التطيب في حال الاضطرار

 

الثالث : اذا اضطر المحرم الى أكل الطيب أو الى مسه والتداوي به جاز بلا

خلاف والكلام تارة فيما تقتضيه القواعد واخرى في مقتضى النصوص الخاصة .

أما الاول فمقتضى حديث رفع التسعة التي منها : ما اضطروا اليه ( 2 ) . وما دل

على أنه ما من شئ حرمه الله إلا وقد أحله في حال الاضطرار هو : جواز خصوص

الفعل المتعلق بالطيب الذي اضطر اليه وعدم جواز ما عداه وفيما يجوز أيضا لابد

وأن يصل الى حد الاضطرار والالجاء وبدون ذلك وإن توقف عليه تداوي الجرح الذي

يتحمل عادة - لا يجوز ولكن الذي أفتى به الاصحاب أوسع من ذلك قطعا فيعلم

أن مدركهم النصوص .

وأما النصوص فبعضها متضمن لجواز استعمال الطيب لو وصف الطبيب

………………………………………….

( 1 ) الوسائل باب 20 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 56 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه .

 

 

[ . . . ]

المعالج ما فيه طيب كصحيح إسماعيل بن جابر وكانت عرضت له ريح في وجهه من

علة أصابته وهو محرم قال فقلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : إن الطبيب الذي يعالجني

وصف لي سعوطا فيه مسك . فقال ( عليه السلام ) : اسعط به ( 1 ) ونحوه غيره . ومقتضى

ذلك جواز استعمال الطيب وإن لم يضطر بل كان هناك طريق آخر للمعالجة ولكن كان

علاجا للمرض بحسب وصف الطبيب .

وبعضها مختص بصورة الاضطرار كخبر إسماعيل بن جابر إنه سأل أبا عبد الله

عن المحرم اذا اضطر الى سعوط فيه مسك من ريح تعرض له في وجهه وعلة تصيبه

فقال ( عليه السلام ) استعط به ( 2 ) .

وبعضها يدل على جواز السعوط بما فيه مسك مطلقا كخبره الآخر عنه ( عليه

السلام ) عن السعوط للمحرم وفيه طيب فقال ( عليه السلام ) : لا بأس ( 3 ) .

وقد يقال : إن الطائفة الاولى أخص من الثالثة والثانية أخص من الاولى

فيقيد إطلاق كل منهما بمقيدته فيختص الحكم بصورة الاضطرار .

ولكن يرد عليه : أن لا مفهوم لشئ منها فلا وجه للحمل لعدم حمل المطلق

عى المقيد في المتوافقين إلا إن في المقام شيئا وهو أن هذه النصوص الثلاثة السائل

والمسؤول عنه ومورد السؤال فيها واحد ومن المستبعد جدا أن يسأل اسماعيل عن

الامام الصادق ( عليه السلام ) سئوالا واحدا بكيفيات متفاوتة سيما بالنسبة الى الاولين

حيث إن خصوصيات المسئول عنه فيهما واحد وعليه فسؤال واحد وكذا جواب واحد

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 19 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 19 من أبواب تروك الاحرام حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 19 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

نقل بنحوين أو بأنحاء فمقتضى القاعدة هو الاقتصار على المورد المتيقن منها وهو :

صورة الاضطرار .

وقد يقال : إن نظير ذلك ورد في الدهن والادهان به ، فإن بعض النصوص

تضمن جواز الادهان به لمعالجة القرحة وما شاكل كصحيح هشام بن سالم عن أبي

عبد الله ( عليه السلام ) : اذا خرج بالمحرم الجراح أو الدمل فليبطه وليداوه بسمن أو

زيت ( 1 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام عن محرم تشققت يداه

قال : فقال ( عليه السلام ) يدهنهما بزيت أو بسمن أو باهالة ( 2 ) .

ولكن الظاهر أجنبية هذه الروايات عن المقام فإن المحرم هو الادهان الطيبة

لا الادهان بكل دهن ولذا في خبر الاحمسي قال : سأل أبا عبد الله ( عليه السلام )

سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل فقال اجعل عليه

بنفسج وأشباهه مما ليس فيه الريح الطيبة ( 3 ) .

ومن الغريب استدلال جمع بهذه النصوص على جواز التداوي بالطيب

فالمتحصل : أنه في الادهان لم يرد دليل خاص وأما في الطيب وإن ورد إلا أنه للاجمال

الناشئ عن نقل الخبر بكيفيتين - يتعين الاقتصار على المتيقن وهو صورة الاضطرار .

ولابد وأن يقتصر على الفعل الذي اضطر به فلا يجوز سائر الافعال : لعدم

المخصص لعموم الادلة ولذا أفتى الاصحاب بأنه اذا اضطر الى التداوي بالطيب

بالاكل أو الادهان يجب عليه أن يقبض على أنفه للنصوص الآمرة به وقد تقدمت

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 31 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 31 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 31 من أبواب تروك الاحرام حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

جملة منها وهي وإن كانت مطلقة غير مختصة بحال الاضطرار ولكن المقصود من

الاستدلال أن وجوب ذلك ثبت بالدليل فما لم يدل دليل أقوى على عدم وجوبه يكون

المتبع هو دليل المنع فلا مورد للايراد على المستدلين بتلك النصوص بأنها غير مرتبطة

بالمقام الذي هو حال الضرورة وعلى هذا ففي مورد جواز السعوط بما فيه مسك وهو

إدخاله في الانف لابد وأن يراعى أن لا يمس يده به مع الامكان .

 

اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب

 

بقي الكلام في فروع في المقام :

1 - لا إشكال في جواز الاجتياز في موضع يباع فيه الطيب وكذا الجلوس عند

من يبيعه بل وبيعه وشراؤه كما مر بشرط أن يمسك على أنفه فإن شم الطيب مما دل

الدليل على حرمته .

أما أصل جواز الاجتياز والجلوس فمضافا الى عدم الخلاف فيه والاصل لعدم

الدليل على الحرمة - يشهد له صحيح ابن بزيع : رأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) كشف

بين يديه طيب لينظر اليه وهو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته ( 1 ) .

وأما وجوب أمساك اليد بالانف فيشهد به الصحيح وما تقدم من النصوص

كقوله ( عليه السلام ) في صحيح ابن عمار : وأمسك على أنفك من الرائحة الطيبة ( 2 ) .

وغيره .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 18 من أبواب تروك الاحرام حجديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 18 من أبواب تروك الاحرام حديث 5

 

 

[ . . . ]

وعن ظاهر المبسوط والاستبصار والسرائر والجامع : عدم وجوبه واستدلوا له

بصحيح هشام بن الحكم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : لا بأس بالريح الطيبة

فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ولا يمسك على أنفه ( 1 ) بدعوى انه : إنما لا

يجب الامساك على الانف من جهة أن وصول الريح الطيبة الى المشام في حال

الاجتياز غير شم الطيب والصحيح يدل على جوازه .

وبأنه لا دليل على وجوب الامساك بعد فرض عدم صدق الشم على إصابة

الرائحة في حال الاجتياز والاصل عدم الوجوب .

ولكن يرد على الوجه الاول : أن الصحيح مختص بمورد خاص والتعدي عنه

يحتاج الى دليل أو إحراز المناط وهما مفقودان والاصل ينقطع بما ذكر من النصوص

ولعل تعمد الاجتياز من مكان فيه الطيب من قبيل الاكل والمباشرة المؤدين الى الشم

الذين لا كلام في شمول موضع النهي لهما فالاظهر وجوب الامساك .

2 - قال في المنتهى : يحرم عليه لبس ثوب مسه طيب محرم كالزعفران والورس

وأشباههما ذهب اليه فقهاء الامصار انتهى ونحوه ما في التذكرة .

وما أفاده - ره - أعم من لبس ثوب صبغ بالطيب أو غمس فيه أو غيرهما مما

يصدق عليه لبس الثوب الذي مسه الطيب .

ويشهد به خبر الحسين بن أبي العلاء عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن

الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أيحرم فيه ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا بأس

به اذا ذهب ريحه ( 2 ) فإن مفهومه أنه إن لم يذهب ريحه وإن ذهب عنه أو لم يذهب لا

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 20 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 43 من أبواب تروك الاحرام حديث 1

 

 

[ . . . ]

يجوز الاحرام فيه فمفاده أعم مما أفاده .

وخبر إسماعيل بن الفضل : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن المحرم يلبس

الثوب قد أصابه الطيب فقال : اذا ذهب ريح الطيب فليلبسه ( 1 ) . ومفاده كسابقه .

اللهم إلا إن يقال : إن عدم ذهاب الريح أمارة بقاء العين .

ويؤيده خبر سعيد بن يسار عن أبي الحسن ( عليه السلام ) عن الثوب

المصبوغ بالزعفران أغسله واحرم فيه ؟ قال ( عليه السلام ) لا بأس به ( 2 ) .

إلا أنه يظهر من بعض النصوص أنه لو كسب الثوب رائحة الطيب ولو لم

يمسه لا يحرم فيه لاحظ : صحيح حماد بن عثمان قلت لابي عبد الله ( عليه السلام )

إني جعلت ثوبي إحرامي مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها . قال ( عليه السلام ) :

فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها ( 3 ) .

ولكن يمكن أن يقال : مضافا الى ما تقدم من اختصاص الحرمة بالانواع

الخمسة فلا يحرم المجمرة وغيرها وإنما يكره الرائحة الطيبة - أن السؤال ليس عن

الكراهة أو الحرمة بل إحداهما مفروغ عنها عند السائل ويسأل عن حكم كسب

الرائحة فجوابه ( عليه السلام ) باتحاد ريح المجمرة معها فلا يستفاد منه عدم جواز

لبسه فالمتحصل : أن الثوب الذي فيه الطيب يحرم لبسه وما فيه رائحته أو رائحة

طيبة اخرى يكره لبسه .

3 - قال في التذكرة : فكل ما صبغ بزعفران أو ورس أو غمس ماء ورد أو بخر

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 43 من أبواب تروك الاحرام حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 43 من أبواب تروك الاحرام حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 18 من أبواب تروك الاحرام حديث 4

 

 

[ . . . ]

بعود فليس للمحرم لبسه ولا الجلوس عليه ولا النوم عليه : لانه استعمال له فأشبه لبسه

ومتى لبسه أو استعمله فعليه الفداء . انتهى .

ومحل الكلام في هذا الفرع هو الجلوس على ما مسه الطيب أو النوم عليه

واستدل للحرمة بانه استعمال للطيب فيحرم وبخبر حماد المتقدم .

ولكن يرد على الاول : ما تقدم من عدم الدليل على حرمة استعمال الطيب

بل ما دل عليه حرمة أفعال خاصة ليس النوم والجلوس منها .

نعم هما يستلزمان الشم المحرم فلو أمسك على أنفه بنحو لا يشم الطيب

لا أرى بأسا بالجلوس والنوم عليه إلا اذا كان بدنه مماسا مع الطيب المستلزم ذلك

للمس المحرم ولو كان بنحو لا يشم الطيب ولم يكن البدن مماسا بالطيب جاز .

وأما ما دل من النصوص ( 1 ) على أنه يكره للمحرم أن ينام على الفراش

الاصفر والمرفقة الصفراء كان المراد بالصفرة صفرة الطيب أم غيرها - فلا يستفاد منها

الحرمة لاعمية الكراهة في الاخبار عنها .

وهل يلحق بمس البدن في الحرمة مس الثوب كما عن المنتهى أو لا يلحق به

كما في المدارك ؟ وجهان أظهرهما : الثاني فإنه لا دليل على حرمة مس الثوب .

وما عن المنتهى من أن المحرم كما منع من استعمال الطيب في بدنه منع من

استعماله في ثوبه غير تام فإن الممنوع هو لبس الثوب الذي مسه الطيب فإن لزم

منه ذلك بأن مس الطيب بثوبه فتلطخ ثوبه به وكان لابسا إياه حرم عليه استدامة

اللبس ووجب نزعه وإلا فلا .

4 - لو انقطعت رائحة الطيب فتارة يعلم ببقاء الطيب ولو بأن يرش عليه الماء

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 28 من أبواب تروك الاحرام .

