدم جملة

……………………………………………

1 - الوسائل باب 13 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 1 .

2 - الوسائل باب 13 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 2 .

3 - الوسائل باب 13 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 7

 

 

[ بسبع حصيات ملتقطة من الحرم أبكارا ]

 

من النصوص المصرحة بذلك المقيدة لإطلاق هذه النصوص .

الثاني : أن يرمي ( بسبع حصيات ) بإجماع علماء الإسلام كما في كلام جماعة ،

كذا في المستند .

وفي المنتهى : ولا نعلم فيه خلافا والأصل فيه : فعل النبي صلى الله عليه وآله

رماها بسبع حصيات يكبر في كل حصاة ، وهو قول علماء الاسلام : انتهى .

ويشهد به : نصوص منها : خبر أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام :

ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات ، فقال عليه السلام : خذ وأحدة من تحت

رجليك ، قال : وفي خبر آخر : ولا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمي ( 1 ) .

ومنها : صحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق عليه السلام في رجل أخذ

إحدي وعشرين حصاة فرمى بها فزاد واحدة فلم يدر أيهن نقص قال عليه السلام :

فليرجع وليرم كل واحدة بحصاة ( 2 ) .

ومنها : خبر عبد الأعلى عنه عليه السلام عن رجل رمى الجمرة بست حصيات

فوقعت واحدة في الحصى ، قال عليه السلام : يعيدها إن شاء من ساعته وإن شاء من

الغد اذا اراد الرمي ولا يأخذ من حصيات الجمار ( 3 ) ونحوها غيرها

الثالث : أن تكون الحصيات ( ملتقطة من الحرم ) بلا خلاف ، ويشهد به :

صحيح زرارة المتقدم ، وقد مر الكلام فيه في مستحبات المشعر .

الرابع : أن يكون الحصيات ( أبكارا ) أي غير مرمي بها رميا صحيحا إجماعا

……………………………………………

1 - الوسائل باب 7 من ابواب العود الى منى حديث 2 .

2 - الوسائل باب 7 من أبواب العود الى منى حديث 1 .

3 - الوسائل باب 7 من أبواب العود الى منى حديث 3 .

 

 

[ مع النية وإصابة الجمرة بفعله ]

 

محققا ومحكيا عن الخلاف والغنية والجواهر ، وفي المدارك والمفاتيح وشرحه ، وفي الذخيرة :

لا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب ، كذا في المستند .

ويشهد به : خبر عبد الأعلى المتقدم : ولا يأخذ من حصى الجمار .

ومرسل حريز المتقدم : لا تأخذ من موضعين من خارج الحرم ومن حصى الجمار .

ونحوه مرسل الفقيه المنجبر ضعف الجميع بالعمل المتعضد بالتأسي والسيرة .

الخامس : أن يكون ذلك ( مع النية ) لأنه من العبادات ، وقد مر حكمها

والدليل على اعتبارها مرارا .

( و ) السادس : ( إصابة الجمرة ) فلو لم يصبها لم يجزئ ، وفي المنتهى : ولا نعلم

فيه خلافا .

ويشهد به : مضافا الى عدم صدق رمي الجمرة مع عدم الإصابة - صحيح

معاوية بن عمار عن الامام الصادق عليه السلام في حديث : فإن رميت بحصاة فوقعت

في محمل فأعد مكانها ، وإن اصابت انسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك ( 1 ) ونحوه

غيره

السابع : أن يكون إصابة الجمرة والرمي ( بفعله ) بالإجماع كما عن المفاتيح -

وفي المنتهى : ولا نعلم فيه خلافا - لان الامر بالشئ يقتضي المباشرة .

وعليه فلو كانت الحصاة في يده فصدمه إنسان آخر والقيت الى الجمرة لم يكف ،

ولو ألقاها ووقعت على إنسان أو حيوان ووقعت الاصابة فتارة يعلم أن حركة الحيوان

أو الانسان دخيلة في الاصابة بحيث لو لم تكن لم تصب ، واخرى يعلم بعدم دخلها

……………………………………………

1 - الوسائل باب 6 من رمي جمرة العقبة حديث 1 .

 

 

[ بما يسمى رميا ]

 

فيها ، وثالثة يشك في ذلك ، أما الاول فمقتضى القاعدة عدم الاجزاء ، وأما الثاني

فالقاعدة وصحيح ابن عمار المتقدم تقتضيان الاجزاء ، وأما الثالث فمقتضى القاعدة

إحراز الامتثال وهو في الفرض مشكوك فيه ، فيبنى على عدم الاجزاء .

الثامن : أن يلقي ( بما يسمى رميا ) بلا خلاف ، وفي المنتهى : وهو قول العلماء

فلو وضعها بكفه في المرمى لم يجزئه ، لان الامر متعلق بالرمي فيجب تحققه .

وفي المنتهى : ولو طرحها قال بعض الجمهور : لا يجزيه لانه لا يسمى رميا ، وقال

أصحاب الرأي : يجزيه ، لانه يسمى رميا ، والحاصل إن الاختلاف وقع باعتبار الخلاف

في صدق الاسم ، فإن سمى رميا أجزأ بلا خلاف ، وإلا لم يجزئ إجماعا ، انتهى .

التاسع : أن يرميها بيده ، فلو رماها برجله أو بفمه لم يجزئه ، للانصراف ، ولقوله

عليه السلام في خبر أبي بصير : خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى ( 1 ) .

فتامل .

العاشر : أن يتلاحق الحصيات فلو رمى بها دفعة واحدة لم يحسب إلا واحدة .

وفي الجواهر : ويجب التفريق في الرمي بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الخلاف

والجواهر الاجماع عليه ، ولعله كذلك ، وهو الحجة بعد الانسباق خصوصا مع ملاحظة

الامر بالتكبير مع كل حصاة ، والتأسي والسيرة ، انتهى .

وهل الواجب تلاحق الرمي ، فلو أصابت المتلاحقة رميا دفعة واحدة أجزأت ،

كما جزم به صاحب الجواهر ره ، أم تلاحق الاصابة ففي الفرض لا يجزي ولكن لو

رمى دفعة وتلاحقا في الاصابة أجزأت كما نسبه في المستند الى الأصحاب ؟ وجهان

……………………………………………

1 - الوسائل باب 12 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

الاحوط رعاية الأمرين .

الحادي عشر : أن يكون ما يرمى به حجرا ، وفي المنتهى : ولا يجوز الرمي بغير

الحجارة قاله علماؤنا ، انتهى .

والوجه في ذلك : الامر برمي الحصى في صحيح زرارة المتقدم : لاترم الجمار إلا

بالحصى ، وهي كما عن القاموس : صغار الحجارة ، الواحدة حصاة ، والجمع حصيات ،

فلا يجزي الرمي بغير الحجر ، كما لا يجوز الرمي بالحجر الكبير ، وكذا الصغير جدا

بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة ، فعن المسالك احترز باشتراط تسميتها حجرا من

نحو الجواهر والكحل والزرنيخ والعقيق فإنها لا تجزي خلافا للخلاف ، ويدخل فيه

الحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة عرفا ، وممن اختار جواز الرمي به : الشهيد في

الدروس انتهى .

والمراد بالجمرة البناء المخصوص أو موضعه إن لم يكن كما عن كشف اللثام .

وعن الدروس : أنها اسم لموضع الرمي وهو البناء أو موضعه مما يجتمع من

الحصى .

وصرح علي بن بابويه بأنه الارض .

وعن المدارك : وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده ، لانه المعروف

الآن من لفظ الجمرة ولعدم تيقن الخروج من العهدة بدونه ، أما مع زواله فالظاهر

الاكتفاء باصابة موضعه انتهى .

المقام الثاني : في المستحبات .

 

 

[ ويستحب أن تكون رخوة برشا قدر الانملة ملتقطة لا مكسرة ]

 

ما يستحب في الرمي

 

( ويستحب أن تكون ) الحصى ( رخوة ) أي غير صلبة ، لصحيح هشام بن

الحكم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) كره الصم منها ( 1 ) والصم : جمع الاصم وهو :

الصلب من الحجر .

وأن تكون ( برشا ) بأن يكون فيها نقط يخالف لونها كما نسب الى المشهور .

وعن الجوهري وغيره أنه خصوص نقط بيض .

وعن النهاية الاثيرية هو ما فيه مختلط حمرة وبياضا وغيرهما ، ويشهد به صحيح

هشام المتقدم خذ البرش .

وأيضا يستحب أن تكون كل حصاة ( قدر الانملة ملتقطة ) والمراد أن يكون

كل واحدة مأخوذة من الارض منفصلة .

و ( لا ) تكون ( مكسرة ) من حجر - ويشهد بذلك كله : خبر البزنطي عن أبي

الحسن عليه السلام : حصى الجمار تكون مثل الانملة ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء

ولا حمراء خذها كحلية منقطة ( 2 ) .

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام : التقط الحصى ولا تكسرن منهن

شيئا ( 3 ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 20 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 1 .

2 - الوسائل باب 20 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 2 .

3 - الوسائل باب 20 من ابواب الوقوف بالمشعر حديث 3

 

 

[ ولا صلبة والدعاء عند كل حصاة والطهارة ]

 

( و ) قد مر أنه يستحب أن ( لا ) تكون ( صلبة ) .

( و ) يستحب ( الدعاء عند كل حصاة ) ففي صحيح معاوية بن عمار عن الامام

الصادق عليه السلام : خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة

فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها وتقول والحصى في يدك : اللهم هؤلاء

حصياتي فاحصهن لي وارفعهن في عملي ثم ترمي فتقول مع كل حصاة : الله اكبر اللهم

ادحر عني الشيطان ، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اللهم اجعله حجا مبرورا

وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ( 1 ) .

( و ) مما يستحب فيه : ( الطهارة ) من الاحداث على المشهور بين الاصحاب .

وعن المفيد والسيد والاسكافي وجوبها فيه .

والنصوص الدالة على مطلوبيتها ورجحانها مستفيضة ففي صحيح ابن عمار

عنه عليه السلام : ويستحب أن ترمي الجمار على طهر ( 2 ) .

وفي خبر أبي غسان حميد بن مسعود عن أبي عبد الله عليه السلام عن رمي

الجمار على غير طهور : الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان إن طفت بينهما على غير

طهر لم يضرك والطهر أحب إلي فلا تدعه وأنت قادر عليه ( 3 ) .

وفي خبر الواسطي عن أبي الحسن عليه السلام : لا ترم الجمار إلا وأنت

طاهر ( 4 ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 3 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 1 .

2 - الوسائل باب 2 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 3 .

3 - الوسائل باب 2 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 5 .

4 - الوسائل باب 2 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 6 .

 

 

[ والتباعد بمقدار عشرة اذرع الى خمسة عشر ذراعا والرمى خذفا ]

 

وفي خبر محمد عن أبي جعفر عليه السلام : لا ترم الجمار إلا وأنت على طهر ( 1 ) .

وظاهر أكثر النصوص الوجوب ، وجملة منها وإن كانت ظاهرة في الندب إلا أن

كونه بنحو يصلح لرفع اليد عما هو ظاهر في الوجوب محل تردد ، ولكن بعضها صريح

في عدم الوجوب كخبر أبي غسان المنجبر ضعفه بالشهرة ، فإذا لا إشكال في

الاستحباب

( و ) من المستحبات فيه : ( التباعد ) عنها ( بمقدار عشرة اذرع الى خمسة عشر

ذراعا ) لما في صحيح معاوية المتقدم : وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشره أذرع

أو خمسة عشر ذراعا ، فإن المفهوم من هذه العبارة في أمثال المقام ذلك لا التخيير بين

الاقل والاكثر ، كي يناقش فيه بعدم المعقولية .

وعن علي بن بابويه تقديرهما بالخطى ، وهما متقاربان .

( و ) يستحب أيضا : ( الرمي خذفا ) بإعجام الحروف ، على المشهور شهرة

عظيمة ، ولم يحك الخلاف إلا عن السيد والحلي .

وعن المختلف أنه من متفردات السيد .

والشاهد بالحكم خبر البزنطي عن أبي الحسن في حديث : تخذفهن خذفا

وتضعها على الابهام وتدفعها بظفر السبابة ( 2 ) المحمول على الاستحباب ، لتسالم

الاصحاب عليه .

وأما ما في الجواهر من الاستدلال لعدم الوجوب بإطلاقات الادلة والاصل ،

……………………………………………

1 - الوسائل باب 2 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 1 .

2 - الوسائل باب 7 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 1

 

 

[ وأن يستقبل هذه الجمرة ويستدبر القبلة ]

 

فيرد عليه : أنهما لا يقاومان النص الخاص .

ثم إن الخذف هو الرمي بأطراف الاصابع كما عن الخلاص ، ونسبه في محكي

السرائر الى أهل اللسان أو الرمي بالاصابع كما عن الصحاح والديوان وغيرهما ، أو

الرمي من بين إصبعين كما عن المجمل والمفصل

والظاهر اتحاد هذه الثلاثة ، لان الرمي بالاصابع يكون غالبا بأطرافها كما

يكون في الغالب بإصبعين .