 

 

[ . . . ]

فتفوه رائحته واخرى يعلم بعدم البقاء وثالثة يشك في ذلك حكم الاولين واضح

فإنه لا يجوز في الاول ويجوز في الثاني لعدم الفرق في الطيب بين كونه مع الرطوبة أو

بدونها وأما الثالث فمقتضى استصحاب بقائه ترتب أحكام الطيب عليه .

5 - المشهور بين الاصحاب أنه لا يجوز للمحرم أن يمسك على أنفه من

الرائحة الكريهة وعن الغنية دعوى نفي الخلاف فيه .

ويشهد به صحيح ابن سنان عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : المحرم اذا

مر على جيفة فلا يمسك على أنفه ( 1 ) .

وصحيح محمد بن مسلم والحلبي جميعا عنه ( عليه السلام ) المحرم يمسك على

أنفه من الريح الطيبة ولا يمسك على أنفه من الريح الخبيثة ( 2 ) . ونحوهما غيرهما

والنهي ظاهر في الحرمة .

ودعوى : احتمال إرادة نفي الوجوب منه في مقابل الريح الطيبة لا الحرمة . لا

شاهد لها فلا صارف عن ظهور النهي .

6 - قال في التذكرة : لو أكل طعاما فيه زعفران أو طيب آخر أو استعمل

مخلوطا بالطيب في غير الاكل فإن استهلك فيه فلم يبق له ريح ولا طعم ولا

لون فالاقرب أنه لا فدية فيه . انتهى .

وعن الذخيرة : أن الاعتبار يقتضي إناطة حكم الجواز باستهلاك الرائحة لا

مطلق الوصف والنهي عن التلذذ بالرائحة الطيبة مشعر به والاحوط الاجتناب عن

الجميع مطلقا . انتهى .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 24 من أبواب تروك الاحرام حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 24 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

أقول : ان النهي عنه هو أكل الطيب فما دام لم يستهلك ويكون باقيا عرفا لم

يجز وإن استهلك ريحه .

ودعوى أن الريح الطيبة مقوم لعنوان الطيب فبدونه لا يصدق الطيب :

مندفعة : بأن الطيب كما عرفت فسر في النصوص بالانواع الخمسة المعينة أى :

الزعفران والمسك والعنبر والورس والعود : فالميزان صدق أحد هذه العناوين وإن

لم يكن له ريح بل لعله في الزعفران يكون اللون أهم من الريح .

ويؤيد ذلك صحيح منصور بن حازم عن إمامنا الصادق ( عليه السلام ) :

اذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت ( 1 ) .

وأما صحيح عمران الحلبي عن المحرم يكون به الجرح فيداوي بدواء فيه

زعفران قال ( عليه السلام ) : إن كان الزعفران الغالب على الدواء فلا وإن كانت

الادوية الغالبة فلا بأس ( 2 ) . فهو مورد التداوي والضرورة لا ربط له بالمقام .

 

الاكتحال بما فيه الطيب

 

7 - المشهور بين الاصحاب عدم جوز الاكتحال بما فيه طيب .

وفي التذكرة : أجمع علماؤنا على أنه لا يجوز للمحرم أن يكتحل بكحل فيه طيب

سواء كان رجلا او امرأة . انتهى .

وعن الاسكافي والشيخ في الجمل والقاضي في المهذب وشرح جمل العلم

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 18 من أبواب تروك الاحرام حديث 12 .

( 2 ) الوسائل باب 69 من أبواب تروك الاحرام حديث 3

 

 

[ . . . ]

والعمل : القول بالكراهة .

واستدل للثاني بالاصل بعد زعم خروجه عن استعمال الطيب عرفا

لاختصاصه بالظواهر .

وبصحيح زرارة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : تكتحل المرأة بالكحل كله

إلا الكحل الاسود للزينة ( 1 ) .

ولكن يرد على الاول : مضافا الى عدم اختصاص الادلة بالمس بالظاهر وفي

الجواهر : الاجماع بقسميه على حرمة مس الطيب ولو بالباطن - أن النصوص الآتية

كافية في الحكم في الحرمة كما أنه بتلك النصوص يقيد الاطلاق خبر زرارة .

ويشهد للمشهور مضافا الى إطلاق ما دل على حرمة مس الطيب - جملة من

النصوص كصحيح معاوية بن عمار عن إمامنا الصادق ( عليه السلام ) : المحرم

لا يكتحل إلا من وجع وقال : لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد

ريحه فأما للزينة فلا ( 2 ) . وصحيحه الآخر عنه ( عليه السلام ) ( 3 ) مثله .

وخبر هارون بن حمزة عنه ( عليه السلام ) : لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه

زعفران وليكحل بكحل فارسي ( 4 ) .

ومرسل أبان عنه ( عليه السلام ) : اذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل

ليس فيه مسك ولا طيب ( 5 ) .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 8 .

( 3 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 4 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 6 .

( 5 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 9 .

 

 

[ . . . ]

وصحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : يكتحل المحرم

عينيه إن شاء بصبر ليس فيه زعفران ولا ورس ( 1 ) .

وخبر أبي بصير عن الامام الصادق ( عليه السلام ) لا بأس للمحرم أن يكتحل

بكحل ليس فيه مسك ولا كافور اذا اشتكى عينيه ( 2 ) . ونحوها غيرها من النصوص

الكثيرة .

ثم أن تمام البحث في هذه المسألة في جهات :

الاولى : أن في الاكتحال بالسواد أقوالا : الكراهة مطلقا والحرمة كذلك

والتفصيل بين كونه للزينة أو غيرها وسيأتي الكلام فيه في مكروهات الاحرام عند

تعرض المصنف ره له .

الثانية : إن في بعض نصوص الباب كمرسل أبان وصحيح ابن سنان وغيرهما

نهي عن الاكتحال بما فيه طيب للتداوي فقد يتوهم عدم جوازه حتى مع الضرورة

وانحصار الدواء به .

ولكن يشهد لجوازه في حال الضرورة جملة من النصوص كحسن الكاهلي عن

الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : سأله رجل ضرير وأنا حاضر فقال : اكتحل اذا

أحرمت ؟ قال : لا قال : ولم تكتحل ؟ قال : إني ضرير البصر وإذا أنا اكتحلت نفعني

وإن لم أكتحل ضرني . قال : فاكتحل ( 3 ) .

وفي خبر الحلبي عنه ( عليه السلام ) : اذا اضطرت اليه فلتكتحل ( 4 ) . ونحوهما

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 12 .

( 2 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 13 .

( 3 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 10 .

( 4 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 14

 

 

[ . . . ]

غيرهما .

وبها يقيد إطلاق تلك النصوص وتحمل على صورة إمكان التداوي بغيره مع أن

العمومات الدالة على إباحة كل محرم في حال الاضطرار كما تكون حاكمة على

إطلاقات أدلة سائر المحرمات كذلك تكون حاكمة على إطلاق هذه النصوص إذ لا

يكون دلالة هذه النصوص على عدم الجواز في حال الاضطرار إلا بالاطلاق فلاجلها

تحمل النصوص على الاندفاع بغير ذلك .

وبما ذكرناه ظهر ضعف ما عن النهاية والمبسوط من الحرمة وإن اضطر اليه .

الثالث : أنه قد يقال : إن مقتضى إطلاق نصوص الباب حرمة الاكتحال بكل

ما فيه طيب سواء كان طيبه من أحد الانواع الاربعة أو الخمسة المحرمة أم غيرها

نعم اذا كان من أحد تلك الانواع يحرم من جهة الاستعمال أيضا .

وفيه : أن بعض نصوص حصر الطيب في الاربعة غير مقيد باستعمال الطيب .

بل عام ويدل على انحصار الطيب فيها مطلقا وحيث إنه إنما يكون بلحاظ حكم

الطيب فيدل ذلك بالاطلاق على أن هذا الحكم كحكم سائر استعمالات الطيب

مختص بها .

الرابعة : هل يختص الحكم بالحرمة بما اذا كان للطيب رائحة كما في الجواهر

وعن الذخيرة أم لا ؟ وجهان .

استدل للاول بمنع صدق الطيب على ما ليس فيه الريح .

ولكنه ممنوع سيما بعد تفسير الطيب بالانواع الخاصة والنهي عن تلك

الانواع في خصوص المقام وقد تقدم نظير ذلك في أكل طعام فيه طيب .

 

 

[ والمخيط للرجال ]

 

حرمة لبس المخيط على الرجال

 

( و ) منها : لبس ( المخيط للرجال ) بلا خلاف أجده فيه كما عن المنتهى

والتحرير والتنقيح وغيرها بل الاجماع بقسميه عليه والمحكي منه مستفيض

والنصوص تدل عليه .

إنما الكلام في أنه هل يحرم لبس المخيط مطلقا حتى وإن قلت الخياطة أم

تكون الحرمة مختصة بالثوب المزرر أو المدرع والقميص والقباء والسراويل ؟ مقتضى

نصوص الباب هو الثاني لاحظ : صحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه

السلام ) : لا تلبس وأنت تريد الاحرام ثوبا تزره ولا تدرعه ( 1 ) .

وصحيحه الآخر عنه ( عليه السلام ) لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن

تنكسه ولا ثوبا تدرعه ولا سراويل إلا أن لا يكون لك ازار ولا خفين إلا أن لا

يكون لك نعلين ( 2 ) . ونحوهما غيرهما وقد تقدمت النصوص الدالة على أن المحرم اذا

لبس قميصا فإن لبسه بعد ما أحرم شقه وأخرجه مما يلي رجليه وإن لبسه قبله ينزعه

ولا يشقه وسيأتي في مبحث الكفارات ما تضمن وجوب الكفارة في لبس القميص

متعمدا وأيضا قد مر ما تضمن من النصوص : النهي عن لبس القباء وأنه لو اضطر

اليه لبسه مقلوبا .

إلا أن فتاوى الاصحاب متطابقة على حرمة لبس المخيط ففي المنتهى : يحرم

على المحرم لبس المخيط من الثياب إن كان رجلا ولا نعلم فيه خلافا . انتهى .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 35 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 35 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

وفي التذكرة : يحرم على المحرم لبس الثياب المخيطة عند علماء الامصار انتهى .

وفي المستند : بلا خلاف يعلم كما في موضع من المنتهى بل مطلقا كما في

المفاتيح وشرحه وعن الغنية والتحرير والتنقيح بل إجماع العلماء كافة كما في موضع

آخر من المنتهى وعن التذكرة وظاهر الدروس بل بالاجماع المحقق عند

التحقيق . انتهى . مع اعتراف غير واحد منهم بعدم العثور على رواية دالة عليه .

وفي الجواهر : نعم ما سمعته من معاقد الاجماعات كاف في جعل العنوان : لبس

المخيط وإن لم أجده في شئ مما وصل الينا من النصوص الموجودة في الكتب الاربعة

وغيره كما اعترف به غير واحد حتى الشهيد في الدروس . انتهى .

وعلى هذا فمثل هذا الاجماع كاشف عن رأي المعصوم قطعا أو عن وجود

رواية معتبرة ظاهرة فيه لم تصل الينا وإلا فلا يحتمل في حق هؤلاء الاعاظم والفحول

أن يفتوا بشئ من غير دليل .

وما في الرياض حيث قال : ولا يتم الاستدلال على ما يظهر من كلام

الاصحاب بالمنع مما له أزرار لجواز كونه للضم كما يستفاد من الصحيح في الطيلسان

المزرور : وإنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل فأما الفقيه فلا بأس أن يلبسه ( 1 ) . انتهى

لا يوجب أن يحتمل في حق الاصحاب استدلالهم بذلك كي يسقط كاشفية اتفاقهم

عن رأي المعصوم أو عن دليل معتبر وعلى ذلك فترديد صاحب الحدائق - ره - في

الحكم في غير محله .

وعدم تعرض المفيد - ره - له واقتصاره على ذكر أشياء معينة لا يضر بما أدعيناه

لانا لا نقول بحجية الاجماع من باب قاعدة اللطف حتى يضر مخالفة فقيه واحد .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 36 من أبواب تروك الاحرام حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

وأضعف من ذلك استدلال بعض الاعاظم لجواز لبسه صحيح زرارة عن

أحدهما ( عليهما السلام ) عن ما يكره للمحرم أن يلبسه فقال ( عليه السلام ) : كل ثوب

إلا ثوبا يتدرعه ( 1 ) .

وما تضمن عدم جواز لبس الطيلسان المزرور حتى ينزع ازاره معللا بأنه

يخاف أن يزره الجاهل عليه ( 2 ) فإن الصحيح مطلق يقيد إطلاقه بما ذكر بل وجود مثل

ذلك يؤكد ما ذكرناه فإن الافتاء بما يخالف الدليل المعتبر كاشف عن دليل أقوى .

وبه يظهر حال الثاني وبالجملة لا ينبغي للفقيه أن يتوقف في الحكم على إطلاقه .

ثم إنه لابد من التنبيه على امور بها يتم جهات البحث :

1 - قد عرفت أن النصوص تدل على حرمة لبس عدة أشياء وهي : القميص

والقباء والسراويل والثوب المدرع والثوب المزرور . ومقتضى إطلاق النصوص : أنه لا

فرق في ذلك بين كونها مخيطة أو غير مخيطة فالدرع المنسوج وجبة اللبد والملصق

بعضه ببعض والتبان والران وما شاكل لا يجوز لبسها في الاحرام كما أفتى به غير

واحد .

ودعوى : أن النصوص المتضمنة لعدم جواز لبس هذه الاشياء محمولة ولو

بقرينة الاجماع على أنها إنما ذكرت أمثلة لعنوان المخيط فالمانع هو الخياطة خاصة

فلا وجه للحكم بحرمة غير المخيط منها . مندفعة : بأن حمل ما في النصوص على إرادة

المثال خلاف ظاهرها لا يصار اليه إلا مع القرينة والاجماع لا يصلح قرينة على ذلك

إذ لا مانع من أن يكون كل منهما مانعا مستقلا فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق الاخبار

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 36 من أبواب تروك الاحرام حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

وهذا هو الوجه في المنع لا ما أفاده المصنف - ره - في التذكرة وهو إلحاق الفقهاء فإن

إلحاقهم ليس تعبديا .

ولكن ينبغي أن يستثنى من ذلك الطيلسان فإنه قد دل النص الصحيح على

جواز لبسه ففي صحيح يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام )

عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال ( عليه السلام ) وفي كتاب علي ( عليه

السلام ) لا تلبس طيلسان حتى ينزع أزراره فحدثني أبي أنه إنما كره ذلك مخافة أن

يزره الجاهل عليه ( 1 ) . ونحوه غيره ومقتضى إطلاق النصوص جواز لبسه اختيارا كما

صرح به المصنف في جملة من كتبه والشهيد في الدروس على ما في الحدائق وعن

القواعد : اعتبار الضرورة في لبسه ولم يظهر وجه للتقييد .

2 - هل الموضوع للحرمة مسمى الخياطة وإن قلت كما اشتهر بين المتأخرين

فلو كانت الخياطة القليلة في الازار أو الرداء حرم لبسه بل عن الشهيد نسبته الى

ظاهر كلام الاصحاب أم يكون الموضوع هو اللباس المخيط كالقميص والقباء وما

شاكل كما قواه جمع منهم صاحب الجواهر - ره - والفاضل النراقي ؟ وجهان من إطلاق

معقد الاجماع ومن أن إطلاق الرداء والازار يشمل المخيطين وغيرهما وانسباق

الموضوع للخياطة مما شابه ما في النصوص من القميص والقباء وما شاكل وظهور

نصوص الطيلسان في الجواز وإن كان فيه أزرار مخيط وانصراف المخيط الى غير ذلك

ولكن الاول إن لم يكن أقوى لا ريب في كونه أحوط فإن إطلاق الرداء والازار يقيد

بما دل على مانعية الخياطة ونصوص الطيلسان محمولة على المورد الخاص كأصله

والانسباق والانصراف ممنوعان وعلى فرضه فهو بدوي لا يعتني به فالمتعين الاخذ

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 36 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

بإطلاق معقد الاجماع .

3 - أن مورد الاجماع هو لبس المخيط وهو يصدق على التوشح والتدثر به

فهما أيضا غير جائزين .

وما في الجواهر من الاستدلال للجواز تارة بعدم صدق اللبس على التوشح

والتدثر واخرى بأن قوله ( عليه السلام ) ولا ثوبا تدعه يدل على إن المحرم هو

الادراع به لا التوشح ونحوه قابل للمناقشة إذ اللبس كما يصدق على التدرع بالثوب

كذلك يصدق على التدثر والتوشح به غاية الامر بعض مصاديق اللبس في الثوب

والقميص أشيع من غيره .

وقوله ( عليه السلام ) : ولا ثوبا تدرعه . لا مفهوم له يدل به على جواز غيره كي

يقيد إطلاق ما دل على المنع عن لبس المخيط به .

وعن الشهيد في الدورس : إن قلنا بأنه يعتبر في حرمة المخيط كونه مخيطا

بالبدن كما هو ظاهر ابن الجنيد لا يحرم التوشح به ونحوه وإلا فيحرم .

أقول : لا إشكال في أنه لا يصدق اللبس إلا مع إحاطة الملبوس بجزء من

أجزاء بدن اللابس واشتماله عليه فلو جعل المخيط في جيبه لا يصدق عليه اللبس

قطعا وهذا لا يستلزم عد حرمة التوشح والتدثر فإنهما مستلزمان للاحاطة المشار اليها .

وعن المدارك الاستدلال على عدم حرمة التوشح به بالاصل وبقوله ( عليه

السلام ) في خبر ابن عمار : لا تلبس ثوبا له أزارا وأنت محرم إلا أن تنكسه .

ويرد عليه : ان الاصل مقطوع بما عرفت والخبر محمول على صورة الضرورة

للنصوص المتقدمة في شرائط ثوبي الاحرام الدالة على أنه إنما يجوز لبس القباء

منكوسا مع عدم وجود الرداء أو الاضطرار اليه من برد وغيره فالاظهر هو حرمة

التوشح بالمخيط في حال الاختيار .

 

 

[ . . . ]

 

لبس المنطقة وشد الهميان

 

4 - قال في الجواهر : صرح الفاضل والصدوق وابن حمزة ويحيى بن سعيد

والشهيد وغيرهم بجواز لبس المنطقة وشد الهميان وإن كانا مخيطين . انتهى .

والاصل في ذلك النصوص الخاصة كصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله

( عليه السلام ) عن المحرم يصر الدراهم في ثوبه قال ( عليه السلام ) : نعم ويلبس

المنطقة والهميان ( 1 ) .

وخبر يعقوب بن سالم قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : يكون معي الدراهم

فيها تماثيل وأنا محرم فأجعلها في هميان وأشده في وسطي فقال : لا بأس أو ليس هي

نفقتك وعليها اعتمادك بعد الله عزوجل ( 2 ) .

وخبر يونس بن يعقوب قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : المحرم يشد الهميان

في وسطه فقال : نعم وما خيره بعد نفقته ( 3 ) .

وصحيح أبي بصير عنه ( عليه السلام ) في المحرم يشد على بطنه العمامة قال

لا ثم قال : وكان أبي يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها فإنها من تمام

حجه ( 4 ) . ونحوها غيرها .

ودلالة هذه النصوص على جواز شد الهميان والمنطقة المخيطين إنما تكون

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 47 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 47 من أبواب تروك الاحرام حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 47 من أبواب تروك الاحرام حديث 4 .

( 4 ) الوسائل باب 47 من أبواب تروك الاحرام حديث 2

 

 

[ . . . ]

بالاطلاق ولكن قد يقال : إنه حيث يكون مورد السؤال والجواب هو خصوص شدهما

في الوسط فلا إطلاق لها كي تدل على جواز شد المخيطين منهما وعلى فرض الاطلاق

يقيد بما دل على حرمة لبس المخيط .

وما في الجواهر من منع إندراجه في لبس المخيط يرد عليه : صدق اللبس عليه

قطعا والشاهد به صدق اللبس على لبس الخاتم والعمامة وما شاكل ولكن إنكار

إطلاق النصوص مكابرة بل يمكن أن يقال من جهة غلبة المخيطية فيهما : تكون

النصوص كالصريحة في جواز المخيط منهما مع أنه على فرض الاطلاق وتعارضها مع

إطلاق ما دل على حرمة لبس المخيط بما أن التعارض بالعموم من وجه فيتعين الرجوع

الى المرجحات والترجيح مع نصوص المقام فالاظهر جواز لبس المخيط منهما .

وأما العمامة فصحيح أبي بصير ظاهر في حرمة شدها على البطن إلا أن صحيح

الحلبي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : المحرم يشد على بطنه العمامة وإن شاء يعصبها

على موضع الازار ولا يرفعها الى صدره ( 1 ) . يدل على الجواز .

وقد يقال كما في الحدائق : إنه يمكن الجمع بينهما بحمل البطن في صحيح أبي

بصير على الصدر ولكنه كما ترى جمع تبرعي لا شاهد له وإمكان استعمال البطن في

الصدر مجازا لا يكفي في الجمع .

وربما يقال : إن الجمع بينهما يقتضي البناء على الكراهة . ولكن ضابط الجمع

العرفي لا يصدق عليه فإنا لو جمعنا قوله ( عليه السلام ) : لا في صحيح أبي بصير في

جواب قول السائل : يشد على بطنه العمامة مع قوله في صحيح الحلبي : يشد على بطنه

العمامة . يرى أهل العرف التهافت بينهما ولا يرون الثاني قرينة على الاول : -

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 72 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

وأضعف منهما : حمل صحيح أبي بصير على ما لو كانت العمامة من الحرير

فالمتعين هو الرجوع الى المرجحات ولعل الترجيح مع صحيح الحلبي لكون الجواز

مشهورا إلا أن الاحوط مع ذلك اجتنابه وأما شدها على الصدر فلا يجوز للصحيح .

وإيراد الفاضل النراقي عليه أن الجملة الخيرية لا تدل على الوجوب . قد مر

ما فيه مرارا .

وأما عقد الازار والرداء فقد تقدم حكمه في شرائط ثوبي الاحرام .

 

جواز لبس المخيط للنساء

 

5 - في جواز لبس المخيط للنساء قولان المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة

هو الجواز بل في التذكرة : يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا . انتهى وفي المنتهى بعد

قوله : يحرم على المحرم لبس المخيط : وأجمعوا على أن المراد بهذا الذكور دون النساء .

انتهى .

وعن الشيخ في النهاية عدم الجواز ولكنه على ما قيل : ليس كلامه فيها نصا

في الحرمة وعلى أي تقدير قد أفتى هو بما يوافق المشهور في سائر كتبه .

والاول أظهر إذ يشهد له مضافا الى اختصاص دليل المنع بالرجل حتى ما

تضمن لفظ المحرم فإن حمله على إرادة الجنس الشامل للرجل والمرأة يحتاج الى قرينة

وفي المقام مفقودة بل على الخلاف موجودة وقاعدة الاشتراك لا مجرى لها فيما نحن

فيه والاصل يقتضي الجواز - جملة من النصوص الخاصة كصحيح يعقوب بن شعيب

قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير والخز

 

 

[ . . . ]

والديباج فقال ( عليه السلام ) : نعم لا بأس به وتلبس الخلخالين والمسك ( 1 ) .

وخبر النضر بن سويد عن أبي الحسن ( عليه السلام ) عن المحرمة أي شئ

تلبس من الثياب ؟ قال ( عليه السلام ) : تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران

والورس ولا تلبس القفازين ( 2 ) . ونحوهما غيرهما من الاخبار الكثيرة فلا توقف في

الجواز .

 

حرمة لبس القفازين على النساء

 

ثم إن هذه النصوص متضمنة لبيان حكمين آخرين : أحدهما : جواز لبس

الحرير للنساء وقد مر الكلام فيه مفصلا في مبحث شرائط ثوبي الاحرام ثانيهما :

حكم لبس القفازين عليهن والمشهور بين الاصحاب حرمته . وظاهر التذكرة والمنتهى

عدم الخلاف فيها وعن صريح الخلاف والغنية الاجماع عليها .

واستدل لها بجمله من النصوص المتقدمة ففي خبر النضر : ولا تلبس

القفازين ( 3 ) .

وفي صحيح العيص المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير

والقفازين ( 4 ) .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 33 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 33 من أبواب الاحرام حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 33 من أبواب الاحرام حديث 5

 

 

[ . . . ]

وفي خبر أبي عيينة : الثياب كلها ما خلا القفازين ( 1 ) . ونحوها غيرها .