ثم إن المستحب هو أن يرمي من طرفي السبابة والابهام كما في الخبر ، فيكون

هذا الفرد منه مستحبا .

ثم المحكي عن السرائر والمقنعة والمبسوط والنهاية والمصباح ومختصره والمراسم

والكافي والمهذب والجامع والتذكرة والمنتهى والتحرير تخصيصه بباطن الابهام ، بل عن

المختلف نسبته الى المشهور .

والوجه في ذلك مع إطلاق الخبر : أن المأمور به فيه هو الدفع بظفر السبابة وهو

لا يتيسر إلا بوضعها على بطن الابهام .

وأما ما عن الانتصار من الدفع بظفر الوسطى عن بطن الابهام ، فلا دليل

عليه ، والنص يخالفه .

( و ) يستحب أيضا ( أن يستقبل هذه الجمرة ) بأن يكون مقابلا لها وهو نحو

رميها من قبل وجهها ( و ) حينئذ فيلزمه أن ( يستدبر القبلة ) كما صرح به غير واحد .

وعن المنتهى نسبته الى أكثر اهل العلم ، وفي الجواهر : بل لعله لا خلاف فيه .

وكيف كان فيشهد له : صحيح ابن عمار المتقدم : فارمها من قبل وجهها ولا

 

 

[ وفي غيرها يستقبلها ، ويجوز الرمي عن العليل . ]

 

ترمها من أعلاها ( 1 ) .

وما عن الشيخ من أن النبي صلى الله عليه وآله رماها مستقبلا لها مستدبر

الكعبة ( 2 ) ، بل عن بعض أنه ورد الخبر باستدبار القبلة في الرمي يوم النحر واستقبالها

في غيره ، وهو دال على الامرين .

وبذلك يظهر وجه ما ذكره المصنف - ره - بقوله : ( وفي غيرها يستقبلها ) .

( ويجوز الرمي عن العليل ) والمبطون والمغمى عليه ومن أشبههم من أصحاب

الاعذار ، للضرورة ، وظاهر المنتهى الاتفاق عليه .

ويشهد به جملة من النصوص كصحيح ابن عمار وعبد الرحمان بن الحجاج

جميعا عن الامام الصادق عليه السلام : الكسير والمبطون يرمى عنهما ، قال : والصبيان

يرمى عنهم ( 3 ) .

وصحيح إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام عن المريض ترمى عنه

الجمار ، قال عليه السلام : نعم يحمل الى الجمرة ويرمى عنه ، قلت : لا يطيق ذلك ، قال

عليه السلام يترك في منزله ويرمى عنه ( 4 ) .

وصحيح رفاعة بن موسى عن مولانا الصادق عليه السلام عن رجل أغمي

عليه ، فقال عليه السلام يرمى عنه الجمار ( 5 ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 3 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 1 .

2 - المبسوط كتاب الحج فصل النزول بمنى .

3 - الوسائل باب 17 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 1 .

4 - الوسائل باب 17 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 2 .

5 - الوسائل باب 17 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 5

 

 

[ والثاني : الذبح ويجب بعد الرمي الذبح مرتبا ]

 

وخبر يحيى بن سعيد عنه عليه السلام عن امرأة سقطت عن المحمل

فانكسرت ولم تقدر على رمي الجمار ، فقال عليه السلام : يرمي عنها ( 1 ) الى غير ذلك

من النصوص .

 

وجوب كون الذبح بعد الرمي

 

( الثاني ) مما يجب بمنى : ( الذبح ) إجماعا كتابا وسنة كما ستمر عليك .

( ويجب بعد الرمي الذبح مرتبا ) كما عن الشيخ في أحد قوليه والاكثر ، ولكن

عن الشيخ في قوله الآخر ، والعماني والحلبي والمهذب والمصنف - ره - في المختلف :

استحباب ذلك .

وعن ظاهر المختلف أنه قول معظم الاصحاب .

وأسنده في محكي الدروس الى الشهرة .

وأما النصوص فهي طائفتان :

الاولى : ما ظاهره وجوب كون الذبح بعد الرمي كصحيح سعيد الاعرج عن

الامام الصادق عليه السلام : قلت له : معنا نساء ، قال عليه السلام أفض بهن بليل ولا

تفض بهن حتى تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين

الجمرة ، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ( 2 ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 17 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 7 .

2 - الوسائل باب 1 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 1

 

 

[ . . . ]

وخبر علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليه السلام : فليرم الجمرة ثم ليمض

وليأمر من يذبح عنه ( 1 ) .

وصحيح معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام اذا رميت الجمرة فاشتر

هديك ( 2 ) .

الثانية : ما يدل على جواز التقديم كصحيح البزنطي عن أبي جعفر الثاني عليه

السلام : قلت له : جعلت فداك إن رجلا من أصحابنا رمى الجمرة وحلق قبل أن يذبح ،

فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين

فقالوا : يا رسول الله ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن نذبح فلم يبق شئ

مما ينبغي أن يقدموه إلا أخروه ولا شئ مما ينبغي أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال رسول

الله صلى الله عليه وآله : لا حرج ولا حرج ( 3 ) ونحوه غيره .

وقيل في الجمع بين الطائفتين : وجوه :

أحدها : حمل الثانية على صورة الجهل والنسيان .

ثانيها : حمل الاولى على الندب .

ثالثها : حمل الثانية على إرادة عدم بطلان الحج وعدم الكفارة ، والاولى على

الحكم التكليفي .

ولكن يدفع الاول : أنه لا موجب لتخصيص الثانية بالجاهل والناسي .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 1 من ابواب رمي جمرة العقبة حديث 2 .

2 - الوسائل باب 39 من ابواب الذبح حديث 1 .

3 - الوسائل باب 39 من أبواب الذبح حديث 6

 

 

[ وهو الهدى على المتمتع خاصة في الفرض والنفل ]

 

وان قيل : إنه يجمع بين الطائفتين بذلك .

قلنا : إنه جمع تبرعي لا شاهد له .

ويرد على الثالث : أنه صلى الله عليه وآله لم يقل : لا شئ عليكم ، بل قال : لا

حرج ، وهو ظاهر في نفي اللزوم التكليفي ، فالاظهر هو الجمع بالحمل على

الاستحباب .

 

وجوب الهدي على المتمتع

 

ثم انه يقع الكلام فيمن يجب عليه الذبح ، قال : ( وهو الهدي على المتمتع

خاصة ) ( في الفرض والنفل ) فهاهنا أحكام : وجوب الهدي على المتمتع ، عدم

اختصاصه بالفرض ، عدم وجوبه على غيره .

أما الاول فعليه الاجماع ، قال في المنتهى : وأجمع المسلمون كافة على وجوب

الهدي على المتمتع بالعمرة الى الحج انتهى .

والكتاب شاهد به ، قال الله تعالى : ( فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر

من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة

كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) ( 1 ) .

والنصوص الكثيرة تدل عليه كخبر سعيد الاعرج ، قال أبو عبد الله عليه

السلام : من تمتع في اشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة .

……………………………………………

1 - البقرة آية 196

 

 

[ وللمولى الزام المملوك بالصوم أو ان يهدي عنه فان عتق قبل أحد الموقفين ]

 

الحديث ( 1 ) .

وصحيح زرارة عن الامام الباقر عليه السلام في المتمتع ، قال : وعليه الهدي .

قلت : وما الهدي ؟ فقال عليه السلام : أفضله بدنة وأوسطه بقرة وآخره شاة ( 2 ) .

وصحيح معاوية عن الامام الصادق عليه السلام : يجزي في المتعة شاة ( 3 ) .

ونحوهما غيرهما من النصوص المتواترة الواردة عنهم عليهم السلام بألسنة مختلفة .

وأما الثاني فيشهد له : إطلاق الاخبار والآية لعدم اختصاصها بمن أتاها فرضا .

وأما الثالث فقد طفحت كلماتهم بأنه لا يجب الهدي على غير المتمتع معتمرا

كان أو حاجا ، مفترضا أو متنفلا ، مفردا او قارنا إلا ما يسوقه القارن عند الاحرام ،

وتكرر في كلماتهم دعوى الاجماع عليه .

ويشهد له : خبر الاعرج عن الامام الصادق عليه السلام : ومن تمتع في غير

اشهر الحج ثم جاور بمكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة ( 4 ) .

وصحيح ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن المفرد ، قال عليه السلام :

ليس عليه هدي ولا أضحية ( 5 ) الى غير ذلك من النصوص .

فما في بعض الاخبار من وجوب الهدي على غير المتمتع محمول على

الاستحباب .

( وللمولى إلزام المملوك بالصوم أو أن يهدي عنه فإن أعتق قبل أحد الموقفين .

……………………………………………

1 - 2 - الوسائل باب 1 من ابواب الذبح حديث 11 .

3 - الوسائل باب 10 من ابواب الذبح حديث 5 .

4 - الوسائل باب 10 من ابواب الذبح حديث 2 .

5 - الوسائل باب 1 من ابواب الذبح حديث 4

 

 

[ لزمه الهدي مع القدرة وإلا صام ، وتجب فيه النية ، وذبحه بمنى ]

 

لزمه الهدي مع القدرة وإلا صام ) بلا خلاف في شئ من ذلك ، والنصوص دالة عليه ،

ولا يهمنا تفصيل القول فيه

 

وجوب ذبح الهدي بمنى

 

( ويجب فيه النية ) لان الذبح من العبادات ، ذكروا ذلك على وجه إرسال

المسلمات ، واعتبارها فيها من الواضحات ، ويعتبر فيها زائدا على الارادة المحركة ونية

القربة قصد كونه هدي التمتع مثلا ، لان جهات إراقة الدم متعددة فلا يتخلص

المذبوح هديا إلا بالقصد .

( و ) مما يجب فيه : ( ذبحه بمنى ) عند علمائنا كما في التذكرة ، وإجماعا كما عن

المفاتيح .

ويشهد به خبر إبراهيم الكرخي عن الامام الصادق عليه السلام في رجل قدم

بهديه مكة في العشر ، فقال عليه السلام : إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى ، وإن

كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء ( 1 ) .

وخبر عبد الاعلى ، قال أبو عبد الله عليه السلام : لا هدي إلا من الابل ولا

ذبح إلا بمنى ( 2 ) .

وصحيح منصور بن حازم عنه عليه السلام في رجل يضل هديه فوجده رجل

آخر فينحره ، فقال عليه السلام : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل

……………………………………………

1 - الوسائل باب 4 من ابواب الذبح حديث 1 - .

2 - الوسائل باب 4 من ابواب الذبح حديث 6 .

 

 

[ يوم النحر ]

 

عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجزئ عن صاحبه ( 1 ) ونحوها غيرها .

وبإزائها خبران :

1 - ما تضمن ذبح الامام عليه السلام بمكة وهو صحيح معاوية ، قلت لابي

عبد الله عليه السلام : إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكة ،

فقال عليه السلام : إن مكة كلها منحر ( 2 ) .

ولكن فعل الامام عليه السلام قضية في واقعة ، ولعله كان الهدي مندوبا ، وقوله

يدل على أن مكة منحر بالنسبة الى ذلك الهدي وشبهه .

2 - صحيح ابن عمار عن الامام الصادق عليه السلام في رجل نسي أن يذبح

بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثم ذبح ، قال عليه السلام : لا بأس قد أجزأ عنه ( 3 ) .

ولكن ذلك ليس ظاهرا في الذبح بمكة إلا أن الانصاف أن منع دلالتهما على

جواز الذبح بمكة مكابرة ، سيما الأول فإنه وإن كان في مورد خاص إلا أن عموم

التعليل يشهد بذلك ، فالأظهر بحسب النصوص جواز الذبح بمكة ولكن لعدم إفتاء

الأصحاب به ينبغي رعاية الاحتياط بالذبح بمنى .

 

وجوب ذبح الهدي يوم النحر

 

الثالث من واجباته : أن يكون الذبح ( يوم النحر ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 28 من ابواب الذبح حديث 2 .

2 - الوسائل باب 4 من ابواب الذبح حديث 2 .

3 - الوسائل باب 39 من أبواب الذبح حديث 5 .

 

 

[ . . . ]

وعن المدارك : أنه قول علمائنا .

لكن المسلم منه عدم تقديمه على يوم النحر ، وأما تأخيره عنه فقد صرح جماعة

بجوازه ، ومنهم من قال بجواز تأخيره اختيارا الى آخر ذي الحجة كالشيخ في المصباح

ومختصر المصباح والنهاية ، بل وعن الغنية الإجماع عليه ، ومنهم من قال بجواز تأخيره

اختيارا الى ثلاثة أيام بعد يوم النحر كصاحب الجواهر ، وعن ظاهر المهذب جواز

تأخيره عن ذي الحجة ، وعلى جميع الأقوال لا خلاف بينهم في أنه لو أخره الى آخر

ذي الحجة أجزأه .

وأما نصوص الباب فمنها : ما يدل على تعين يوم النحر ، وهو النبوي : خذوا

عني مناسككم ( 1 ) بعد مسلمية أنه ذبحه يوم النحر ، والنصوص التي مرت في الرخصة

للنساء والخائف ونحوه المشتملة على الأمر لهن بالتوكيل في الذبح إن خفن الحيض .