وأورد على الاستدلال بها بوجوه :

الاول أن خبر يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله أنه كره للمرأة المحرمة

البرقع والقفازين ( 2 ) . صريح في الكراهة فيه يرفع اليد عن ظهور تلك النصوص في

الحرمة وتحمل عليها .

وفيه : أن الكراهة في الاخبار غير ظاهرة في الكراهة المصطلحة فضلا عن

الصراحة لو لم تكن ظاهرة في الحرمة فغايته الاجمال فبقرينة النصوص المتقدمة تحمل

هذه على الحرمة .

الثاني : ما في المستند وهو : أن القفاز مجمل فإنه فسره في السرائر ومجمع

البحرين والصحاح والمنتهى والتذكرة : بانه شئ يعمل لليدين يحشى بالقطن يلبسها

المرأة للبرد .

وفي القاموس وعن جماعة من أهل اللغة أنه ضرب من الحلي لليدين والرجلين

وعليه فينفى الفائدة في المنع لاباحة كل من المعنيين بالاصل إلا أن يثمر في حرمة

الجمع بينهما .

وفيه أولا : أن الاكثر فسروه بالاول مع أن في خبر يعقوب بن شعيب صرح

بجواز أن تلبس الخلخال والمسك وهو : سوار من دبل أو عاج ( 3 ) . فيعلم من ذلك أن

القفاز الممنوع غير ذلك .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 33 من أبواب الاحرام حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 33 من أبواب الاحرام حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 33 من أبواب الاحرام حديث 1

 

 

[ . . . ]

وثانيا : أن غايته الاجمال فإذا ثبت حرمته والمحرم مردد بين المعنيين يجب الاجتناب

عنهما معا قضاءا للعلم الاجمالي : إذ العلم الاجمالي مردد بين المعنيين يجب الاجتناب

عنهما معا قضاءا للعلم الاجمالي إذ العلم الاجمالي منجز للتكليف أعم من العلم

الوجداني والتعبدي فما أفاده من أن لازمه الجمع بينهما مناف لقواعد العلم

الاجمالي .

الثالث : أن القفاز بالمعنى الاول من قبيل الثياب الجائز لبسها لها وبالمعنى

الثاني من قبيل الحلي الجائز لها اذا لم تكن للزينة .

وفيه : أنه على التقديرين يكون دليل المنع أخص من أدلة الجواز فيقيد

إطلاقها به فالاظهر هو المنع .

 

جواز لبس الغلالة والسراويل للنساء

 

6 - لا إشكال ولا خلاف في جواز أن تلبس المرأة الحائض الغلالة وهي -

بكسر الغين - ثوب رقيق تلبسها الحائض تحت الثياب .

وفي التذكرة والشرائع وغيرهما دعوى الاجماع عليه حتى من القائل بحرمة

لبس المخيط عليها . ولعله من جهة أن الشيخ في النهاية بعد أن منع من أن تلبس

المخيط قال : يجوز لحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تتقي ثيابها من النجاسات

ويشهد به مضافا الى ما تقدم والى الاصل - صحيح عبد الله بن سنان عن أبي

عبد الله ( عليه السلام ) قال : تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة ( 1 ) .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 52 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

وأيضا لا خلاف في جواز أن تلبس السراويل بل عليه الاجماع فإن الشيخ

صرح أيضا بذلك .

ويشهد له صحيح الحلبي سأل أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن المرأة إذا

أحرمت أتلبس السراويل ؟ قال ( عليه السلام ) نعم إنما تريد بذلك الستر ( 1 ) .

وأما الرجل فقد مر أنه لا يجوز له لبس السراويل إلا اذا لم يجد ازارا وقد

تقدم في بيان شرائط ثوبي الاحرام ذلك إنما الكلام في المقام في أمرين :

الاول : أن المحكي عن الغنية والاصباح : أنه عند قوم من أصحابنا لا يلبس

حتى يفتق ويجعل كالمئزر وأنه أحوط .

ولكن يرد عليه مضافا الى منافاته لاطلاق الفتاوى والنصوص فإنه لم يقيد

الجواز في شئ منها بذلك - أنه على هذا لا وجه للاختصاص بصورة الضرورة وعدم

وجود الازار ولا للقول بثبوت الفدية فالاظهر عدم اعتبار ذلك .

الثاني : أنه سيأتي إن شاء الله تعالى إن في لبس الرجل القميص والسراويل

وما شاكل اختيارا الفدية وهل تجب الفدية مع جواز لبس السراويل كما مال اليه

صاحب الجواهر ره أم لا ؟ المشهور بين الاصحاب هو الثاني والمصنف - ره - في

التذكرة نسبه الى علمائنا .

واستدل للاول بصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( عليه السلام ) عن

المحرم يحتاج الى ضروب من الثياب يلبسها قال ( عليه السلام ) : عليه لكل صنف

منها فداء ( 2 ) .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 50 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 9 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 1

 

 

[ . . . ]

وخبر ابن العيص سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن المحرم يلبس القميص

متعمدا قال ( عليه السلام ) : عليه دم ( 1 ) ومن اضطر الى لبس ثوب يحرم عليه مع

الاختيار جاز له لبسه وعليه دم شاة .

وصحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : من نتف إبطه أو قلم ظفره أو

حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم

ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة ( 2 ) .

ولكن يرد على الاخير : انه أجنبي عن المقام فإن الموضوع فيه لبس ما لا

ينبغي له لبسه ومن لا إزار له ينبغي له لبس السراويل .

ويرد على ما قبله : أن ذيله ليس في كتب الاخبار .

وأما الاول فإنه أعم من الاحتياج المسوغ للبس وعدمه وعليه فيتم

الاستدلال لعدم الوجوب بخلو النصوص عن وجوبها في المقام وبانصراف نصوص

الفدية الى اللبس المحرم وسيأتي تمام الكلام إن شاء الله تعالى في مبحث الكفارات .

 

حكم الخنثى

 

7 - قال في التذكرة : الخنثى المشكل لا يجب عليه اجتناب المخيط لاصالة

البراءة . انتهى .

أقول : إنه إن قلنا بأن الخنثى صنف ثالث ليس برجل ولا امرأة فالظاهر تمامية

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 1

 

 

[ وما يستر ظهر القدم ]

 

ما أفاده فإن حرمة لبس المخيط وهو الاجماع مختص بالرجل وكذا نصوص

المنع عن لبس القباء والقميص وما شاكل فيبقى الخنثى بلا دليل فيرجع الى أصالة

البراءة .

ولكن إن قلنا بأنه إما رجل أو امرأة وليس صنفا ثالثا كما هو الصحيح أو

ليس له تكليف خاص بل هو مكلف إما بتكاليف الرجال أو تكاليف النساء فحيث

إن المختار عندنا منجزية العلم الاجمالي ولو كان المعلوم بالاجمال أحد حكمين ولا

يعتبر في تنجيزه العلم بحكم معين فلو علم أنه إما أن يحرم عليه الجلوس في مكان

معين أو يجب أن يتصدق بدرهم - يكون هذا العلم منجزا وموجبا للزوم الاحتياط .

ففي المقام نقول : إن الخنثى يعلم أنه إما أن يحرم عليه لبس المخيط أو النظر

الى الرجل مثلا فمقتضى هذا العلم الاجمالي الاجتناب عنهما .

ولو نوقش في خصوص المثال لا مجال للمناقشة في الكبرى الكلية التي

ذكرناها .

ولعل نظر من ذهب الى المنع تمسكا بقاعدة الشغل الى ما ذكرناه : إذ مع عدم

جريان أصالة البراءة للعلم الاجمالي لابد من الرجوع الى قاعدة وجوب دفع الضرر

المحتمل .

 

حرمة لبس ما يستر ظهر القدم

 

( و ) منها : لبس ( ما يستر ظهر القدم ) من الخف خاصة كما هو ظاهر الشيخ

في النهاية والحلي في السرائر وكاشف اللثام حيث اقتصروا على ذكره أو مع الجورب

كما عن ظاهر المقنع والتهذيب والمفاتيح وعن شرحه التصريح بالاختصاص بهما وهو

 

 

[ . . . ]

ظاهر الذخيرة والمدارك أو هو مع الشمشك كما عن ظاهر المبسوط والخلاف والجامع

أو بكل ما يستره باللبس كما عن الاقتصاد والجمل والعقود والوسيله والمهذب والنافع

والقواعد وغيرها بل في محكي الذخيرة نسبته الى قطع المتأخرين بل سيد المدارك

نسبه الى قطع الاصحاب وفي المنتهى : دعوى نفي الخلاف فيه قال فيه : ولا يجوز

له لبس الخفين ولا ما يستر ظهر القدم اختيارا ويجوز اضطرارا ولا نعلم فيه خلافا .

انتهى بل ظاهره نفيه بين المسلمين .

وأما النصوص فهي : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام )

في حديث قال : ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك ازار ولا خفين إلا أن لا يكون

لك نعلان ( 1 ) .

وصحيح الحلبي عنه ( عليه السلام ) : وأي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان

فله إن يلبس الخفين اذا اضطر الى ذلك والجوربين يلبسهما اذا اضطر الى لبسهما ( 2 ) .

وخبر أبي بصير عنه ( عليه السلام ) في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين

قال ( عليه السلام ) له أن يلبس الخفين اذا اضطر الى ذلك فيشق ( وليشقه خ ل ) عن

ظهر القدم ( 3 ) .

وصحيح محمد ابن مسلم عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في المحرم يلبس الخف

اذا لم يكن له نعل قال ( عليه السلام ) : نعم ولكن يشق ظهر القدم ( 4 ) .

وخبر رفاعة بن موسى عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن المحرم يلبس

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 51 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 51 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 51 من أبواب تروك الاحرام حديث 3 .

( 4 ) الوسائل باب 51 من أبواب تروك الاحرام حديث 5

 

 

[ . . . ]

الجوربين قال ( عليه السلام ) : نعم أو الخفين اذا اضطر اليهما ( 1 )

ودلالة هذه النصوص على عدم جواز اللبس اختيارا لا تنكر إلا أنها كما ترى

مختصة بالجورب والخف فمن اقتصر عليهما فدليله ظاهر ومن اختص الحكم بالخف

استدل له بأن النص المتضمن للجورب إنما تضمن الجملة الخبرية وهي عن إفادة

الحرمة قاصرة وإما الخف فهو وإن كان كذلك أيضا إلا أنه يمكن استفادة تحريمه من

عطفه في الصحيحين الاولين على السراويل الذي يكون النهي فيه للحرمة وعن الامر

في خبر أبي بصير بالشق الذي هو للوجوب البتة وعن مفهوم خبر أبي بصير وصحيح

الحلبي حيث إن المتبادر من ما تضمناه الحلية ونفيها منطوقا ومفهوما .

ولكن يرد عليه : أن الجملة الخبرية كما أشرنا اليه غير مرة أصرح في الحرمة من

النهي فهذا القول ساقط .

وأما القول المشهور فقد استدل له في الرياض ووافقه صاحب الجواهر ره

قال : والظاهر كفاية نفي الخلاف في الغنية مع سابقيه - مراده ما أفاده في الذخيرة

والمدارك - الذي أقله الشهرة العظيمة في التعدية ويحتمل قويا خروج الخف والجورب

في الفتوى والنص على مجرى الغالب . انتهى .

ولكن يرد عليه مضافا الى أن جمعا من الاصحاب لم يتعرضوا لهذه المسألة وقد

مر الاختلاف العظيم بين المتعرضين لها - أن التعدي من مورد النصوص يتوقف على

ظهور الدليل في إرادة المثال مما تضمنه أو دليل معتبر على التعدي وما ذكر لا يصلح

لشئ من ذلك ومجرد الاحتمال لا يكفي في الاستدلال فالمتحصل : أن الاظهر

هو الاقتصار على لبس الخف والجورب وأما غيرهما فإن كان مخيطا لم يجز على الرجال

خاصة لما دل على حرمة لبس المخيط عليهم وإن لم يكن مخيطا جاز .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 51 من أبواب تروك الاحرام حديث 4

 

 

[ . . . ]

 

تنبيهات :

 

وينبغي التنبيه على امور :

1 - قد يقال : إنه على فرض القول بالتعدى لابد وأن يقتصر على ما يماثل

الخف والجورب بأن يستر ظهر القدم ويكون له الساق لانه مقتضى المماثلة .

وفي الجواهر : إن لم يكن إجماعا أمكن الاختصاص بما شابه الخف والجورب

من لباس القدم ذي الساق دون غيره لانه المناسب كونهما مثالا لغيرهما . انتهى .

ولكن الظاهر بناءا على القول بالتعدي إنما هو التعدي الى كل ما يستر ظهر

القدم ولو لم يكن له الساق لانه لم يدل دليل لفظي على أن بحكم الخف والجورب كلما

يماثلهما حتى يقال إن مقتضى المماثلة ذلك بل الدليل للتعدي هو فهم الاصحاب

وهم لا يفرقون بين ذي الساق وغيره .

2 - عن الروضة : أن بعض الظهر كالجميع إلا ما يتوقف عليه لبس النعلين .

انتهى .

ولكن لا يتم ذلك حتى بناءا على التعدي مما في النصوص من الجورب والخف

والتعدي عن ذي الساق الى غيره فإن التعدي عما يستر تمام ظهر القدم الى ما يستر

بعضه مما لا وجه له أصلا سيما مع ورود النص بجواز لبس النعل وهو يستر بعض

الظهر .

ودعوى : أن الكل ليس إلا الابعاض فإذا لم يجز لبس ما يستر جميع الظهر

لم يجر لبس ما يستر البعض مغالطة واضحة فإن الدليل دل على حرمة ستر المجموع

والبعض غير المجموع .

 

 

[ . . . ]

وبالجملة التعدي عن مورد النص إنما هو بمؤونة الاجماع ولا إجماع على

التعدي الى الساتر لبعض الظهر بل عن كشف اللثام : ولا يحرم عندنا إلا ستر ظهر

القدم بتمامه باللبس . انتهى .

3 - أن المحرم على فرض التعدي : لبس ما يستر ظهر القدم فلو ستر القدم

لا باللبس بل بالجلوس وإلقاء طرف الرداء وكونه تحت الغطاء في النوم وما شاكل لا

بأس به .

4 - هل يعتبر في حرمة لبس الخفين والجوربين سترهما لباطن القدم فعلى

القول بالتعدي أيضا لابد وأن يكون الملبوس ساترا للظاهر والباطن أم لا ؟ وجهان

لم يعثر صاحب الجواهر على من اعتبر من الفقهاء ذلك بل استظهر من الاصحاب

خلافه .

ولكن الظاهر عدم الاعتبار لصدقهما على ما لا شئ له يستر باطن القدم

ومجرد غلبة الوجود لا يصلح تقييدا للاطلاق فعلى فرض التعدي يتعدى الى كل ما

يستر ظاهر القدم وإن لم يكن ساترا لباطنه .

5 - هل يحرم على النساء لبس الخف والجورب أم لا ؟ وجهان نسب الاول الى

النهاية والوسيلة والثاني الى العماني والشهيد .

والمصنف في المنتهى استدل للاول بعموم الاخبار والفتاوى وقاعدة الاشتراك .

واورد عليه : أن الظاهر من النصوص والفتاوى : أن المنع عن الجورب والخف

من جهة أن المخيط ممنوع لبسه وهما من مصاديقه أو ما شابههه وعليه فيختص الحكم

بالرجال .

وفيه : أن ظاهر النصوص كون الخف والجورب من العناوين المستقلة غير

الخياطة فلو كان الجورب غير مخيط مثل ما هو المتعارف في هذا الزمان عمه الدليل

 

 

[ . . . ]

لا من باب المشابهة بل لاطلاق النص ومع ذلك كله لا يتم دليل المانعين فإن إطلاق

الاخبار ممنوع لاختصاصها بالمحرم المذكر وحملها على إرادة الجنس أو التغليب خلاف

الظاهر وقاعدة الاشتراك لا تجري مع احتمال الخصوصية سيما بعد ما ورد من أنه

يجوز للمرأة لبس السراويل لانه أستر لها فالاظهر هو الاختصاص بالرجال

لاصالة البراءة عن حرمة لبسهما على النساء .

 

لبس الخفين في حال الاضطرار

 

6 - لو اضطر الى لبس الخف أو الجورب جاز بلا خلاف ولا إشكال كما في

الجواهر وإجماعا كما في السرائر والمختلف . كما في الرياض ولا نعلم فيه خلافا كما في

المنتهى .

والنصوص شاهدة به ففي صحيح الحلبي المتقدم : فله أن يلبس الخفين اذا

اضطر الى ذلك والجوربين يلبسهما اذا اضطر اليهما .

وفي خبر أبي بصير في رجل هلكت نعلاه لم يقدر على نعلين قال ( عليه

السلام ) له أن يلبس الخفين ان اضطر الى ذلك فيشق عن ظهر القدم .

وفي خبر محمد بن مسلم : المحرم يلبس الخف اذا لم يكن له نعل ؟ قال ( عليه

السلام ) نعم لكن يشق ظهر القدم وقد تقدمت هذه النصوص إنما الكلام في موردين :

الاول : أن الذي يظهر من خبر محمد أن المسوغ لجواز اللبس هو أن لا يكون

له نعل لا الضرورة إلا أنه يتعين تقييد إطلاقه بمفهوم غيره من النصوص سيما خبر

أبي بصير الوارد فيمن هلكت نعلاه .

الثاني أنه هل يجب شقهما في حال الضرورة إن أمكن كما عن الشيخ في

 

 

[ . . . ]

المبسوط وابني حمزة وسعيد في الوسيلة والجامع والمصنف - ره - في المختلف والشهيد

في الدروس والشهيد الثاني في المسالك وغيرهم في غيرها أم لا يجب كما عليه جماعة

من الاصحاب ومنهم : الحلي مدعيا عليه الاجماع ويشعر به أيضا عبارة الشرائع

واختاره سيد الرياض أيضا وعن التحرير التردد فيه ؟

ثم القائلون بعدم وجوب الشق منهم من ذهب الى استحبابه كصاحب

الذخيرة ومنهم من أفتى بإباحته ومنهم من اختار حرمته كسيد الرياض والمدرك هو

الاخبار فإنه استدل بالامر بالشق في جملة من النصوص - كخبري أبي بصير ومحمد

بن مسلم المتقدمين والمرسل عن بعض الكتب : لا بأس للمحرم اذا لم يجد نعلا

واحتاج أن يلبس خفا دون الكعبين - على الوجوب .

وأيد ذلك بان ما دل على حرمة لبس ما يستر ظهر القدم بدون ضرورة يدل

على وجوبه فإنه مع الشق لا ضرورة .

وأورد عليه القائلون بعدم الوجوب بوجوه :

منها : أن الروايتين ضعيفتان لا يعتمد عليهما .

وفيه أولا : أن خبر محمد بن مسلم رواه الصدوق بإسناده عنه ولا يبعد صحته .

وثانيا : أن اعتماد من عرفت عليهما يوجب جبر ضعفهما لو كان .

ومنها : موافقتهما لمذهب أكثر العامة ومنهم : أبو حنيفة فيحملان على التقية .

وفيه أولا : أن الموافقة للعامة إنما توجب طرح الخبر عند معارضته بما هو مخالف

لهم بعد فقد جملة من المرجحات فهي بنفسها ليست من موهنات الرواية ولا موجبة

لحملها على التقية .

وثانيا : أن فتوى بعضهم كبعض رواياتهم إنما هو وجوب الشق .

ومنها : العلوي الذي رواه الجمهور أنه ( عليه السلام ) قال : قطع الخفين فساد

 

 

[ . . . ]

يلبسهما كما هما والمراد بالفساد التبذير والاسراف فيدل على حرمة الشق وهو إنما

يدل على عدم وجوب الشق بل حرمته كما عرفت .

وفيه : أنه ضعيف لا نعرف سنده .

ومنها : أن شق الخف والجورب إتلاف للمال وهو حرام لكونه تبذيرا وإسرافا .

وفيه : أنه لا مانع منه اذا ساعدنا الدليل كما في شق القميص الذي يلبسه

المحرم .

ومنها : أن هذه النصوص معارضة مع النصوص الدالة على جواز لبسهما في حال

الاضطرار فإنها مع كونها في مقام البيان لم تتعرض لذلك فتدل على عدم وجوبه إذ

لو كان واجبا لذكر في مقام البيان .

وقد جمع صاحب الذخيرة بين الطائفتين بحمل ما تضمن الامر بالشق على

الاستحباب وصاحب الرياض رأي الطائفتين متعارضتين لا يمكن الجمع بينهما

ولاصحية نصوص عدم الوجوب قدمها وطرح هذه النصوص .

وفيهما نظر أما الثاني فلانه يمكن الجمع العرفي بينهما فإن غاية ما ذكر في

وجه التعارض دلالة النصوص بالاطلاق على عدم وجوبه فبمقتضى قاعدة حمل

المطلق على المقيد تقدم نصوص الشق لانها أخص من تلك الطائفة فلا وجه للطرح .

وأما الاول فلان المحقق في محله أنه يقدم المقيد على المطلق وإن أمكن الجمع

بنحو آخر .

وبعبارة اخرى : الجمع الموضوعي مقدم على الجمع الحكمي فتحصل : أن

الاظهر وجوب الشق .

ثم إنه على القول بالوجوب أو الاستحباب فقد وقع الخلاف في المراد من

الشق .

 

 

[ . . . ]

قال الشيخ في محكي المبسوط : يشق ظهر قدميهما .

وعن الخلاف وابن الجنيد : أنه يقطعهما الى أسفل الكعبين وهو الظاهر من

المنتهى والتذكرة .

وعن ابن حمزة : التخيير بينهما مع أفضلية قطع الساقين وذهب صاحب الجوهر

الى التخيير .

ولكن الظاهر من النصوص هو قطع الساقين فإن خبر محمد وإن كان قابلا

للحمل على كل من المعنيين إلا أن خبر أبي بصير يكون ظاهرا في القطع لاحظ :

قوله ( عليه السلام ) : شق عن ظهر القدم . يعني منتهى الشق هو ظهر القدم .

وبعبارة اخرى : فرق بين شق ظهر القدم والشق عن ظهر القدم والثاني ظاهر

في إرادة القطع بحيث يكون مما لا ساق له وعلى هذا فالمتعين ذلك .

ثم ان النصوص دالة على جواز لبس النعل كما تقدم ومقتضى إطلاقها جواز لبسه

وإن كان مخيطا وهل يتعدى الى غيره مما لا يكون ساترا لظهر القدم كالقندرة أم لا ؟

وجهان بل وجوه ثالثها : التفصيل بين ما لو كانت مخيطة فلا يجوز لاطلاق ما دل

على حرمة لبس المخيط للرجال الشامل لذلك ونصوص النعل مختصة به والتعدي

يتوقف على وجود دليل أو علم بالمناط وهما كما ترى وبين ما إذا لم تكن مخيطة بل

كانت معمولة بالمسمار فيجوز لعدم شمول دليل المنع عما يستر ظهر القدم إياها كما

لا يخفى وكذلك ما دل على حرمة لبس المخيط فالاظهر هو التفصيل والله العالم .

 

 

[ والفسوق وهو الكذب ]

 

الفسوق حرام على المحرم

 

( و ) منها : ( الفسوق ) بلا خلاف في حرمته على المحرم - وفي الجواهر : بل

الاجماع بقسميه عليه بل المحكي منه مستفيض وفي الرياض والمستند وغيرهما أيضا

دعوى الاجماع عليه وهو كذلك والنصوص الآتية شاهدة به مضافا الى الآية

الكريمة : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) ( 1 ) .

إنما الكلام في المراد منه ففي المتن والحدائق والشرائع وعن المقنع والنهاية

والمبسوط والاقتصاد والجامع والشرائع والنافع وغيرها ( وهو الكذب ) بل عن التبيان

ومجمع البيان وروض الجنان أنه رواية أصحابنا مشعرين بدعوى الاجماع .

وعن السيد وابن الجنيد والشهيدين وجمع آخرين من المتأخرين أنه الكذب

مع السباب .

وعن الذخيرة وفي حاشية التبصرة للسيد الطباطبائي أنه الكذب والسباب

والمفاخرة واختاره المصنف في محكي المختلف لكنه قال : إن المفاخرة لا تنفك عن

السباب .