ومنها : ما يدل على جواز التأخير الى آخر ذي الحجة وهي مطلقات الكتاب والسنة .

ومنها : ما يدل على جواز التأخير الى آخر ذي الحجة وعدم جواز التأخير عنه .

كصحيح حريز عن الامام الصادق عليه السلام في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم ،

قال : يخلف الثمن عند أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزي عنه فإن

مضى ذو الحجة اخر ذلك الى قابل من ذي الحجة ( 2 ) .

وخبر النضر بن قرواش عنه عليه السلام في الفرض لا يذبح عنه إلا في ذي

الحجة ( 3 ) ونحوهما غيرهما .

……………………………………………

1 - تيسير الوصول ج 1 ص 312

2 - الوسائل باب 44 من ابواب الذبح حديث 1 .

3 - الوسائل باب 44 من ابواب الذبح حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

ومنها : ما يدل على أن وقته أربعة أيام كصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه

السلام عن الأضحى كم هو بمنى فقال : أربعة أيام ( 1 ) ونحوه موثق الساباطي عن

الامام الصادق عليه السلام ( 2 ) .

ومنها : ما يدل على أنه ثلاثة ايام كخبر منصور بن حازم عن الامام الصادق

عليه السلام قال : سمعته يقول : النحر بمنى ثلاثة أيام فمن اراد الصوم لم يصم حتى

تمضي الثلاثة الأيام ( 3 ) ونحوه خبر الأسدي ( 4 ) هذه جميع نصوص الباب .

أما الطائفة الاولى فلا تدل على ما استدل بها له ، فإنه يرد على التأسي : أن

النبي صلى الله عليه وآله وإن نحر يوم النحر إلا أنه لا يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم

نسكا ضرورة احتياج الذبح الى وقت .

وأما نصوص توكيل النساء في الذبح فلا تدل على عدم جواز التأخير ، إذ

يمكن أن يكون جائزا ويجوز التوكيل أيضا .

وأما الطائفة الثانية فيقيد إطلاقها بغيرها من النصوص .

وأما الطائفة الثالثة فهي في المعذور .

وأما الطائفة الخامسة فالجمع بينها وبين الطائفة الرابعة يقتضي حملها على إرادة

أيام النحر التي يصام بعدها ، كما صرح به في خبر منصور ، فالمتحصل : أن أيام النحر

بمنى أربعة أيام ، وللمعذور الى آخر ذي الحجة ، والمختار إن أخر عن الأربعة أثم ولكن

……………………………………………

1 - الوسائل باب 6 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 6 من أبواب الذبح حديث 2 .

3 - الوسائل باب 6 من أبواب الذبح حديث 5 .

4 - الوسائل باب 6 من أبواب الذبح حديث 6 .

 

 

[ وعدم المشاركة في الواجب ]

 

يجزي عنه الى آخر ذي الحجة .

فرع : قال المصنف - ره - في المنتهى : الليالي المتخللة لأيام النحر قال أكثر

فقهاء الجمهور : إنه يجزي فيها ذبح الهدي لأن هاتين الليلتين داخلتان في مدة الذبح

فجاز الذبح فيها كالأيام .

احتجوا بقوله تعالى : ( ليذكروا اسم الله في أيام معلومات ) والليالي تدخل

في اسم الأيام .

ثم أجاب - قده - بالمنع من ذلك .

وعن الشهيد في الدروس الجواز ، قال : لو ذبح ليالي التشريق فالأشبه الجواز ،

وإن منعناه فهو مقيد بالاختيار فيجوز مع الاضطرار ، نعم يكره اختيارا .

أقول : ما أفاده المصنف - ره - من منع شمول الأيام لليالي لا إشكال فيه ،

ولكن لا يبعد دعوى ظهور جعل مدة من الزمان ظرفا للشئ كونها ظرفا له بنحو

الاستمرار فيدخل الليالي المتوسطة ولكن الاحتياط لا يترك ، نعم لا ريب في جوازه

للخائف للنصوص ( 1 ) الدالة عليه .

 

عدم إجزاء الهدي إلا عن واحد

 

( و ) الرابع من الواجبات : ( عدم المشاركة في الواجب ) بلا خلاف ، وهو في

غير حال الضرورة من الواضحات ، فإن كل فرد مأمور بالهدي الواحد .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 7 من ابواب الذبح

 

 

[ . . . ]

إنما الكلام في حال الضرورة ، فالأشهر على ما في الرياض أنه لا يجزي واحد

عن متعدد .

وعن المبسوط والنهاية والاقتصاد والجمل والعقود وغيرها : أنه يجوز في الهدي

الواجب عند الضرورة الواحد عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين ويجزي عنهم كانوا

متفقين في النسك او مختلفين .

وعن المختلف : الأقرب الأجزاء عند الضرورة عن الكثير دون الاختيار .

وهناك أقوال اخر مختلفة كاختلاف النصوص .

منها : ما يدل على عدم إجزاء الواحد إلا عن واحد كخبر محمد بن مسلم عن

أحدهما عليهما السلام : لا يجوز البدنة والبقرة إلا عن واحد بمنى ( 1 ) .

وصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام : تجزي البقرة أو البدنة في

الأمصار عن سبعة ، ولا تجزي بمنى إلا عن واحد ( 2 ) ونحوهما غيرهما .

ومنها : ما يدل على الإجزاء عن المتعدد مطلقا كخبر أبي بصير عنه عليه السلام

البدنة والبقرة يضحى بها تجزي عن سبعة اذا اجتمعوا من أهل بيت واحد ومن

غيرهم ( 3 ) .

وخبر إسماعيل بن أبي زياد عنه عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام

البقرة الجذعة تجزي عن ثلاثة من أهل بيت واحد والمسنة تجزي عن سبعة متفرقين .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 18 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 18 من ابواب الذبح حديث 4 .

3 - الوسائل باب 18 من ابواب الذبح حديث 6

 

 

[ . . . ]

والجزور يجزي عن عشرة متفرقين ( 1 ) الى غير ذلك من النصوص .

ومنها : ما يدل على التفصيل بين الواجب وغيره كصحيح الحلبي عن الامام

الصادق عليه السلام عن النفر تجزيهم البقرة ، قال : أما في الهدي فلا ، وأما في الأضحى

فنعم ( 2 ) .

ومنها : ما يدل على الجواز عن المتعدد في صورة الضرورة كصحيح عبد الرحمان

بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم

متمتعون وهم مترافقون وليسوا بأهل بيت واحد ، وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم

واحد ، ألهم أن يذبحوا بقرة ؟ قال عليه السلام : لا احب ذلك إلا من ضرورة ( 3 ) .

وللأصحاب في الجمع بين النصوص مسلكان : أحدهما : حمل نصوص الجواز

على ما لا يكون واجبا ، ونصوص المنع على الواجب ، ويشهد بهذا الجمع : الطائفة

الثالثة .

ثانيهما : حمل نصوص الجواز على حال الضرورة ، ونصوص المنع على حال

الاختيار ، قالوا : ويشهد به : الطائفة الرابعة .

ورجح في محكي الذخيرة الجمع الثاني قائلا على أولهما : أنه لا يجزي في صحيحة

عبد الرحمان ، ولعل منشأه التصريح فيها بأنهم متمتعون .

وفيه : إن كونهم متمتعين لا ينافي السؤال عن حكم غير الواجب ، وعليه فلا

……………………………………………

1 - الوسائل باب 18 من ابواب الذبح حديث 7 .

2 - الوسائل باب 18 من ابواب الذبح حديث 3 .

3 - الوسائل باب 18 من ابواب الذبح حديث 10 .

 

 

[ وأن يكون من النعم ]

 

معارض لظهور الأضاحي في غير الهدي ويؤيده قوله عليه السلام : لا أحب ذلك إلا

من ضرورة المشعر بجواز الشركة في حال الاختيار ، فالجمع الأول هو المتعين ،

فالمتحصل : أن الهدي الواجب لا يجوز الشركة فيه ، فلو تعذر ينتقل الفرض الى البدل

بنص الآية الكريمة ، وأما غير الواجب فيجوز فيه الشركة .

 

وجوب كون الهدي من النعم

 

ثم إنه يقع الكلام في جنس الهدي وسنه ووصفه وعدده ومصرفه فهاهنا مسائل :

( و ) الاولى : يجب ( أن يكون ) الهدي ( من ) إحدى ( النعم ) الثلاثة : الإبل

والبقر والغنم بلا خلاف أجده ، فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كذا في الجواهر .

ويشهد به صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في المتمتع ، قال عليه

السلام : وعليه الهدي ، قلت : وما الهدي ؟ فقال عليه السلام : أفضله بدنة وأوسطه بقرة

وآخره شاة ( 1 ) .

وخبر أبي بصير عن الامام الصادق عليه السلام إن استمتعت بالعمرة الى

الحج فإن عليك الهدي فما استيسر من الهدي إما جزور وإما بقرة وإما شاة ، وإن لم

تقدر فعليك الصيام ( 2 ) ونحوهما غيرهما .

ويؤيده ما عن المفسرين ، في قوله تعالى : ( ليذكروا اسم الله على ما رزقهم

……………………………………………

1 - الوسائل باب 10 من ابواب الذبح حديث 5 .

2 - الوسائل باب 10 من ابواب الذبح حديث 10

 

 

[ ثنيا قد دخل في السادسة إن كان من البدن ، وفي الثانية إن كان من البقر

والغنم ويجزي من الضأن الجذع لسنة ]

 

من بهيمة الأنعام ) ( 1 ) من أنها الثلاثة المزبورة ، وكونه المعهود والمأثور من فعل النبي

صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام والصحابة والتابعين وأقله واحد مما ذكر

ولاحد لأكثره فقد نحر النبي صلى الله عليه وآله ستا وستين بدنة .

 

اعتبار السن في الهدي

 

الثانية : في السن ، فالمشهور اعتبار أن يكون الهدي ( ثنيا قد دخل في

السادسة إن كان من البدن ، وفي الثانية إن كان من البقر والغنم ، ويجزي من

الضأن الجذع لسنة ) بل الظاهر عدم الخلاف فيه .

ويشهد للحكمين - أي اعتبار كونه ثنيا في غير الضأن وفيه يكفي الجذع -

جملة من النصوص كصحيح العيص عن أبي عبد الله عليه السلام عن الامام علي

عليه السلام أنه كان يقول : الثنية من الإبل والثنية من البقر والثنية من المعز والجذعة

من الضان ( 2 ) .

وصحيح ابن سنان عنه عليه السلام : يجزي من الضأن الجذع ولا يجزي من

المعز إلا الثني ( 3 ) ونحوهما غيرهما .

وأما حسن الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام عن أسنان الأضاحي : أما

……………………………………………

1 - سورة الحج آية 35 .

2 - الوسائل باب 11 من ابواب الذبح حديث 1 .

3 - الوسائل باب 11 من ابواب الذبح حديث 2 .

 

 

[ تاما ]

 

البقر فلا يضرك بأي أسنانها ضحيت وأما الإبل فلا يصلح إلا الثني فما فوق ( 1 ) فهو

في غير الهدي ، فلا إشكال في الحكم .

وأما التفسير الذي أفاده المصنف وهو أن الثني من الإبل ما كمل له خمس

سنين ودخل في السادسة ، والثني من البقر والغنم ما دخل في الثانية ، والجذع من الضأن

ما كمل له سنة تامة فالأول منه لا خلاف فيه ، بل عن المفاتيح دعوى الإجماع عليه ،

والثاني مشهور بين الأصحاب .

وعن جماعة : أنه ما دخل في الثالثة .

وعن الوافي : أنه الأشهر ، والثالث مشهور بين الأصحاب ، وهناك أقوال اخر

فإن لم يثبت شئ من الأقوال فاللازم الاقتصار على الأعلى سنا ، لقاعدة الاشتغال .

 

اعتبار كون الهدي تاما .

 

الثالثة : يجب في الهدي أن يكون ( تاما ) أي تام الأعضاء خاليا عن العيب فلا

يجزي الناقص والمعيب بلا خلاف فيه في الجملة ، بل هو إجماعي ، وتنقيح القول في

المقام يقتضي البحث في موارد :

1 - هل هناك ما يدل على هذه الكبرى الكلية أم لا ؟

2 - في ما ورد فيه بالخصوص النص الخاص ، وبيان ما يستفاد منه في كل مورد

وما يتفرع عليه .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 11 من ابواب الذبح حديث 5

 

 

[ . . . ]

3 - في جملة من التنبيهات

أما الأول فيشهد لعدم إجزاء الناقص : صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه

السلام عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم عورها إلا بعد شرائها هل تجزي

عنه ؟ قال عليه السلام : نعم إلا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز ناقصا ( 1 ) ومقتضى

ذلك عدم إجزاء الناقص إلا ما خرج بالدليل

وصحيح ابن عمار عن الامام الصادق عليه السلام في رجل يشتري هديا فكان

به عيب عورا وغيره ، فقال عليه السلام : ان كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه ، وإن لم يكن

نقد ثمنه رده واشتري غيره ( 2 ) .