وعن ابن أبي عقيل : أنه الكذب واللفظ القبيح .

وعن الجمل والعقود انه الكذب على الله تعالى .

وعن الغنية والمهذب والاصباح والاشارة : أنه الكذب على الله ورسوله وأحد

الائمة عليهم السلام بل عن الغنيه دعوى الاجماع عليه .

…………………………………………

( 1 ) سورة البقرة : آية 198 .

 

 

[ . . . ]

وقيل : هو المفاخرة .

وقيل : هو كل لفظ قبيح .

وعن التبيان والراوندي : أنه جميع المعاصي التي نهى المحرم عنها .

وأما النصوص فهي طوائف :

الاولى : ما يدل على القول الاول كخبر زيد الشحام قال : سألت أبا عبد الله

( عليه السلام ) عن الرفث والفسوق والجدال قال ( عليه السلام ) أما الرفث فالجماع

وأما الفسوق فهو الكذب ألا تسمع لقوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم

فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ) والجدال هو قول : لا والله وبلى والله

وسباب الرجل الرجل ( 1 ) .

وصحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في قوله عزوجل :

( الحج أشهر معلومات ) الى آخره فالرفث : الجماع والفسوق : الكذب الجدال :

قول الرجل : لا والله وبلى والله ( 2 ) .

الطائفة الثانية : ما دل على القول الثاني كصحيح معاوية بن عمار قال أبو

عبد الله ( عليه السلام ) : اذا أحرمت فعليك بتقوى الله - الى أن قال - فالرفث : الجماع

والفسوق : الكذب والسباب ( 3 ) .

ومما يعضد هذه الطائفة : موثق أبي بصير عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : قال

رسول الله صلى الله عليه وآله : سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 32 من أبواب تروك الاحرام حديث 8 .

( 2 ) الوسائل باب 32 من أبواب تروك الاحرام حديث 9 .

( 3 ) الوسائل باب 32 من أبواب تروك الاحرام حديث 1

 

 

[ . . . ]

وحرمة ماله كحرمة دمه ( 1 ) .

الطائفة الثالثة : ما دل على أنه : الكذب والمفاخرة كصحيح علي بن جعفر

قال : سألت أخي موسى ( عليه السلام ) عن الرفث والفسوق والجدال ما هو وما على

من فعله ؟ فقال ( عليه السلام ) الرفث جماع النساء والفسوق الكذب والمفاخره

الحديث ( 2 ) .

وعن المختلف : إرجاع هذه الطائفة الى الثانية بدعوى ان المفاخرة لا تنفك

عن السباب : إذ المفاخرة إنما تتم بذكر فضائل له وسلبها عن خصمه أو سلب رذائل

عنه وإثباتها لخصمه وهذا هو معنى السباب ومال اليه صاحب الجواهر وقواه بعض

الاعاظم .

ولكن يرد عليه : أن السب متحد مع الشتم ويعتبر فيه كونه تنقيصا وازراءا ويعتبر

الاهانة والتعيير في مفهومه وهذا لا يصدق على من أثبت لنفسه فضائل وسلبها عن

خصمه إذ عدم واجديته لفضائل ليس نقصا له وعليه فهما متغايران غاية الامر بينهما

عموم من وجه .

وقد يقال في مقام الجمع كما عن المدارك وفي الحدائق : بأن الطائفة الثانية

تقتضي نفي المفاخرة والطائفة الثالثة تقتضي نفي السباب فتتدافعان وتتساقطان

فالمتعين هو الطائفة الاولى وما اتفق عليه الطائفتان الاخيرتان وهو كون الفسوق

خصوص الكذب .

وفيه أولا : أنه لم سلم تعارضهما بنحو لا يمكن الجمع العرفي بينهما لزم الرجوع

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 158 من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 32 من أبواب تروك الاحرام حديث 4

 

 

[ . . . ]

الى المرجحات ومع فقدها فالتخيير لا التساقط .

وثانيا : أنه يمكن الجمع العرفي بينهما إذ غاية ما هناك دلالة كل منهما بالمفهوم

على نفي ما تضمنه الاخرى ومن الواضح أنها تكون بالاطلاق فيقيد إطلاق مفهوم

كل منهما بمنطوق الاخرى فتكون النتيجة هو كون كل منهما فسوقا .

وفي الحدائق : أنه يمكن أن تحمل الروايات المشتملة على هذه الزيادة على

التقية فإن المنقول في التذكرة عن العامة تفسير الفسوق بالسباب .

وفيه : أن مجرد موافقة الخبر للعامة لا يوجب حمله على التقية فإن المخالفة لهم

من مرجحات إحدى الحجتين على الاخرى بعد فقد جملة من المرجحات لا من مميزات

الحجة عن اللاحجة .

وقد يقال : إن نصوص المفاخرة لا يصح العمل بها فإنه لم يظهر قائل بها

بالخصوص مع أنه في صحيح معاوية المتقدم بعد تفسير الفسوق بالكذب والسباب

قال : اتق المفاخرة . وهذا يفيد المغايرة فيرفع اليد عنها فيثبت القول الثاني : ولكن

عدم العمل بها بعد هذا الاختلاف العظيم .

ودعوى المصنف : تلازمها مع السباب . لا يكون موهنا لها وقوله : اتق المفاخرة

بعد تفسير الفسوق بالكذب والسباب وإن كان دالا على أنها ليست فسوقا إلا أنه

بالاطلاق والظهور فيرفع اليد عن ذلك بما يكون صريحا في أنها أيضا فسوق .

وبذلك ظهر الجواب عن الايراد على كون السباب من الفسوق بعطف

الفسوق على السباب في صحيح سليمان بن خالد قال : سمعت ابا عبد الله ( عليه

السلام ) يقول في حديث : وفي السباب والفسوق بقرة ( 1 ) . فإنه مع الاغماض عن عدم

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 1 .

 

 

[ والجدال وهو قول : لا والله وبلى والله ]

 

العمل به غايته الاشعار أو الظهور في المغايرة ولكن بعد التصريح بعدم التغاير في

النص يحمل ذلك على كونه من قبيل عطف العام على الخاص .

فالمتحصل مما ذكرناه أن الجمع بين النصوص يقتضي البناء على أن الفسوق هو

الكذب والسباب والمفاخرة . وقد ظهر مما ذكرناه حجة القولين الاولين وعدم تماميتها .

وأما بقية الاقوال فبين تخصيص بلا مخصص وتعميم بلا معمم سوى ما قيل

للسادس من دعوى الاجماع في الغنية وهي ليست بحجة كما هو واضح .

والذى يسهل الخطب عدم ترتب ثمرة مهمة على هذا النزاع لحرمة الجميع

بأنفسها وعدم إفساد شئ منها للحج وعدم إيجابه الكفارة كما سيأتي .

ومقتضى إطلاق النصوص كون الكذب مطلقا من الفسوق وإن كان جائزا

نعم اذا وجب الكذب لمصلحة وقع التزاحم بينه وبين ما دل على حرمته في الاحرام .

وبالجملة هذا حكم آخر غير مربوط بحرمة الكذب في نفسه فلا يدور مداره

كما أن مقتضى إطلاق الآية الكريمة والنصوص المفسرة لها : عدم الفرق في هذا الحكم

بين الرجل والمرأة .

 

من المحرمات على المحرم الجدال

 

( و ) منها : ( الجدال ) كتابا وسنة وإجماعا بقسميه على ما في أكثر كتب

الاصحاب او جميعها كذا في الجواهر .

إنما الخلاف في المراد منه بعد اتفاقهم ظاهرا على اعتبار اليمين فيه شرعا وإن

كان يتحقق عرفا بدون اليمين ضرورة كونه الخصومة والبغضاء .

وكيف كان فالمشهور بين الاصحاب ما في المتن قال : ( وهو قول : لا والله وبلى

والله ) .

 

 

[ . . . ]

وعن الشهيد في الدروس : التعدي عن القول المذكور الى كل يمين .

وفي المستند : أنه يعتبر الحلف بالله لكن لا يختص بلفظ ( الله ) بل يتعدى الى

كل ما يؤدي هذا المعنى كالخالق والرحمن ونحوهما وبالفارسية وغيرها من اللغات .

وقد وقع الخلاف في الخصوصيات المعتبرة فيه سنتعرض لها بعد ذكر الاخبار

منها : صحيح معاوية المتقدم ومنها : خبر زيد الشحام وفيهما : الجدال : قول : لا والله وبلى

والله .

ومنها : صحيح ابن عمار سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل يقول لا

لعمري وهو محرم فقال : ليس بالجدال إنما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله .

وأما قوله لاها فإنما طلب الاسم وقوله : ياهناه فلا بأس به وأما قوله : لا بل شانيك .

فإنه من قول الجاهلية ( 1 ) .

ومنها : صحيح أبي بصير سألته عن المحرم يريد أن يعمل له العمل فيقول له

صاحبه : والله لا تعمله فيقول : والله لا عملته . فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال ؟

قال : لا إنما أراد بهذا إكرام أخيه إنما كان ذلك ما كان لله عزوجل فيه معصية ( 2 ) .

بيان : الظاهر من الحديث أن المراد بالعمل ما كان فيه إكرام صاحبه وبما كان

فيه معصية ما لم يكن فيه غرض ديني فإن ذلك دخول في نهيه سبحانه بقوله ( ولا

تجعلوا الله عرضة لايمانكم ) وورد في الاخبار : أن من حلف بالله صادقا أثم . كذا في

المستند .

ومنها : صحيح آخر لابي بصير عن أحدهما ( عليه السلام ) اذا حلف بثلاثة أيمان

…………………………………………

 ( 1 ) الوسائل باب 32 من أبواب تروك الاحرام حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 32 من أبواب تروك الاحرام حديث 7 .

 

 

[ . . . ]

متعمدا متتابعات صادقا فقد جادل وعليه دم واذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل

وعليه دم ( 1 ) . وقريب منه صحيحه الثالث ( 2 ) .

ومنها : صحيح معاوية قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) في حديث : والجدال : قول

الرجل : لا والله وبلى والله . واعلم أن الرجل اذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد

وهو محرم فقد جادل وعليه دم يهريقه ويتصدق به واذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد

جادل فعليه دم يهريقه ويتصدق به قال : وسألته عن الرجل يقول لا لعمري وبلى

لعمري . فقال : ليس هذا من الجدال وإنما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله ( 3 ) .

وموثق يونس قال : سألت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن المحرم يقول لا والله

وبلى والله وهو صادق عليه شئ ؟ قال : لا ( 4 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر ( عليه السلام ) عن الجدال في الحج

فقال : من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم . فقيل له : الذي يجادل وهو صادق قال :

قال : عليه شاة والكاذب عليه بقرة ( 5 ) . هذه هي نصوص الباب وتمام الكلام فيما

يستفاد منها في ضمن جهات .

الاولى : المستفاد من هذه النصوص : أن الجدال هو اليمين فالقول بأنه مطلق

الخصومة لانها معناه اللغوي والعرفي : ضعيف .

وهل يعتبر فيه سبق الخصومة كما عن السيد الاجماع عليه واختاره في

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 7 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 3 .

( 4 ) الوسائل باب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 8 .

( 5 ) الوسائل باب 1 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 6 .

 

 

[ . . . ]

الجواهر أم يكون عاما لما يكون خصومة وغيره كما عن ظاهر الدروس والمنتهى

والتذكرة ؟ وعلى الثاني فهل يشترط عدم كونه في الاكرام وطاعة الله كما هو المحكي

عن الاسكافي والمقنعة والجعفي والكركي وثاني الشهيدين وسبطه وفي المستند أم

لا ؟ وعلى الاول فهل يشترط عدم كونه في المعصية أم لا ؟ وجوه .

مقتضى إطلاق النصوص المفسرة للجدال عدم اعتبار سبق الخصومة .

. استدل صاحب الجواهر - ره - لاعتباره بعدم صدق الجدال بدونها وبأن

قول لا والله وبلى والله . إشارة الى ذلك فإن المراد النفي من واحد والاثبات من آخر .

ولكن يرد على الاول : أن الموضوع العرفي اذا أخذ في موضوع الدليل تارة لا

يتصرف الشارع الاقدس فيه وإنما يضيف قيدا وجوديا أو عدميا فيه كما في باب

العقود والايقاعات فإن الشارع أخذ البيع بماله من المفهوم العرفي موضوعا للامضاء

وترتب الآثار غاية الامر اعتبر فيه قيودا ففي مثل ذلك لابد من إحراز الموضوع

عرفا والرجوع الى العرف في مفهومه .

وأخرى يتصرف فيه ويبين المراد منه وفي أمثال ذلك لا معنى للرجوع الى

العرف بل لابد من الرجوع الى الادلة الشرعية والمقام من قبيل الثاني فإن

الروايات مفسرة للجدال كما يظهر لمن راجعها فلا مورد للرجوع الى العرف ولا

يهمنا النزاع في أنه هل له حقيقة شرعية أو أن الشارع استعمله فيه مجازا فإن ذلك

لا يترتب عليه أثر وقد عرفت أن النصوص تقتضي عدم اعتبار سبقها .

وأما الوجه الثاني فيرده : أن الظاهر كونهما من شخص واحد لا النفي من واحد

والاثبات من آخر .

نعم صحيح أبي بصير المتقدم يشهد لاعتبار عدم كونها في الاكرام وطاعة الله

تعالى وبه يقيد إطلاق سائر النصوص .

 

 

[ . . . ]

لا يقال : أن آخر تلك الصحيحة : إنما كان ذلك ما كان لله فيه معصية يدل

على اعتبار كونها في المعصية لا مجرد عدم كونها في الطاعة .

فإنه يقال : فرق بين التعبير بما كان في المعصية والتعبير بما كان فيه المعصية

والثاني يصدق بمجرد عدم الطاعة بالتقريب المتقدم عند بيان المراد من الصحيح

راجعه فإن كل ما لم يكن في الطاعة يكون فيه المعصية .

ويترتب على ما ذكرناه خروج ما توقف عليه استنقاذ الحق أو رفع الدعوى

الباطلة عن الجدال كما هو المنسوب الى الشهيدين وغيرهما من المتأخرين لخروجه

عن المعصية بأدلة نفي الضرر .

الثانية : هل يعتبر فيه كون الحلف بالله كما هو المشهور بين الاصحاب وعن

السيدين دعوى الاجماع عليه أم يكفي كل يمين كما عن الشهيد في الدروس ؟

وجهان يشهد للاول : ظاهر النصوص المتقدمة الحاصرة لها بقول : لا والله وبلى والله .

المؤيدة بما صرح فيه بعدم كون : لعمري . جدال - هو الاول .

واستدل للثاني : بوحدة المناط وبقوله ( عليه السلام ) في صحيح معاوية المتقدم :

واعلم أن الرجل اذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل . . .

الى آخره . ومثله ما في صحيحه الآخر بدعوى : أن مقتضى إطلاقهما كفاية كل ما صدق

عليه اليمين .

ولكن يرد على الاول : أنه ما لم يحرز الوحدة لا وجه للتعدي ومع عدم علمنا

بالمناطات كيف يمكن لنا إحرازها .

ويرد على الثاني : أن إطلاقهما وارد في مقام بيان حكم آخر وهو الكفارة وأنه

فرق بين اليمين الصادقة والكاذبة وأنه يعتبر في الاولى ثلاثة أيمان متتابعات وفي

الثانية يكفي واحدة وأما أن اليمين التي اخذت موضوعا فهل هي مطلق اليمين أو

 

 

[ . . . ]

يمين مخصوصة فليسا في مقام بيانه .

أضف الى ذلك : انه لو سلم ثبوت الاطلاق لهما لابد من تقييده بالنصوص

الحاصرة لها بالقول المخصوص حملا للمطلق على المقيد فالاظهر عدم كفاية مطلق

اليمين .

الثالثة : هل يعتبر في الجدال أن يكون الحلف بخصوص لفظ ( الله ) كما هو

المشهور بين الاصحاب أم يكفي مطلق الحلف بالله كما عن الانتصار وجمل العلم

والعمل وفي الرياض والمستند ؟ وجهان ظاهر النصوص الحاصرة المؤيدة بالاجماعات

المنقولة والشهرة العظيمة هو الاول .

واستدل للثاني بقوله في صحيح أبي بصير عن المحرم يريد العمل فيقول له

صاحبه : والله لا تعمله . فيقول : والله ما عملته . فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال ؟ : لا

إنما أراد بهذا إكرام أخيه إنما كان ذلك ما كان لله فيه معصية بتقريب : أن تعليل نفي

الجدال بذلك دون فقد الخصوصيتين أوضح شاهد على أنه لولا إرادة الاكرام لثبت

الجدال بمطلق ( والله ) كما هو فرض السؤال وبه يحمل النصوص الحاصرة على إرادة

الرد بذلك على من جعل الجدال مطلق الخصومة المؤكدة باليمين ولو مطلقها ذكره في

الرياض .

وبأن الاصل في الالفاظ إرادة معانيها دون خصوص اللفظ فالمراد بالله معناه

وهو الذات المقدسة .

ولكن يرد على الاول : أنه اذا كان للشئ علل وموجبات يصح إسناده الى أي

منها من دون أن يلزم من ذلك حزازة في الكلام ومن دون أن يدل الكلام على عدم

موجب آخر وفي المقام بما أن تحقق الجدال متوقف على الحلف بالله بلفظ مخصوص مع

عدم إرادة الاكرام فعدمه إنما يكون بعدم أحد الضدين أو عدمهما وفي الصحيح

 

 

[ . . . ]

نسب ذلك الى عدم أحدهما وهذا لا يلازمه أن لا منشأ له غير ذلك .

وأما الحصر في قوله : إنما كان ذلك ما كان لله فيه معصية فهو حصر بالاضافة

الى اعتبار هذا القيد وأنه لا جدال بدونه مع أن غاية ما يثبت به على فرض تمامية

الدليل ثبوت الجدال باليمين بالله تعالى مطلقا كانت باللفظ المخصوص أو بغيره

فيقيد إطلاقه بالنصوص الحاصرة ومجرد احتمال كون الحصر فيها إضافيا لا يوجب

رفع اليد عن ظاهرها .

أضف الى ذلك : أن المفقود في الخبر لفظ لا وبلى ولفظ الجلالة موجود .

ويرد على الثاني : أن الاصل في الالفاظ دخالتها بأنفسها لا إرادة معانيها

لاحظ : باب العبادات بأجمعها والطلاق وما شاكل فالاظهر اعتبار اللفظ المخصوص .

وهل يعتبر لفظ لا وبلى أم لا يعتبر ؟ وجهان اختار صاحب الجواهر - ره -

الثاني قائلا ان صيغة القسم هو : قول والله . وأما لا وبلى فهو المقسوم عليه فلا

يعتبر خصوص اللفظين في مؤداه ولو بشهادة صحيح أبي بصير ونظره الى التقريب

الذي أفاده سيد الرياض بل يكفي الفارسية فيه وإن لم تكف في لفظ الجلالة .

وفيه أن ظاهر النصوص الحاصرة حصر المقسوم عليه في اللفظين كحصر

القسم بلفظ الجلالة والتعدي لا وجه له والصحيح قد عرفت حاله فالاقوى اعتبار

اللفظين المخصوصين .

الرابعة ، هل يعتبر في تحقق الجدال وقوع الامرين أم يكفي أحدهما ؟ ذهب

جماعة - منهم : الفاضل الاصبهاني - حاكيا له عن المنتهى والتذكرة بل قال : وبه قطع

في التحرير وصاحب الجواهر والفاضل النراقي وسيد المدارك الى الثاني .

واستدل له في الجواهر بقوله ولعله للصدق عرفا بعد معلومية إرادة ما ذكرناه

منهما لا أن قولهما معا من الواحد أو من الاثنين معتبرا في الجدال .

 

 

[ . . . ]

والاولى : أن يستدل بما أفاده الفاضل النراقي ره وهو : أن النفي والاثبات

لا يجتمعان غالبا لانه إما أن يثبت ما يدعيه الخصم أو ينفيه فلا يتوجه النفي

والاثبات من شخص واحد الى معنى واحد فالمراد بالنصوص بيان الموارد .

الخامسة : أنه يكفي الواحدة في اليمين الكاذبة في صدق الجدال للتصريح به

في النصوص المتقدمة كما أنه لا كلام في اعتبار التكرار ثلاثا في الصادقة بالنسبة الى

وجوب الكفارة إنما الخلاف في أنه هل يعتبر الثلاث فيها في صدق الجدال أم لا ؟ ظاهر

جملة من النصوص المتقدمة هو الاول وبها يقيد إطلاق ما دل على الاكتفاء في صدقه

بواحدة فإن شئت قلت : إن موثق يونس يدل على أن المحرم اذا كان صادقا وقال :

لا والله وبلى والله . لا شئ عليه ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الواحدة والثلاث

ولعله لذلك اعتبر الكذب في صدقه .

ومقتضى صحيح ابن عمار : إنما الجدال قول : لا والله وبلى والله . ونحوه غيره

الاكتفاء في صدق الجدال بالواحدة وإن كان صادقا .

وطائفة ثالثة من النصوص تدل على التفصيل بين الكاذبة والصادقة وأنه

يعتبر في الثانية الثلاث ويكتفي بواحدة في الاولى وهي تقيد الطائفتين الاولتين كما

هو واضح .

ودعوى : أن ما دل على اعتبار الثلاث قابل للحمل على بيان ما يوجب

الكفارة خاصة خلاف ظاهر أكثر تلك النصوص سيما صحيح ابن عمار حيث رتب

تحقق الجدال على الثلاث وفرع وجوب الدم على الجدال بلفظ الفاء .

 

 

[ وقتل هوام الجسد ]

 

يحرم قتل هوام الجسد

 

( و ) منها : ( قتل هوام الجسد ) بالتشديد جمع هامة . ودوابه كالقمل والصئبان

ونحوهما كما هو المشهور بين الاصحاب على ما صرح به جمع كذا في الرياض .

وفي الجواهر : لكنا لم نتحققها في العنوان المزبور .

أقول : الظاهر عدم الشهرة فإن جمعا من القدماء لم يتعرضوا للقتل واكتفوا

بذكر الالقاء عن البدن وجمعا من الفقهاء - وهم الاكثر - اقتصروا على ذكر القمل

خاصة وجوز بعضهم قتل قمل البدن خاصة دون الثوب وعن بعض المحدثين تجويز

قتل القمل مطلقا على كراهية .

وكيف كان فيشهد لحرمة قتلها جملة من النصوص كخبر أبي الجارود قال سأل

رجل أبا جعفر ( عليه السلام ) عن رجل قتل قملة وهو محرم قال ( عليه السلام ) : بئسما

صنع . قال : فما فداؤها ؟ قال ( عليه السلام ) : لا فداء لها ( 1 ) .

وصحيح زرارة سألت ابا عبد الله ( عليه السلام ) هل يحك المحرم رأسه ؟ قال

( عليه السلام ) يحك راسه ما لم يتعمد قتل دابة ( 2 ) .

وصحيح معاوية عنه ( عليه السلام ) : ثم اتق قتل الدواب كلها إلا الافعى

والعقرب والفأرة ( 3 ) .

ودعوى : انصراف الدواب الى غير هوام الجسد . لا تسمع سيما بعد إطلاق

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 15 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 8 .

( 2 ) الوسائل باب 78 من أبواب تروك الاحرام حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 81 من أبواب تروك الاحرام حديث 2

 

 

[ . . . ]

الدابة عليها في صحيح زرارة .

وحسن الحسين ابن أبي العلاء عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : المحرم لا ينزع

القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا وإن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها

طعاما قبضة بيده ( 1 ) . فتأمل فإن في بعض النسخ : وإن فعل بدل : وإن قتل مع أن

دلالته عليها لو تمت فإنما هي من جهة حكمه بثبوت الكفارة بدعوى التلازم بين ثبوتها

والحرمة وفي المقام لا يتم ذلك فإن القتل إذا كان خطأ لا يكون حراما .

وربما يستدل له بطائفة اخرى من النصوص وهي الاخبار الدالة على المنع

من نزع القملة وإبانتها وإلقائها بتقريب : أن القتل متضمن بعض ذلك أو يتعدى

منها الى القتل بالاولوية .

ولكن الاولوية غير ثابتة والكلام إنما هو في القتل من حيث هو مع قطع النظر

عن عنوان آخر فالعمدة هي النصوص الثلاثة الاولة .