ولا يخفي أن المعيب هو الناقص ، فإن العيب هو النقص عن الخلقة الأصلية ،

وعليه فليس لنا كبريان إحداهما : عدم إجزاء الناقص ، والاخرى عدم إجزاء المعيب ،

كي نحتاج الى الاستدلال للثانية كما في المستند .

وأما الثاني فقد ورد النص في جملة من الموارد ، وهي : العوراء ، والعرجاء ،

والمريضة البين مرضها ، والكبيرة التي لا تنقي ، وفسرها في المنتهى بالمهزولة التي لا مخ

لها ، والمكسور قرنها الداخل ، ومقطوعة الاذن ، والخصي ، والمهزولة .

أما الأربع الاولى ففي المنتهى : دعوى اتفاق العلماء على عدم إجزاء شئ

منها .

واستدل له بما رواه البراء بن عازب ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه

……………………………………………

1 - الوسائل باب 24 من ابواب الذبح حديث 2 .

2 - الوسائل باب 24 من ابواب الذبح حديث 1

 

 

[ . . . ]

وآله خطيبا فقال : أربع لا تجوز في الأضحى العوراء البين عورها ، والمريضة البين

مرضها ، والعرجاء البين عرجها ، والكسيرة التي لا تنقى ( 1 ) . وضعفه منجبر بالعمل .

ويشهد له في الأولتين : خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم

السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا يضحى بالعرجاء بين عرجها ، ولا

بالعوراء بين عورها ، ولا بالعجفاء ، ولا بالخرقاء ، ولا بالجذعاء ، ولا بالعضباء ( 2 ) .

اقول : العجفاء : المهزولة ، والخرقاء : المخروقة الاذن أو التي في أذنها ثقب

مستدير ، والجذعاء : المقطوعة ، والمراد بها هنا المقطوعة الاذن ، والعضباء : المكسور

القرن الداخل أو مشقوقة الاذن .

قال سيد المدارك : كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العور بين كونه بينا

كانخساف العين وغيره كحصول البياض عليها ، وبهذا التعميم صرح في المنتهى ، وأما

العرج فاعتبر الأصحاب فيه كونه بينا كما ورد في رواية السكوني ، وفسروا البين بأنه

الفاحش الذي يمنعها السير مع الغنم ومشاركتهن في العلف والمرعى فتهزل ، ومقتضى

صحيحة علي بن جعفر عدم إجزاء الناقص من الهدي مطلقا انتهى .

وأورد عليه صاحب الحدائق - ره - بأن خبر السكوني أخص من الصحيح

فيقيد إطلاقه به كما هي القاعدة المطردة .

ولكن : يرد على صاحب الحدائق : أن حمل المطلق على المقيد إنما هو في

المتخالفين ، وأما المتوافقان كما في المقام فلا يحمل المطلق على المقيد فيهما .

……………………………………………

1 - سنن البيهقي ج 5 ص 242 .

2 - الوسائل باب 21 من ابواب الذبح حديث 3

 

 

[ . . . ]

ويرد على السيد : أن صدق الناقص على مطلق العرج عرفا محل تأمل .

ويرد على الاصحاب : أنه ما الفرق بين العور والعرج بعد وحدة الدليل حتى

من حيث القيد حتى يصح أن يقيد العرج بالبين دون العور ؟

وكما وقع الاتفاق على الصفات الأربع المتقدمة كذلك وقع على ما فيه نقص

أكثر من هذه العيوب كالعمى ويشهد به أيضا : إطلاق صحيح علي بن جعفر المتقدم .

وأما الخامسة - أي التي انكسر قرنها الداخل وهو الأبيض الذي في وسط

الخارج - فيشهد لعدم إجزائها في الهدى ، وإجزاء ما كسر قرنها الخارج وإن صدق

عليه الناقص : صحيح جميل عن مولانا الصادق عليه السلام في الأضحية يكسر

قرنها ، قال عليه السلام : إن كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي ( 1 ) .

والظاهر جريان الحكمين في المقطوع القرن لصحيح آخر لجميل عنه عليه

السلام أنه قال في المقطوع القرن أو المكسور القرن : إذا كان القرن الداخل صحيحا

فلا بأس ، وإن كان الظاهر الخارج مقطوعا ( 2 ) .

قال الصدوق : سمعت شيخنا محمد بن الحسن - رضي الله عنه - يقول : سمعت

محمد بن الحسن الصفار - رضي الله عنه - يقول : اذا ذهب من القرن الداخل ثلثاه

وبقي ثلثه فلا بأسن أن يضحي به ، ورده جماعة من متأخري الأصحاب بمخالفته

لمقتضي الخبرين .

وأما المقطوعة الاذن ففيها روايات ، منها : صحيح البزنطي بإسناد له عن

……………………………………………

1 - الوسائل باب 22 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 22 من ابواب الذبح حديث 3

 

 

[ . . . ]

أحدهما عليهما السلام عن الأضاحي اذا كانت الاذن مشقوقة أو مشقوقة أو مثقوبة بسمة فقال

عليه السلام : ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس ( 1 ) .

ومنها : صحيح الحلبي أو حسنه عن الامام الصادق عليه السلام عن الضحية

تكون الاذن مشقوقة ، فقال عليه السلام : إن كان شقها وسما فلا بأس ، وإن كان شقا

فلا يصلح ( 2 ) .

ومنها خبر سلمة أبي حفص عنه عليه السلام عن أبيه عليهما السلام كان علي

عليه السلام يكره التشريم في الأذن والخرم ولا يرى بأسا إن كان ثقب في موضع

المواسم ( 3 ) .

ومنها : خبر السكوني المتقدم .

والمستفاد من المجموع : أن المانع هو خصوص القطع ، وأما مجرد الشق أو

الثقب فليس بمانع ، وبها يقيد إطلاق صحيح علي بن جعفر إن صدق النقص على

الشق أو الثقب .

والأصحاب قطعوا بأن الصمعاء - وهي الفاقدة الاذن خلقة - تجزي كما أن

الجماء - وهي التي لم يخلق لها قرن - تجزي .

أقول : إن لم يصدق الناقص عليهما يشهد لأجزائهما : الأصل وإطلاق الأدلة

بعد عدم شمول نصوص المنع لهما ، وإن صدق يقيد إطلاق الصحيح بالاجماع .

واستقرب المصنف - ره - في محكي المنتهى إجزاء البتراء وهي التي قطعت

……………………………………………

1 - الوسائل باب 23 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 23 من ابواب الذبح حديث 2 .

3 - الوسائل باب 23 من ابواب الذبح حديث 3

 

 

[ . . . ]

ذنبها .

ونفي سيد المدارك - ره - البأس عنه ، وهو كذلك ، لعدم صدق الناقص عليه

عرفا ، والأصل والإطلاق يقتضيان الإجزاء ، ولا يهمنا النزاع في أن الصمعاء خصوص

الفاقدة صغرى الاذن ، أم تعم فاقدة الاذن بعد أن المجمعين صرحوا بأن مرادهم

الأعم .

وأما الخصي من الفحولة فالمشهور بين الأصحاب عدم إجزائه ، بل عن ظاهر

التذكرة والمنتهى الإجماع عليه .

ويشهد به جملة من النصوص كصحيح عبد الرحمان ابن الحجاج عن أبي

إبراهيم عليه السلام عن الرجل يشتري الهدي فلما ذبحه إذا هو خصي مجبوب ولم

يكن يعلم أن الخصي لا يجزي في الهدي هل يجزيه أم يعيده ؟ قال عليه السلام : لا يجزيه

إلا أن يكون لا قوة به عليه ( 1 ) ونحوه غيره .

ثم الظاهر اختصاص المنع بمسلول الخصية ، وأما المرضوض عروق الخصيتين

حتى تفسد وهو الموجوء فلا بأس به .

ويشهد به : حسن معاوية بن عمار ، قال أبو عبد الله عليه السلام : اشتر فحلا

سمينا للمتعة ، فإن لم تجد فموجوءا ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز ، فان لم تجد فنعجة ،

وإن لم تجد فما استيسر من الهدي ( 2 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : والفحل من الضأن خير

……………………………………………

1 - الوسائل باب 12 من ابواب الذبح حديث 3 .

2 - الوسائل باب 12 من ابواب الذبح حديث 7

 

 

[ غير مهزول ]

 

من الموجوء ، والموجوء خير من النعجة ، والنعجة خير من المعز ( 1 ) .

وصحيح أبي بصير عن الامام الصادق عليه السلام في حديث : المرضوض

أحب الي من النعجة وإن كان خصيا فالنعجة أحب ( 2 ) ونحوها غيرها ، فيجزي

المرضوض وإن صدق عليه الناقص والخصي ، وقد دل الدليل على عدم إجزائهما ، لأنه

يقيد إطلاقهما حينئذ بالأخبار الخاصة .

المحكي عن النهاية والمهذب والمبسوط والوسيلة والمدارك إجزاء الخصي إذا

تعذر غيره ، واستدل لهم بصحيح عبد الرحمان بن الحجاج المتقدم .

وبخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن الخصي يضحي به ؟ قال

عليه السلام : لا إلا أن لا يكون غيره ( 3 ) .

ولكن خبر أبي بصير في الأضحية ، والصحيح يقيد الجواز بعدم قدرة المكلف

على غيره لا على تعذر غيره ، وسيأتي الكلام في التنبيهات .

 

عدم إجزاء المهزول

 

صرح غير واحد بأنه يعتبر أن يكون الهدي ( غير مهزول ) وفي الجواهر : بلا

خلاف أجده فيه .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 14 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 14 من ابواب الذبح حديث 3 .

3 - الوسائل باب 12 من أبواب الذبح حديث 8

 

 

[ بحيث لا يكون على كليتها شحم ]

 

ويشهد به جملة من الأخبار كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه

السلام : وإن اشتري الرجل هديا وهو يرى أنه سمين أجزاء عنه وإن لم يجده سمينا ،

ومن اشترى هديا وهو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزاء عنه وإن اشتراه وهو يعلم

أنه مهزول لم يجزئ عنه ( 1 ) ونحوه صحيحا العيص والحلبي ( 2 ) إلا أنهما مطلقان غير

مختصين بالهدي ، ومرسل الفقيه ( 3 ) .

ثم إن مقتضي هذه النصوص اعتبار قيدين في المنع : أحدهما : الشراء بما أنه

مهزول أو وهو يعلم أنه مهزول ، ثانيهما : كونه مهزولا وأنه مع فقد أحدهما يجزي ، فلو

اشترى وهو يعلم أنه مهزول فتبين كونه سمينا أو اشتراه وهو يعلم أنه سمين فانكشف

كونه مهزولا أجزأ من غير فرق بين ما لو كان الانكشاف بعد الذبح أو قبله في

الصورتين .

وقد فسر المهزولة بكونها ( بحيث لا يكون على كليتيها شحم ) كما في الكتاب

والشرائع وعن المبسوط والمهذب والوسيلة والسرائر والجامع والقواعد والنافع .

ويشهد به : خبر الفضل ، قال : حججت بأهلي سنة فعزت الأضاحي ، فانطلقت

فاشتريت شاتين بغلاء ، فلما ألقيت إهابيهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال

فأتيته فأخبرته بذلك ، فقال : إن كان على كليتيهما شئ من الشحم أجزأت ( 4 ) وهو

وإن كان غير نقي السند ، ومضمرا إلا أن عمل من عرفت لعله يكفي في الجبر .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 16 من ابواب الذبح حديث 2 .

2 - الوسائل باب 16 من ابواب الذبح حديث 5 - 6 .

3 - الوسائل باب 16 من ابواب الذبح حديث 8 .

4 - الوسائل باب 16 من ابواب الذبح حديث 3

 

 

[ . . . ]

ودعوى : أنه ليس تفسيرا للهزال ، أو أنه لعل يكون الإجزاء لظنه السمن أولا .

مندفعة : بأنه كان تفسيرا له أو لم يكن يدل على المطلوب ، أما على الأول فواضح ، وأما

على الثاني ، فلأنه حينئذ يدل على اعتبار قيد في مانعية الهزال ، وكون الإجزاء لظنه

السمن يدفعه : أنه حينئذ لا وجه لما فيه من التقييد ، ومرسل الشيخ قال : وفي رواية

أخرى : أن حد الهزال : اذا لم يكن على كليتيه شئ من الشحم ( 1 ) . فالأظهر تمامية هذا

التفسير .

 

حكم ما لو بان النقص بعد نقد الثمن

 

وأما الثالث فينبغي التنبيه على أمور :

1 - استثنى الشيخ في محكي التهذيب من عدم إجزاء الناقص ما اذا بان

النقص بعد نقد الثمن .

واستدل له بحسن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل يشتري هديا

فكان به عيب عورا وغيره ، فقال عليه السلام : إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه وأن لم

يكن نقد ثمنه رده واشترى غيره ( 2 ) .

قيل : وبه يقيد إطلاق صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام عن الرجل

يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل تجزي عنه ؟ قال عليه السلام :

……………………………………………

1 - الوسائل باب 16 من ابواب الذبح حديث 7 .

2 - الوسائل باب 24 من ابواب الذبح حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

نعم إلا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا ( 1 ) فيختص بما اذا لم ينقد

الثمن .

وفي المستند : إن النسبة بين الفريقين عموم من وجه فمن استثنى عمل

بالإطلاق ومن لم يستثن عمل بأصل الاشتغال بعد رفع اليد عن الإطلاق لتخصيصه

بالمجمل الموجب لعدم الحجية في موضع الإجمال وهو الأقوى لذلك ، انتهى .

وفيه : ان صحيح علي بن جعفر وإن كان في خصوص العوراء إلا أن ذيله :

فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا ، عام ، والعبرة بعموم الوارد لا خصوص المورد ، وقد مر

أن العيب هو النقص ، وعلى ذلك فالنسبة عموم مطلق ، فيقيد إطلاق الصحيح به إلا

أن الذي يوجب التوقف في الفتوى عدم إفتاء أحد غير الشيخ بذلك ، بل تردد هو

بنفسه في محكي الاستبصار المتأخر عن التهذيب أيضا .

2 - إذا لم يجد إلا فاقد القيود غير الثابت استثناؤه بخصوصه ، فهل يجزي أو

ينتقل الفرض الى الصوم ؟ وجهان ، أصحهما : الأول ، لقوله عليه السلام في صحيح ( 2 )

ابن عمار المتقدم : فإن لم تجد فما تيسر لك ، وفي الآخر : فما استيسر من الهدي .

3 - قد استثنى عن عدم إجزاء الناقص الخصي اذا لم يجد غيره جماعة منهم :

الشهيد - قده - وسيد المدارك .

واستدل لذلك بصحيح ( 3 ) البجلي ، وخبر ( 4 ) أبي بصير المتقدمين في الخصي ، وبما

……………………………………………

1 - الوسائل باب 21 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 12 من ابواب الذبح حديث 7 .

3 - الوسائل باب 12 من ابواب الذبح حديث 3 .

4 - الوسائل باب 12 من ابواب الذبح حديث 8

 

 

[ ويستحب أن تكون سمينة قد عرفت بها ]

 

في ذيل صحيح ابن عمار : فإن لم تجد فما تيسر لك .

ولكن قد مر أن صحيح البجلي يدل على الاستثناء فيما اذا لم يقدر المكلف على

غيره ، وخبر أبي بصير في الأضحية ، والنسبة بين ما في صحيح ابن عمار ونصوص المنع

عن الخصي عموم من وجه ، ولعل الترجيح مع نصوص المنع للشهرة ، وأصحية السند ،

اللهم إلا أن يقال : إن الشهرة غير ثابتة ، وفي صحة السندهما متساويان ، وصحيح ابن

عمار موافق للكتاب فيقدم ، مع أنه يمكن التعدي عن مورد خبر أبي بصير بعدم القول

بالفصل بين الهدي والأضحية في هذه الخصوصيات ، فالاستثناء في محله .

 

مستحبات الهدي

 

الرابعة : ( ويستحب ) امور :

1 - ( أن تكون سمينة ) للاجماع والأخبار - ففي خبر الحلبي عن أبي عبد الله

عليه السلام قال : تكون ضحاياكم سمانا فإن ابا جعفر كان يستحب أن تكون أضحية

سمينة ( 1 ) .

وفي خبر محمد عن أحدهما عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله

كان يضحي بكبش أقرن عظيم فحل يأكل في سواد وينظر في سواد ، فإن لم تجدوا من

ذلك شيئا فالله أولى بالعذر ( 2 ) ونحوهما غيرهما .

2 - أن يكون ( قد عرف بها ) اي : احضرت بعرفات عشية عرفة كما عن المفيد

……………………………………………

1 - الوسائل باب 13 من ابواب الذبح حديث 3 .

2 - الوسائل باب 13 من ابواب الذبح حديث 2

 

 

[ إناثا من الابل والبقر وذكرانا من الضأن والمعز ]

 

والمنتهى والتذكرة والمهذب والمدارك والذخيرة والمفاتيح ، أو مطلقا كما عن السرائر

وغيره ، لصحيح البزنطي : لا يضحى إلا بما قد عرف به ( 1 ) ونحوه غيره المحمولة على

الاستحباب ، لخبر سعيد بن يسار عن الامام الصادق عليه السلام عمن اشترى شاة

لم يعرف بها ، قال : لا بأس بها عرف أم لم يعرف ( 2 ) .

وبذلك يظهر ضعف ما عن ظاهر التهذيبين والنهاية والمبسوط والإصباح

والمهذب والغنية من الوجوب .

ويكفي إخبار البائع بالتعريف ، لصحيح سعيد ، قلت لأبي عبد الله عليه

السلام : إنا نشتري الغنم بمنى ولسنا ندري عرف بها أم لا ، فقال عليه السلام : إنهم

لا يكذبون لا عليك ضح بها ( 3 ) .

3 - أن يكون ( إناثا من الإبل والبقر وذكرانا من الضأن والمعز ) والنصوص

شاهدة بذلك ، لاحظ : صحيح ابن عمار ، قال أبو عبد الله عليه السلام : أفضل البدن

ذوات الأرحام من الإبل والبقر ، وقد تجزي الذكورة من البدن والضحايا من الغنم

الفحولة ( 4 ) .

وخبر أبي بصير عن الأضاحي ، فقال : أفضل الأضاحي في الحج : الإبل والبقر .

وقال : ذو الأرحام ، ولا يضحي بثور ولا جمل ( 5 ) ونحوهما غيرهما ، ومقتضاها : جواز

……………………………………………

1 - الوسائل باب 17 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 17 من ابواب الذبح حديث 4 .

3 - الوسائل باب 17 من ابواب الذبح حديث 3 .

4 - الوسائل باب 9 من ابواب الذبح حديث 1 .

5 - الوسائل باب 9 من ابواب الذبح حديث 4 .

 

 

[ والدعاء عند الذبح ]

 

العكس ، فما عن ظاهر بعضهم من وجوب ذلك يرده النص .

4 - ( والدعاء عند الذبح ) ففي صحيح صفوان ، قال أبو عبد الله عليه السلام :

اذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة وانحره أو اذبحه وقل : وجهت وجهي للذي

فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي

ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك

بسم الله وبالله والله أكبر ، اللهم تقبل مني ، ثم امر السكين ولا تنخعها حي تموت ( 1 ) .

وفي نصوص اخر غير هذا الدعاء ، والكل حسن .

 

عدم وجوب الأكل من الهدي

 

الخامسة : في مصرف الهدي ، وفيها فروع :

الأول : هل يجب أكل المالك منه أم لا ؟ ذهب الى الأول جمع من المحققين على

ما في كتبهم كالقواعد والمنتهى والمختلف والشرائع وكنز العرفان والدروس والمدارك

والذخيرة والكفاية وهو ظاهر الصدوق والعماني .

وعن الشيخ وأبي الصلاح وابن البراج وجماعة القول باستحباب ذلك ، وفي

الرياض : وعزاه في الدروس الى الأصحاب ، ولعله الأقوى .

واستدل للوجوب بالأمر به في الآية الكريمة : ( والبدن جعلناها لكم من

شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا

……………………………………………

1 - الوسائل باب 37 من ابواب الذبح حديث 1

 

 

[ . . . ]

منها وأطعموا القانع والمعتر ) ( 1 ) .

وبالنصوص ( 2 ) الآمرة به كصحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه

السلام : اذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم كما قال الله تعالى : ( فكلوا منها

وأطعموا القانع والمعتر ) فقال : القانع الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر الذي يعتريك ،

والسائل الذي يسألك في يديه ، والبائس : الفقير

وبالنصوص المتضمنة أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أن يؤخذ من كل

بدنة بضعة فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله فطبخت فأكل هو وعلي وحسوا

من المرق وقد كان النبي صلى الله عليه وآله أشركه في هديه ( 3 ) .

أقول : أما الآية الشريفة فمضافا الى اختصاصها بالبدن وهي جمع بدنة وهي

من الإبل خاصة ، وعدم اختصاصها بهدي التمتع - أن الأمر بالأكل فيها لو روده مورد

توهم الحظر ، خصوصا بعد ما في كنز العرفان : كانت الأمم من قبل شرعنا يمتنعون

من أكل نسائكهم فرفع الله تعالى الحرج من أكلها في هذه الملة ، انتهى ، لا يستفاد منه

الوجوب .

وبذلك يظهر ما في الاستدلال بالآية الاخرى ، وهي : ( وأذن في الناس بالحج

- الى قوله عزوجل - ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة

الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) ( 4 )

وأما النصوص الآمرة به فهي أيضا من جهة عدم جواز الأكل من الكفارات .

……………………………………………

1 - الحج آية 36

2 - 3 - الوسائل باب 40 من ابواب الذبح .

4 - الحج آية 26 و 27 .

 

 

[ . . . ]

ولأجل ما ذكر في الآية ، وللأمر بإطعام الأهل ثلثا وإطعام القانع والمعتر ثلثا وإطعام

المساكين ثلثا في نصوص اخر - لا تكون ظاهرة في وجوب الأكل .

والذي يظهر لي من الجمع بين النصوص كون المراد أنه بعد الذبح يكون

اختيار قسم من الذبيحة بيد المالك يفعل به ما يشاء ، لاحظ : خبر جابر بن عبد الله

الأنصاري ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا نأكل لحوم الأضاحي بعد

ثلاثة أيام ، ثم اذن لنا أن نأكل ونقدد ونهدي الى أهالينا ( 1 ) .

وخبر علي بن أسباط عن مولى لأبي عبد الله عليه السلام قال : رأيت أبا

الحسن الأول عليه السلام دعا ببدنة فنحرها فلما ضرب الجزارون عراقيبها فوقعت

الى الأرض وكشفوا شيئا من سنامها ، فقال عليه السلام : اقطعوا وكلوا منها وأطعموا

فإن الله تعالى يقول : ( فاذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا ) ( 2 ) فالمراد بالأكل

في هذه النصوص والآيتين هو المراد به في الآية الشريفة : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم

بالباطل ) ( 3 ) .

وبما ذكرناه ظهر ما في نصوص أكله صلى الله عليه وآله مع أنه أعم من

الوجوب ، فالأظهر عدم وجوب الأكل .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 41 من أبواب الذبح حديث 2 .

2 - الوسائل باب 40 من ابواب الذبح حديث 20

3 - النساء آية 29

 

 

[ . . . ]

 

عدم وجوب إطعام شئ من الهدي

 

الثاني : أنه صرح جماعة بوجوب إطعام شئ منه وإن نسب الشهيد استحباب

أصل الصرف في الثلاثة الى الأصحاب ، وقد اختلف القائلون بوجوب الإطعام ، فعن

الحلي يجب التصدق على القانع والمعتر ولم يزد على ذلك .

وعن الكفاية : والواجب مسمى الأكل وإعطاء شئ الى القانع وإعطاء شئ

الى المعتر .

وعن الذخيرة : إعطاء شئ الى الفقير أيضا .

وعن المدارك وجوب الأكل منه والإطعام .

وعن الدروس والمسالك : وجوب الأكل وإهداء الأخوان والصدقة على

الفقراء ، وهو ظاهر الصدوق والعماني .

أما الأدلة ففي إحدي الآيتين أمر بإطعام القانع والمعتر ، وفي الاخرى بإطعام

البائس الفقير .

وفي صحيح ابن عمار ، وخبر علي بن أسباط المتقدمين أمر بالإطعام مطلقا .

وفي صحيح يوسف التمار عن الامام الصادق عليه السلام : أطعم أهلك ثلثا و

أطعم القانع والمعتر ثلثا وأطعم المساكين ثلثا ( 1 ) .

وفي موثق العقرقوفي عنه عليه السلام كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث ( 2 ) وفي

……………………………………………

1 - الوسائل باب 40 من أبواب الذبح حديث 3 .

2 - الوسائل باب 40 من ابواب الحج حديث 18

 

 

[ وأن يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويطعم القانع والمعتر ثلثه ]

 

غيرها غير ذلك ، وعليه فلأجل قرائن ثلاث يتعين حمل جميع الأدلة على إرادة بيان

كيفية الصرف اذا أراد أن يصرف ، كما افاده صاحب الجواهر ره ، واليك تلك القرائن .

1 - إن إطعام الأهل خصوصا بالثلث ليس بواجب قطعا ، لأنا نقطع أن النبي

الأكرم صلى الله عليه وآله لم يطعم ثلث ست وستين بدنة التي ساقها في حجة الأخير

أهله ، وكذلك الوصي عليه السلام لم يطعم أهله ثلث أربع وثلاثين بدنة التي ساق النبي

صلى الله عليه وآله له في تلك السنة .

2 - أن القانع والمعتر بل والفقير لم تكن في تلك الأيام الخاصة في منى ولا تكون

أبدا بحيث يعطيهم كل من يذبح الهدي .

3 - ما في الأخبار من الاختلاف ، فالأظهر عدم وجوب ذلك أيضا .

الثالث : بناءا على وجوب الأكل والإطعام ، فالظاهر تحقق الامتثال بمسمى

الأكل وإطعام الفقير والقانع والمعتر ، ولا دليل على وجوب التثليث ، وفي الجواهر : لم

أعرف قائلا به .

وأما ما في هدي السياق من الأمر بإطعام الأهل ثلثا وإطعام القانع والمعتر ثلثا

وإطعام المساكين ثلثا كصحيح التمار المتقدم ، فأولا التعدي منه الى المقام يحتاج الى

دليل ، وثانيا اتفقت كلماتهم على عدم لزوم إعطاء الأهل ولا أكل المالك الثلث حتى

في هدي السياق ، بل الظاهر عدم إمكانه غالبا ، فيحمل على إرادة الاستحباب مع

الاغماض عما ذكرناه .

وبه يظهر حال موثق العقرقوفي المتقدم المتضمن للأمر بأكل الثلث وإهداء

الثلث والتصدق بثلث .

( و ) به يظهر مدرك ما أفاده المصنف - ره - من استحباب ( أن يأكل ثلثه

ويهدي ثلثه ويطعم القانع والمعتر ثلثه ) .

 

 

[ . . . ]

 

إخراج لحم الهدي من منى

 

الرابع : قالوا : لا خلاف في مرجوحية إخراج لحم الهدي من منى ، وعن بعضهم

الاجماع عليه ، واختلفوا في حرمته وكراهته ، نسب صاحب الذخيرة الحرمة الى

المشهور ، وقال سيد المدارك : هذا مذهب الأصحاب ، ونسب في محكي شرح المفاتيح

الكراهة الى المشهور .

والحق أنه لا يكون حراما ولا مكروها ، فإن طائفة من النصوص وإن تضمن

النهي عن إخراج اللحم من منى كحسن معاوية ، قال ابو عبد الله عليه السلام : لا

تخرجن شيئا من لحم الهدي ( 1 ) ونحوه غيره ، إلا أن طائفة أخرى من النصوص تدل

على أن المنع كان لأجل احتياج من في منى ، وإلا فلا بأس بإخراجه ، حتى للمالك ،

بل له أن يتزود منها ، لاحظ : صحيح محمد بن مسلم عن الامام الصادق عليه السلام

عن إخراج لحوم الاضاحي من منى ، فقال عليه السلام : كنا نقول : لا يخرج منها

بشئ لحاجة الناس اليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه ( 2 ) ، ونحوه

مرسل الصدوق ( 3 ) .

وخبر جابر : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا نأكل لحوم الأضاحي

بعد ثلاثة ايام ثم اذن لنا أن نأكل ونقدد ونهدي الى أهالينا ونحوها غيرها ، كما أن جملة

اخرى من النصوص مصرحة بأن نهي رسول الله صلى الله عليه وآله عن الادخار بعد

……………………………………………

1 - الوسائل باب 42 من ابواب الذبح حديث 2 .

2 - الوسائل باب 42 من ابواب الذبح حديث 5 .

3 - الوسائل باب 41 من ابواب الذبح حديث 6 .

4 - الوسائل باب 41 من ابواب الذبح حديث 2

 

 

[ . . . ]

ثلاثة أيام كان لأجل حاجة الناس ، وأما اليوم فلا بأس ، فللحاج وغيره أن يدخر هديه

إن أمكن ، وعلى هذا فلا يكون الإخراج ولا الادخار حراما ولا مكروها ، بل لعله

يكون ذلك واجبا لولا المشقة والحرج في هذه الأيام خوفا من إتلاف المال ، فان ما

تداول من دفن الهدي في هذه الأزمنة إتلاف له .

هذا في اللحم ، وأما الجلد وما شاكل فلا إشكال في جواز إخراجها ، وقد صرح

به النصوص ( 1 ) .

وبما ذكرناه ينحل عويصة وغصة عارضة على جمع من أفاضل العصر بأنه كيف

يمكن أن يأمر الشارع الأقدس بذبح الهدي مع ما نرى بالوجدان أنه يدخر الجميع

في محل وتعدم ! ؟ وهل نتيجة هذا الحكم سوى إتلاف المال ؟ تعالى الشارع الأقدس من

الأمر بذلك .

إذ على ما ذكرناه اذا وضع براد في منى لتحفظ فيه جميع لحوم الأضاحي التي

تذبح في الموسم ثم توزع على فقراء المسلمين خلال العام الى العام القابل وكذلك إذا

بيعت جلود الحيوانات المذبوحة واصوافها وما الى ذلك وانفقت أثمانها في مصالح

المسلمين - لا يكون في ذبح تلك الحيوانات إذا إتلاف للمال بدون فائدة ، بل هو حينئذ

مشروع اقتصادي مهم يفيد المسلمين والبلاد الاسلامية ، وبناءا على ذلك فالإشكال

متوجه على المسلمين حيث لا يعملون بأوامر الإسلام ومنها : تحقيق هذا المشروع

وليس متوجها على نفس الحكم القاضي بتضحية تلك الذبائح في الموسم .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 43 من ابواب الذبح

 

 

[ ولو فقد الهدي ووجد ثمنه خلفه عند من يشتريه ويذبحه طول ذي الحجة ]

 

حكم من عجز عن الهدي وكان واجدا لثمنه

 

( ولو فقد الهدي ) فتارة واجد لثمنه ، واخرى فاقد له ايضا ، وعلى الثاني تارة

يتمكن من الاستقراض وادائه ، أو يكون له متاع أو جنس يتيسر له دفعه بإزاء الهدي

أو بيعه وصرف ثمنه فيه ، واخرى لا يتمكن من ذلك أيضا أو يتعسر عليه ذلك ، وعلى

الأول فتارة يكون الهدي موجودا يمكنه تحصيله ، وأخرى ، لا يمكن إلا بأن يخلف ثمنه

عند من يشتريه ، وثالثة لا يتمكن من ذلك أيضا ، فالكلام في صور :

الاولى : لا إشكال ولا كلام في أنه اذا كان ثمنه موجودا عنده ، ويتمكن من

تحصيله بالاشتراء وجب عليه ذلك ، لصدق وجدان الهدي وللأمر بالاشتراء في كثير

من النصوص المتقدم طرف منها .

( و ) الثانية : لو كان واجدا للثمن ولم يتمكن من اشترائه لعدم وجود الهدي ففيه

اقوال :

الأول : ما عن الصدوقين والشيخين والمصنف والمحقق في غير الشرائع ، بل

الأكثر ، بل عامة من تأخر : أنه إن ( وجد ثمنه خلفه عند من يشتريه ويذبحه طول

ذي الحجة ) فإن مضى ذو الحجة أخر ذلك الى قابل من ذي الحجة .

الثاني : ما عن الفقية والشرائع والسرائر وهو الانتقال الى الصوم ، ونسب ذلك

الى العماني وتنظر فيه بعضهم ، والى الجمل والعقود ، وتنظر فيه آخر .

الثالث : ما عن الاسكافي وهو التخيير بين العدلين وبين التصدق بالوسطى من

قيمة الهدي .

وأما النصوص فهي طوائف :

 

 

[ . . . ]

الاولى : ما يدل على القول الأول كصحيح حريز عن الامام الصادق عليه

السلام في متمع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال عليه السلام : يخلف الثمن عند بعض

أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزي عنه فان مضى ذو الحجة أخر

ذلك الى قابل من ذي الحجة ( 1 ) . وبمضمونه خبر النضر بن قرواش ( 2 ) إلا أن السائل

فرض فيه الضعف عن الصيام .

الثانية : ما استدل به للقول الثاني ، وهي رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما

السلام عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح

أو يصوم ؟ قال عليه السلام : بل يصوم فإن أيام الذبح قد مضت ( 3 ) .

الثالثة : ما يدل على التصدق بالوسطى ، وهي رواية عبد الله بن عمر ، قال : كنا

بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم

توجد بقليل ولا كثير ، فرقع هشام المكاري رقعة الى أبي الحسن عليه السلام فأخبره

بما اشترينا ثم لم نجد بقليل ولا كثير فوقع عليه السلام : انظروا الى الثمن الأول

والثاني والثالث ثم تصدقوا بمثل ثلثه ( 4 ) .

اقول : أما خبر عبد الله فهو ضعيف ، لجهالة عبد الله ، ولإعراض الأصحاب

عنه ، وأما خبر أبي بصير فهو فيمن قدر على الذبح بنفسه في منى بعد مضي أيام

التشريق ولم يقدر على ثمنه أيضا قبله فهو غير ما نحن فيه ، فالمعتمد هو الطائفة

……………………………………………

1 - الوسائل باب 44 من أبواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 44 من ابواب الذبح حديث 2 .

3 - الوسائل باب 44 من ابواب الذبح حديث 3 .

4 - الوسائل باب 58 من ابواب الذبح حديث 1

 

 

[ . . . ]

الاولى .

ودعوى : أنها مخالفة للكتاب ، فإن قوله تعالى : ( فمن تمتع بالعمرة الى الحج

فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) ( 1 ) الى آخره يدل على تعين

الصوم عليه .

فإن قيل : إن تيسر الهدي ووجدانه يعمان العين والثمن .

قلنا : إن وجدان الهدي إنما يصدق على وجدان ثمنه اذا كان موجودا وأمكن

شراؤه لا ما اذا لم يكن موجودا ، كما في وجدان الماء المأخوذ موضوعا لوجوب الوضوء

والغسل . . . مندفعة : بأن النصوص أخص مطلق من الآية الشريفة وقد حقق في محله

أنه يقيد إطلاق الكتاب بالخبر .

الثالثة : اذا لم يجد الثمن ولكن تمكن من الاستقراض والأداء أو كان له متاع

تيسر له دفعه أو دفع ثمنه بازاء الهدي ، فالظاهر وجوبه وعدم الانتقال الى الصوم ، لما

تقدم من صدق الوجدان والتيسر عليه .

نعم لا يجب بيع ما يحتاج اليه لأدلة نفي العسر والضرر ويمكن استفادته من

صحيح البزنطي الآتي .

وقد استثني من ذلك لباس التجمل ، بل الفضل من الكسوة مطلقا ، والظاهر

أنه لا خلاف فيه ، لصحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام عن المتمتع يكون له

فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج اليه فتسوى بذلك الفضول مائة درهم يكون ممن

يجب عليه ، فقال : لا بد من كسر أو نفقة ، قلت : له كسر أو ما يحتاج اليه بعد هذ ا

……………………………………………

1 - البقرة آية 196 .

 

 

[ ولو فقده صام ثلاثة أيام متتابعة في الحج وسبعة اذا رجع ]

 

الفضل من الكسوة ، فقال عليه السلام : وأي شئ كسوة بمائة درهم ؟ هذا ممن قال الله

تعالى : ( فمن لم يجد ) ( 1 ) الى آخر .

ومرسل علي بن أسباط عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الرضا عليه

السلام ، قلت له : رجل تمتع بالعمرة الى الحج وفي عيبته ثياب له أيبيع من ثيابه شيئا

ويشتري هديه ؟ قال عليه السلام : لا هذا يتزين به المؤمن يصوم ولا يأخذ من ثيابه

شيئا ( 2 ) ولو باع شيئا من المستثنى واشترى هديا وجب ذبحه ، لصدق الوجدان

والاستيسار .

 

الصوم بدل عن الهدي

 

الرابعة : ( ولو فقد ) الهدي وفقد ثمن ( ه ) أيضا ( صام ثلاثة أيام متواليات

في الحج وسبعة اذا رجع ) الى أهله ، بلا خلاف فيه في الجملة ، بل هو إجماعي ، بل

ضروري والكتاب والسنة يشهدان به ، وتمام الكلام في ضمن فروع .

1 - يعتبر أن يكون الثلاثة الأيام في الحج أي في شهره وهو ذو الحجة الذي

يحج فيه ، بلا خلاف .

ويشهد به صحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام عن المتمتع لا يجد

الهدي ، قال عليه السلام : يصوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، قلت : فإنه قدم

يوم التروية ، قال : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ، قلت : لم يقم عليه جماله ، قال عليه

……………………………………………

1 - الوسائل باب 57 من أبواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 57 من ابواب الذبح حديث 2

 

 

[ . . . ]

السلام : يصوم يوم الحصبة وما بعده يومين قلت : وما الحصبة ؟ قال عليه السلام : يوم

نفره قلت : يصوم وهو مسافر ؟ قال عليه السلام : نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا ؟ إنا

أهل بيت نقول ذلك ، لقول الله عزوجل : ( فصيام ثلاثة ايام في الحج ) يقول في ذي

الحجة ( 1 ) .

وصحيح منصور عنه عليه السلام : من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال

المحرم فعليه دم شاة وليس له صوم ويذبحه بمنى ( 2 ) .

وخبر ابن البختري عنه عليه السلام فيمن لم يصم الثلاثة الأيام في ذي الحجة

حتى يهل عليه الهلال ، قال عليه السلام : عليه دم ، لأن الله تعالى يقول : ( فصيام

ثلاثة ايام في الحج ) في ذي الحجة ( 3 ) ونحوها غيرها .

وبما ذكرناه يظهر دلالة الآية الشريفة عليه .

2 - يعتبر التوالي في الثلاثة بلا خلاف ، بل عن المنتهى وغيره الإجماع عليه ،

كذا في الجواهر .

وفي المستند : بإجماعنا المصرح به في كلام جماعة .

ويشهد به : النصوص ، منها : موثق إسحاق بن عمار عن الامام الصادق عليه

السلام : لا تصوم الثلاثة الأيام متفرقة ( 5 ) ومثله الصحيح المروي عن قرب الاسناد ( 5 )

……………………………………………

1 - الوسائل باب 46 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 47 من ابواب الذبح حديث 1 .

3 - الوسائل باب 47 من ابواب الذبح حديث 6 .

4 - الوسائل باب 53 من ابواب الذبح حديث 1 .

5 - الوسائل باب 52 من أبواب الذبح حديث 4

 

 

[ . . . ]

ومنها : خبر البجلي الآتي عن أبي الحسن عليه السلام في حديث : ولكن يصوم

ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق ونحوها غيرها .

ثم إنه قد استثنى الأصحاب من وجوب التتابع فيها ما لو صام يومي التروية

وعرفة فيأتي بالثالث بعد أيام التشريق ، وعن الحلي الإجماع عليه .

ويشهد به : موثق يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه السلام عن رجل قدم يوم

التروية متمتعا وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال عليه السلام : يصوم

يوما آخر بعد أيام التشريق ( 1 ) .

وبإزاء ذلك روايات ، منها : خبر عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي الحسن عليه

السلام في حديث : لا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة ولكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات

بعد أيام التشريق ( 2 ) .

ومنها : خبر علي بن الفضل الواسطي : اذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم

اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة ايام في الحج ( 3 ) .

ومنها : صحيح العيص عن الامام الصادق عليه السلام عن متمتع يدخل يوم

التروية وليس معه هدي ، قال : فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ويتسحر ليلة الحصبة

فيصبح صائما وهو يوم النفر ويصوم يومين بعده ( 4 ) .

وفي المستند : أن خبر الواسطي أعم من الطائفة الاولى فيقيد إطلاقه بها ، وبقية

……………………………………………

1 - الوسائل باب 52 من ابواب الذبح حديث 2 .

2 - الوسائل باب 52 من ابواب الذبح حديث 3 .

3 - الوسائل باب 52 من ابواب الذبح حديث 4 .

4 - الوسائل باب 52 من ابواب الذبح حديث 5

 

 

[ . . . ]

النصوص ليست ظاهرة في عدم الجواز ، لكونها بالجملة الخبرية التي لا تفيد إلا

المرجوحية ، ولكن قد مر غير مرة أن الجملة الخبرية ظاهرة في اللزوم .

والحق أن يقال : إن موثق الأزرق صريح في الجواز ، ونصوص المنع ظاهرة في

عدم الجواز ، فتحمل على المرجوحية حملا للنص على الظاهر ، كما أفاده الأصحاب .

3 - هل يجب مع التمكن أن يكون الثلاثة الأيام الأيام التي تكون قبل يوم

النحر ، كما عن الحلي مدعيا أن عليه الإجماع ، أم يستحب ذلك كما صرح به جماعة

وقد ادعي الاجماع عليه أيضا ؟ وجهان من الأمر به في كثير من النصوص كصحيح

رفاعة المتقدم وغيره من الأخبار ، ومن التصريح بجواز التقديم اختيارا في صحيح

زرارة عن أحدهما عليهما السلام من لم يجد هديا وأحب أن يقدم الثلاثة الأيام في أول

العشر فلا بأس ( 1 ) أقواهما : الثاني فيحمل النصوص الآمرة به على الاستحباب ، وعليه

فيجوز التأخير أيضا .

وهل يجب المبادرة اليه بعد أيام التشريق كما نسب الى الأكثر ، للأمر به في

النصوص ، ففي خبر الأزرق يصوم ثلاثة أيام بعد أيام التشريق ( 2 ) وفي خبر البجلي

المتقدم : ولكن يصوم ثلاثة ايام متتابعات بعد أيام التشريق ، ونحوهما غيرهما ، أم لا

تجب ، لعدم ظهور لفظة بعد في الاتصال خصوصا وأنها جعلت في النصوص في مقابل

الصوم أيام التشريق ؟ وجهان أظهرهما : الثاني .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 54 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 51 من ابواب الذبح حديث 7

 

 

[ . . . ]

 

حكم صوم أيام التشريق بمنى

 

4 - في صوم أيام التشريق بمنى أقوال :

أحدها : ما عن أبي علي من إباحة صومها فيها .

ثانيها : ما عن الصدوقين والشيخ في النهاية والحلي وسيد المدارك والفاضل

الخراساني وجمع آخرين وهو جواز صوم يوم النفر وهو الثالث عشر ويسمى يوم

الحصبة .

وثالثها : ما نسب الى المشهور وهو : عدم جواز صومها .

وجه الأول : قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر إسحاق عن الامام الصادق

عليه السلام : من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق فإن

ذلك جائز له ( 1 ) .

وقوله عليه السلام ، في خبر القداح : من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج وهي

قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة فليصم أيام التشريق فقد اذن له ( 2 ) .

ووجه الثاني : صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام عن متمع

يدخل يوم التروية وليس معه هدي ، قال عليه السلام : فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم

عرفة ويتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما وهو يوم النفر ويصوم يومين بعده ( 3 ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 51 من ابواب الذبح حديث 5 .

2 - الوسائل باب 51 من ابواب الذبح حديث 6 .

3 - الوسائل باب 46 من ابواب الذبح حديث 3

 

 

[ . . . ]

وصحيح رفاعة عنه عليه السلام في حديث : قلت : فإنه قدم يوم التروية قال

عليه السلام : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ، قلت : لم يقم عليه جماله ، قال عليه السلام :

يصوم يوم الحصبة وبعده يومين ، قلت : وما الحصبة ؟ قال عليه السلام : يوم نفره ( 1 ) .

ونحوهما صحيح حماد ( 2 ) وصحيح معاوية ( 3 ) وغيرهما من الأخبار .

ولا وجه للكلام في أن يوم الحصبة يوم الثالث من أيام التشريق أو اليوم الرابع

من يوم النحر بعد تفسير الروايات بالأول .

ووجه الثالث : صحيح ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع

ولم يجد هديا ، قال عليه السلام : يصوم ثلاثة أيام ، قلت : أفيها أيام التشريق ؟ قال عليه

السلام : لا ( 4 ) .

وصحيح عبد الله بن سنان عنه عليه السلام في رجل تمتع ولم يجد هديا ، فليصم

ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق ( 5 ) الحديث .

وصحيح البجلي عن أبي الحسن عليه السلام في حديث : ولكن يصوم ثلاثة ايام

متتابعات بعد أيام التشريق ( 6 ) .

ولكن الخبرين الذين هما مدرك القول الأول لعدم عمل الأصحاب بهما و

……………………………………………

1 - الوسائل باب 46 من أبواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 53 من ابواب الذبح حديث 3 .

3 - الوسائل باب 46 من ابواب الذبح حديث 4 .

4 - الوسائل باب 51 من ابواب الذبح حديث 2 .

5 - الوسائل باب 51 من ابواب الذبح حديث 1 .

6 - الوسائل باب 52 من ابواب الذبح حديث 3

 

 

[ ويجوز تقديم الثلاثة من أول ذي الحجة ، ولا يجوز تقديمها عليه ، ]

 

موافقتهما للعامة وضعفهما في أنفسهما لا يعتمد عليهما ويحملان على التقية ، ويشعر به

نقل الإمام عليه السلام ذلك من أمير المؤمنين عليه السلام وفي بعض الأخبار شهادة

به .

وأما مدرك القولين الأخيرين : فنصوص الثاني منهما أخص مطلق من أخبار

أولهما ، فإنها في جميع أيام التشريق وهذه في خصوص الأخير ، فمقتضى حمل المطلق

على المقيد تقييد إطلاق الاولى بالثانية ، والبناء على القول الوسط .

ويشهد به : مضافا الى كونه جمعا عرفيا - صحيح صفوان عن عبد الرحمان بن

الحجاج قال : كنت قائما اصلي وأبو الحسن عليه السلام قاعد قدامي وأنا لا أعلم

فجاءه عباد البصري فسلم ثم جلس ، فقال له : يا أيا الحسن ما تقول في رجل تمتع ولم

يكن له هدي ؟ قال عليه السلام : يصوم الأيام التي قال الله الى أن قال : فان فاته ذلك .

قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك قال : فلا تقول كما قال عبد الله بن

الحسن ، قال : فأي شئ قال ؟ قال : يصوم أيام التشريق قال : إن جعفرا كان يقول :

إن رسول الله أمر بديلا ينادي أن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومن أحد ( 1 ) الحديث .

5 - قد عرفت أنه يجوز تأخير الصوم عن الثلاثة الأيام المتصلة بيوم النحر

( ويجوز ) أيضا ( تقديم الثلاثة من أول ذي الحجة ) .

ويشهد بالأخير : صحيح زرارة المتقدم .

( و ) ظهر أنه ( لا يجوز تقديمها عليه ) أي علي ذي الحجة .

وهل يشترط أن يكون الشروع في الصوم بعد التلبس بالمتعة ، كما هو المتفق

……………………………………………

1 - الوسائل باب 51 من ابواب الذبح حديث 4

 

 

[ فان خرج ولم يصمها تعين الهدي في القابل بمنى ]

 

عليه بين الأصحاب ، أم لا ؟ الظاهر ذلك ، لظاهر الآية والأخبار ، فإن الهدي والصوم

الذي بدله أمر بهما متعلقا بالمتمتع وهو لا يصدق على من لم يتلبس بالمتعة .

نعم لا يعتبر التلبس بالحج ، فما عن بعض من اعتباره خال عن الدليل يدفعه

الإطلاق والأصل ، مع أنه يعتبر أو يستحب الصوم من يوم قبل التروية والحج من يوم

التروية .

6 - لا إشكال في جواز أن يصوم هذه الثلاثة في الطريق بل وفي منزله اذا كان

له عذر في البقاء بمكة من نسيان او عدم موافقة الرفقاء كما يشهد بذلك النصوص .

وهل يجوز ذلك اختيارا وبلا عذر ، أم يتعين عليه حينئذ أن يصوم بمكة ؟ ظاهر

خبر علي بن الفضل الواسطي ، سمعته يقول : اذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم

اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات ، فان

لم يقدر ولم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق ، أو إذا قدم على أهله صام عشرة أيام

متتابعات ( 1 ) هو الثاني ، ولا معارض له ، والأصحاب أفتوا بمضمونه .

 

وجوب الهدي على من لم يصم الثلاثة في ذي الحجة

 

7 - قد ظهر مما قدمناه تعين إيقاع الصوم في ذى الحجة ، وعليه ( فإن خرج ) ذو

الحجة ( ولم يصمها ) أي الثلاثة سقط الصوم عنه و ( تعين ) عليه ( الهدي في القابل

بمنى ) على المشهور ، وظاهر المنتهى كونه اتفاقيا .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 52 من ابواب الذبح حديث 4

 

 

[ . . . ]

وعن الشيخ في النهاية والمبسوط أن الهدي حينئذ أفضل

وعن المفيد : أنه إن كان ترك الصوم لعائق أو نسيان يصوم ، واستحسنه في

محكي الذخيرة .

ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص .

منها : ما يدل على ما هو المشهور كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله

عليه السلام : من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة وليس له

صوم ويذبحه بمنى ( 1 ) وصريحه سقوط الصوم عنه ، وظاهره ثبوت الهدي .

وعن كشف اللثام : أنه كما يحتمل إرادة الهدي يحتمل إرادة الكفارة ، بل هي

أظهر .

واورد عليه في الرياض والجواهر بأنه لا وجه للتقييد بل إطلاقه شامل لهما .

وفيه : أنه يلزم حينئذ استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، إذ معنى فعليه دم شاة )

على هذا ، أن عليه شاتين : إحداهما للهدي والاخرى للكفارة ، اللهم إلا أن يلتزم حينئذ

بالتداخل ، ويدل عليه الصحيح .

ومثله في الدلالة على سقوط الصوم وثبوت الهدي صحيح عمران الحلبي عن

أبي عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع اذا

لم يجد الهدي حتى يقدم أهله ، قال عليه السلام : يبعث بدم ( 2 ) وهذا كالصريح في الهدي

وسقوط الصوم .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 47 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 47 من ابواب الذبح حديث 3

 

 

[ . . . ]

ومنها : ما يدل على أنه يصوم في الطريق أو في منزله ، وهي كثيرة - تقدم طرف

منها - متضمنة أن من فاته صومها بمكة لعدم القدرة أو عدم إقامة الجمال وما شاكل

فليصمها في الطريق إن شاء ، وإن شاء اذا رجع الى أهله من غير تقييد ببقاء ذي الحجة

وعدم خروجه ( 1 ) .

وقد ذكروا في الجمع بين الطائفتين وجوها ، أحدها : ما عن الذخيرة وهو تقييد

صحيح منصور - بشهادة صحيح الحلبي - بالناسي ، ثم الجمع بينهما وبين ما يعارضهما

بالبناء على الترخيص ، فيتم ما نسب الى الشيخ ره .

وفيه أولا : أن تقييد خبر منصور بخبر الحلبي لا وجه له بعد كونهما متوافقين .

وثانيا : أنه لو سلم ذلك كان الخبران أخص من المستفيضة ، لاختصاصهما .

بالناسي وعمومها لجميع ذوي الاعذار ، فالقاعدة تقتضي تقييد إطلاقها بهما .

ثانيها : ما عن الشيخ وهو حمل الثانية على من استمر به عدم التمكن من

الهدي حتى وصل الى بلده ، والاولى على من تمكن من الهدي قبل الصوم .

وفيه : أنه جمع لا شاهد له .

والحق في مقام الجمع أن يقال : إن التارك للصوم عمدا وعن غير عذر مشمول

لصحيح منصور ، والطائفة الثانية لا تشمله ، فلا إشكال في تعين الهدي عليه

وأما الناسي فصحيح الحلبي صريح فيه وهو أخص من المستفيضة ، فيقيد

إطلاقها ويخصصها بغيره من ذوي الأعذار ، فلا ينبغي التردد في سقوط الصوم ووجوب

الهدي عليه .

……………………………………………

1 - راجع باب 47 و 51 وغيرهما من ابواب الذبح

 

 

[ . . . ]

وأما ذو العذر فالطائفتان فيه متعارضتان ، والنسبة عموم من وجه ، فإن صحيح

منصور أعم من المستفيضة بلحاظ شموله للعامد ولذي العذر ، وأخص منها من جهة

اختصاصه بما اذا خرج ذو الحجة ، والمستفيضة أعم منه من الجهة الثانية ، وأخص منه

من الأولى ، فلا بد على المختار من الرجوع الى المرجحات ، والترجيح لصحيح

منصور ، لكونه مشهورا بين الأصحاب ، فتحصل : أن الاظهر سقوط الصوم وتعين

الهدي عليه .

ثم إنه إن نوقش في دلالة الصحيحين على كون الدم الثابت هديا واحتمال كونه

كفارة ولم يسلم الإجماع على الأول أيضا ، فطريق الاحتياط أن يذبح بنية ما في الذمة .

ثم إنه ليس في الصحيحين التصريح بأنه يذبحه في القابل ، ولكن يمكن

الاستدلال له بعموم ما دل على أن وقت الذبح شهر ذي الحجة ، أو خصوص أيام

النحر ، أو يوم النحر ومقتضاه حينئذ التأخير الى العام القابل .

وهل يجب مع هذا الهدي دم كفارة كما عن جماعة ، لاطلاق صحيح منصور ،

وللنبوي : من ترك نسكا فعليه دم ( 1 ) أم لا كما عن الأكثر ؟ الظاهر هو الثاني ، لأن

إطلاق صحيح منصور قد تقدم ما فيه ، والنبوي ضعيف السند ، والأصل يقتضي العدم ،

فالأظهر عدم ثبوت كفارة عليه .

 

لو وجد الهدي بعد الصوم

 

8 - لو صام الثلاثة كملا لفقد الهدي أو ثمنه ثم وجد الهدي في ذي الحجة ولو قبل

……………………………………………

1 - سنن البيهقي ج 5 ص 152

 

 

[ . . . ]

التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي وكان له المضي على صومه ، كما في الشرائع وعن

النهاية والمبسوط والجامع والقواعد والنافع ، وعن المدارك نسبته الى أكثر الأصحاب ،

بل عن الخلاف الإجماع عليه .

ويشهد به : خبر حماد بن عثمان عن الامام الصادق عليه السلام عن متمتع

صام ثلاثة أيام في الحج ثم صادف هديا يوم خرج من منى ، قال : أجزأه صيامه ( 1 ) .

وخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي

حتى اذا كان يوم النفر وجد شاة أيذبح أو يصوم ؟ قال : بل يصوم فإن أيام الذبح قد

مضت ( 2 ) وهو وإن كان مطلقا من حيث الصوم وعدمه إلا أنه للاجماع يقيد إطلاقه بما

اذا صام .

فإن قيل : إن خبر حماد ضعيف بعبد الله بن بحر كما في الكافي ، أو بعبد الله بن

يحيى كما في التهذيب ، لاشتراكه ، مع أن الظاهر كونه تصحيفا ، وخبر أبي بصير أيضا

ضعيف وإن روي بعدة طرق .

قلنا : أولا خبر أبي بصير موثق ، إذ الكليني يرويه بإسناده عن البزنطي عن

عبد الكريم - الظاهر كونه الخثعمي - عن أبي بصير .

وثانيا : أن الرواي لخبر أبي بصير هو البزنطي الذي هو من أصحاب الاجماع .

وثالثا : أن الأصحاب عملوا بالخبرين فلو كان ضعف فيهما لا محالة ينجبر

بالعمل .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 45 من ابواب الذبح حديث 1 .

2 - الوسائل باب 44 من ابواب الذبح حديث 3

 

 

[ . . . ]

ثم إن المتيقن من الإجماع المقيد لإطلاق خبر أبي بصير هو ما اذا لم يتلبس

بالصوم أصلا ، وأما لو تلبس به فلا إجماع على لزوم الهدي فيبقى مشمولا للإطلاق ،

وعليه فما أفاده جمع من المحققين منهم المصنف - ره - من كفاية التلبس بالصوم في

سقوط الهدي هو الأظهر .

وعن القاضي وجوب الهدي ، واستدل له بصدق الوجدان ، وبخبر عقبة بن

خالد عن الصادق عليه السلام عن رجل تمتع وليس معه ما يشترى به هديا فلما أن

صام ثلاثة أيام في الحج أيسر أيشتري هديا فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام اذا

رجع الى أهله ؟ قال عليه السلام : يشتري هديا فينحره ويكون صيامه الذي صامه

نافلة له ( 1 ) .

ولكن الأول لا سبيل له بعد النص على الإجزاء ، والخبر يحمل على إرادة

الندب جمعا بينه وبين ما تقدم ، وللإجماع على عدم الوجوب .

ثم إن الخبر مختص بما قبل السبعة فلو أيسر بعد أن تلبس بها لا دليل على

جواز الرجوع الى الهدي ، فما عن القواعد من تقيد الجواز بما قبل السبعة أظهر

 

في أن صوم السبعة بعد الوصول الى البلد

 

9 - قد عرفت أنه يجب على من لم يجد الهدي أن يصوم سبعة أيام غير الثلاثة ،

ويجب أن يكون ذلك بعد الرجوع الى أهله والوصول الى بلده ، بلا خلاف يعرف .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 45 من ابواب الذبح حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

ويشهد به : الآية الكريمة : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة

إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) ( 1 ) .

ونصوص كثيرة - كصحيح معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال رسول

الله صلى الله عليه وآله : من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة

اذا رجع الى أهله ( 2 ) .

وصحيح سليمان بن خالد عنه عليه السلام عن رجل تمتع ولم يجد هديا ، قال

عليه السلام : يصوم ثلاثة أيام بمكة وسبعة اذا رجع الى أهله ( 3 ) ونحوهما كثير من

الأخبار .

وهل يشترط فيها الموالاة كما عن العماني والحلبي والمفيد وابن زهرة ، أم لا

تشترط كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل عن المنتهى والتذكرة : لا نعرف فيه خلافا ؟

وجهان .

يشهد للأول : مضافا الى الأصل - خبر إسحاق بن عمار ، قلت لأبي الحسن

موسى بن جعفر عليهما السلام : إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى فزعت

في حاجة الى بغداد ، قال عليه السلام : صمها ببغداد ، قلت : أفرقها ؟ قال عليه السلام :

نعم ( 4 ) وهو وإن كان ضعيفا بمحمد بن أسلم إلا أنه ينجبر ضعفه بعمل الأصحاب

واعتمادهم عليه .

……………………………………………

1 - سورة البقرة آية 196

2 - الوسائل باب 47 من ابواب الذبح حديث 4 .

3 - الوسائل باب 46 من ابواب الذبح حديث 7 .

4 - الوسائل باب 55 من ابواب الذبح حديث 1

 

 

[ . . . ]

ويعضده : حسن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام : كل صوم

يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين ( 1 ) .

واستدل للقول الآخر بخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام عن صوم

ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها ؟ قال عليه السلام : يصوم

الثلاثة الأيام لا يفرق بينها والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة

جميعا ( 2 ) .

وبحسن الحسين بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام : السبعة الأيام والثلاثة

الأيام في الحج لا تفرق إنما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين ( 3 ) .

ولكن الأول ضعيف بمحمد بن أحمد العلوي ، والجمع بينهما وبين ما تقدم

يقتضي حملهما على ضرب من الكراهة ، وإن أبيت عن كون ذلك جمعا عرفيا حتى مع

ملاحظة فتوى المشهور بعدم المنع يتعين طرحهما عند التعارض ، لأشهرية المعارض

لهما ، فالأظهر عدم اعتبار الموالاة فيها ، نعم الأحوط رعاية ذلك .

ثم إن الظاهر اعتبار التفريق بين الثلاثة والسبعة كما هو المشهور بين

الأصحاب ، بل عن المنتهى نسبته الى علمائنا .

ويشهد به ظاهر الآية الشريفة ، وخبر علي بن جعفر المتقدم آنفا .

نعم اذا لم يصم الثلاثة حتى قدم ووصل الى أهله له أن يجمع بين الثلاثة

والسبعة ، لخبر الواسطي المتقدم ( 4 ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 10 من ابواب بقية الصوم الواجب من كتاب الصوم حديث 1 .

2 - الوسائل باب 55 من ابواب الذبح حديث 2 .

3 - الوسائل باب 10 من ابواب بقية الصوم حديث 2 .

4 - الوسائل باب 52 من ابواب الذبح حديث 4

 

 

[ . . . ]

 

حكم من أقام بمكة

 

10 - لو اقام من وجب عليه السبعة بمكة انتظر وصول أصحابه الى بلده أو

مضي شهر بلا خلاف يوجد كما عن الذخيرة .

وعن جماعة منهم : القاضي والحلبيون انتظار الوصول وعدم اعتبار الشهر .

وعن الشيخ في الاقتصاد : اعتبار مضي الشهر فحسب ، إذ لم يذكر فيه غيره .

والأول أظهر : لصحيح ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام : وإن كان له

مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره الى أهله أو شهرا ثم صام

بعده ( 1 ) .

وبه يقيد إطلاق صحيح البزنطي في المقيم اذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور

فلينتظر منهل أهل بلده ، فإذا ظن أنهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام ( 2 ) ونحوه غيره .

بل وإطلاق ما عن الصدوق في المقنع عن معاوية عن الامام الصادق عليه

السلام عن السبعة الأيام اذا أراد المقام ، فقال عليه السلام : يصومها اذا مضت أيام

التشريق ( 3 ) ان كان قابلا للتقيد وإلا فهو معرض عنه عند الأصحاب .

ثم إن الظاهر كفاية الظن بوصول أهله ، للتصريح به في صحيح البزنطي

وغيره .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 50 من ابواب الذبح حديث 2 .

2 - الوسائل باب 50 من ابواب الذبح حديث 1 .

3 - المستدرك باب 54 من ابواب الذبح حديث 3

 

 

[ . . . ]

وهل يختص انتظار الشهر بالمجاور بمكة ، أم يعم من صد عن وطنه كما عن

الحلبيين ، أو مقيم حرم رسول الله صلى الله عليه وآله كما عن بعض ، أو مقيم الطريق

أيضا كما عن التحرير ؟ وجوه ، الأظهر : هو الأول ، لاختصاص النصوص به ففي غيره

يرجع الى ما تقتضية القاعدة وهو ترك الصوم بمقدار وصول أهله إلى بلده ، فإنه زمان

هذا الصوم كما نص عليه في الآية الكريمة .

وهل مبدأ الشهر انقضاء أيام التشريق كما عن غير واحد ، أم يوم يدخل مكة ،

أو يوم يعزم على الإقامة ؟ كل محتمل ، ولا دليل على تعيين شئ منهما ، والاحتياط طريق

النجاة .

11 - من مات ولم يكن له هدي ووجب عليه الصيام ، فإن لم يتمكن من صوم

شئ من العشرة لا يجب على وليه القضاء عنه ، للإجماع على ما قيل ، ومرسل الصدوق

شاهد به ، وإن تمكن من فعل الجميع فإن مات بعد صوم الثلاثة الأيام لم يجب على وليه

القضاء ، وإن مات قبله وجب عليه القضاء ، فإنه مقتضى الجمع بين صحيح الحلبي عن

الامام الصادق عليه السلام عن رجل تمتع بالعمرة ولم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام

في ذي الحجة ثم مات بعد ما رجع الى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن

يقضي عنه ؟ قال عليه السلام : ما أرى عليه قضاء ( 1 ) وبين ما دل على وجوب القضاء

علي وليه مطلقا كصحيح معاوية عنه عليه السلام : من مات ولم يكن هدي لمتعته فليصم

عنه وليه ( 2 ) ونحوه غيره .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 48 من ابواب الذبح حديث 2 .

2 - الوسائل باب 48 من ابواب الذبح حديث 1