ولكن بإزائها روايات كصحيح معاوية بن عمار قلت لابي عبد الله ( عليه

السلام ) : ما تقول في محرم قتل قملة ؟ قال ( عليه السلام ) : لا شئ عليه في القمل ولا

ينبغي أن يتعمد قتلها ( 2 ) حيث إن لفظ لا ينبغي وعموم الشئ المنفي وشموله

للعقاب ظاهران في عدم التحريم .

وكصحيح ابن عمار وخبر زرارة الدالين على جواز قتل القملة ( 3 ) كما في الاول

وهي والبرغوث والبقة كما في الثاني في الحرم ( 4 ) . وهما بإطلاقهما يدلان على عدم حرمة

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 15 من أبواب بقية كفارات الاحرام حديث 3 .

( ) الوسائل باب 78 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 84 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 84 من أبواب تروك الاحرام حديث 4

 

 

[ . . . ]

القتل ولو كان القاتل محرما .

وبتقريب آخر أنه قد دل الدليل على التلازم بين حرمة فعل على المحرم

وحرمته في الحرم فإذا ثبت الجواز في الحرم ثبت بالنسبة الى المحرم .

وكالنصوص الدالة على جواز قتل كل ما أراد المحرم كمرسل المقنعة ( 1 )

وصحيح معاوية ( 2 ) أو ما اذاه كصحيح جميل وخبر زرارة ( 3 ) .

ولكن ما دل على جواز قتل ما آذى المحرم مختص بالبرغوث والبق ولا تعرض

له بالقمل فموضوعه غير موضوع خبر أبي الجارود .

نعم هو أخص من صحيح ابن عمار : اتق قتل الدواب كلها من جهة

اختصاصه بالبرغوث والبق ومن جهة الاختصاص بصورة الايذاء فالجمع يقتضي

خروج هذه الصورة من الحرمة كما أنه أخص من صحيح زرارة .

كما أن ما دل على جواز قتل ما أراده أخص من صحيح معاوية وصحيح زرارة

فيخصصهما بصورة عدم الارادة والنسبة بينه وبين خبر أبي الجارود عموم من وجه

إلا أنه يقدم إما لاصحية سنده أو لانه يدل على جواز القتل فيما لا يجوز قتله فيكون

له نحو حكومة عليه فيجوز في صورة الارادة والايذاء .

وأما ما دل على جواز قتل القملة في الحرم فإن كان التمسك بإطلاقه فيقيد

بخبر أبي الجارود وصحيح زرارة وإن كان بالملازمة المدعاة فهي أيضا بالاطلاق فيقيد

بما تقدم .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 81 من أبواب تروك الاحرام حديث 13 .

( 2 ) الوسائل باب 81 من أبواب تروك الاحرام حديث 9 .

( 3 ) الوسائل باب 78 من أبواب تروك الاحرام حديث 7 .

 

 

[ . . . ]

وأما صحيح معاوية الدال على جواز قتل القمل فيرد عليه : أن ظهور

لا ينبغي في عدم التحريم ممنوع وعلى فرضه يرفع اليد عنه بخبر ابي الجارود الدال

على حرمة القتل وكذا يقيد إطلاق نفي الشئ به .

فالمتحصل : أنه يحرم قتل القملة مع عدم الايذاء وعدم إرادة المحرم وأما البق

والبرغوث فيبتني حرمة قتلهما على شمول صحيح زرارة : ما لم يتعمد قتل دابة لهما

وعدمه منشأ التردد : أن ما يقتل بحك الرأس من دابة الجسد هو خصوص القمل

وأما البق والبرغوث الخارجان عما يتكون في البدن فشمول العموم لهما محل تردد

والاحتياط بترك قتلهما أيضا لا يترك .

 

إلقاء هوام الجسد

 

وينبغي التنبيه على امور :

أحدهما : أن المذكور في كلام جماعة حرمة إلقاء هوام الجسد عن بدنه وثوبه بل

نسب الى المشهور وفي الرياض : لولا اتفاق الاصحاب ظاهرا على حرمة إلقاء القملة

الى آخره وعن ابن زهرة : أنه نفي الخلاف عنه في الغنية .

والمستند روايات : منها حسن ابن أبي العلاء المتقدم .

ومنها : خبره الآخر عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : لا يرمي المحرم القملة

من ثوبه ولا من جسده متعمدا ( 1 ) .

ومنها : صحيح معاوية عنه ( عليه السلام ) : المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 78 من أبواب تروك الاحرام حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

القملة فإنها من جسده ( 1 ) وهو بعموم العلة يدل على حرمة إلقاء كل ما هو من بدنه .

ونحوها غيرها .

ولكن هذه النصوص بأجمعها في القملة وليس شئ منها في غيرها بل صحيح

معاوية يدل على جواز إلقاء غيرها ولم يذكره أيضا كثير من قدماء الاصحاب .

والاستدلال له بعموم العلة في صحيح معاوية يرد عليه : أن البق والبرغوث

ليس من جسده ومتكونين فيه فلا يشملهما عموم العلة .

وأما صحيح ابن سنان قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : أرأيت إن وجدت

على قراد أو حلمة أطرحهما ؟ قال ( عليه السلام ) نعم وصغار لهما أنهما رقيا في غير

مرقاهما ( 2 ) . الذي استدل به بعض بدعوى : أنه يدل على حرمة إطراح ما رقى مرقاه

ومنه البرغوث والقمل فيرد عليه : أنه يدل على أن الارتقاء في غير المرقى يرجح

الاطراح ولا يدل على أن الارتقاء في المرقى علة للمنع فالقول بالجواز فيه خال عن

الاشكال .

وأما القملة فالنصوص شاهدة بحرمة إلقائها وأورد على الاستدلال بها أمران :

أحدهما : أنها متضمنة للجملة الخبريه وهي غير ظاهرة في الحرمة .

وفيه أولا : ما تقدم مرارا من ظهورها فيها .

وثانيا : أن بعض النصوص متضمن للنهي لاحظ : صحيح حريز عن أبي

عبد الله ( عليه السلام ) : إن القراد من البعير بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها وألق

القراد ( 3 ) .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 78 من أبواب تروك الاحرام حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 79 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 80 من أبواب تروك الاحرام حديث 2

 

 

[ . . . ]

ثانيهما : أنها معارضة بخبر مرة مولى خالد قال : سألت أبا عبد الله ( عليه

السلام ) عن المحرم يلقى القملة فقال ( عليه السلام ) ألقوها أبعدها الله غير محمودة

ولا مفقودة ( 1 ) .

وأورد عليه أولا : بضعف السند وثانيا : بأنه يمكن أن يكون ألفوها - بالفاء -

من الالفة .

ولكن يرد الاول : أن مرة وإن كان إماميا مجهولا إلا أن الراوي عنه صفوان

بن يحيى وهو من أصحاب الاجماع وبقية رواة الحديث ثقات .

ويرد الثاني : بعد ذلك بل لا يناسب مع قوله : أبعدها الله ولا مع السؤال

فالاظهر تمامية الرواية سندا ودلالة إلا أن الجمع بينها وبين ما تقدم مما ظاهره المنع

بحمل ما تقدم على الكراهة كما أفاده صاحب المستند غير تام فإنه لو جمعنا ما في

الخبرين : القوها . ولا يرمي القمل من جسده . يرى العرف أنهما متعارضان ولا يكون

الاول قرينة على الثاني فيتعين الرجوع الى المرجحات والترجيح مع نصوص المنع

لوجوه لا تخفى .

وأما الروايات الدالة على أن من حك رأسه ووقع قملة لا شئ عليه فمحمولة

على غير التعمد كما هو ظاهرها فالاظهر : حرمة إلقاء القملة عن ثوبه وجسده إلا

إذا أذاه فإنه يجوز حينئذ كما يشهد به خبر زرارة المتقدم .

الثاني : هل يحرم قتل الصاب وهو بيض القمل ويحرم إلقاؤه عن البدن أم لا

أم يفصل بين الاول فيجوز والثاني فلا يجوز ؟ وجوه قد استدل للاول في الجواهر بعد

الاعتراف بعدم صدق الدابة عليه : بأنه من التابع للقمل في كونه من الجسد .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 78 من أبواب تروك الاحرام حديث 6

 

 

[ . . . ]

وأورد عليه بعض الاعاظم : بأن تبعيته للقملة في الوجود لا تلازم تبعيته لها في

الحكم ففي حكمه يرجع الى أصالة البراءة .

أقول : الظاهر ان نظر صاحب الجواهر - ره - الى الاستدلال بعموم العلة في

صحيح معاوية : إلا القملة فإنها من جسده وعليه فيتم الاستدلال إلا أنه في الالقاء

لا في القتل .

فالاظهر هو التفصيل بين القتل والالقاء فيجوز الاول ولا يجوز الثاني إلا

أن يتم دعوى الاولوية أو التلازم فلا يجوز القتل أيضا والاحتياط سبيل النجاة .

 

نقل هوام الجسد

 

الثالث : في نقل هوام الجسد من القمل ونحوه من مكان الى مكان آخر من

جسده أقوال :

1 - جوازه مطلقا كان المنقول اليه مساويا أو أحرز أو لم يكن كما هو

المشهور .

2 - أنه يجوز النقل الى مكان مساو أو أحرز ولا يجوز الى غيره وقد صرح

به بعضهم .

3 - أنه يجوز الى مكان غير معرض للسقوط وإلا فلا يجوز .

ومدرك الحكم صحيحة ابن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : قال : المحرم

يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده وإن أراد أن يحول قملة من مكان

الى مكان فلا يضره ( 1 ) .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 78 من أبواب تروك الاحرام حديث 5 .

 

 

[ . . . ]

ومقتضى إطلاقه عدم اعتبار كون المنقول اليه مساويا أو أحرز .

وأما النقل الى مكان معرض للسقوط فحيث إنه في معنى الالقاء فلعل المنع

أظهر .

الرابع : المشهور بين الاصحاب : أنه يجوز إلقاء القراد والحلم عن نفسه وعن

بعيره والحلم : جمع حلمة . وهي : القراد العظيم كما عن الصحاح . وقيل : إنها الصغيرة

من القردان ولكن في صحيح حريز : إن القراد ليس من البعير والحلمة من البعير ( 1 ) .

وهذا ينافي ما عن اللغويين :

وكيف كان فيشهد لجواز إلقائهما من المحرم صحيح عبد الله بن سنان قلت :

لابي عبد الله ( عليه السلام ) : أرأيت إن وجدت علي قراد أو حلمة أطرحهما ؟ قال ( عليه

السلام ) : نعم وصغار لهما أنهما رقيا في غير مرقاهما ( 2 ) . ومقتضى عموم العلة فيه جواز

إلقاء كل دابة لا تتكون في البدن ووجدها المحرم في بدنه أو ثوبه .

ويشهد به مضافا الى ذلك ما تقدم من صحيح ابن عمار : المحرم يلقى عنه

الدواب كلها إلا القملة . الحديث .

وأما إلقاؤها من البعير فجملة من النصوص ظاهرة في جواز إلقاء القراد دون

الحلم كصحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : إن ألقى المحرم

القراد عن بعيره فلا بأس ولا يلقي الحلمة ( 3 ) .

وحسن حريز عنه ( عليه السلام ) : إن القراد ليس من البعير والحلمة من البعير

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 80 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 79 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 80 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها وألق القراد ( 1 ) .

وخبر عمر بن يزيد : لا بأس أن تنزع القراد عن بعيرك ولا ترم الحلمة ( 2 ) .

ونحوها غيرها .

وقد أفتى بما تضمنته من التفصيل الشيخ - قده - وجماعة إلا أن المشهور هو

الجواز مطلقا واستدلوا له بالاصل وصحيح ابن عمار المتقدم : المحرم يلقي عنه الدواب

كلها إلا القملة .

وبخبر عبد الله بن سعيد قال : سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد الله ( عليه السلام )

عن المحرم يعالج دبر الجمل قال : فقال : يلقي عند الدواب ولا يدميه ( 3 ) .

ولكن الاصل مقطوع بالنصوص المتقدمة وصحيح ابن عمار مختص بالمحرم

والكلام في البعير .

وأما الخبر فعن بعض الاعاظم أنه ضعيف السند إلا أني تفحصت عن رجاله

ورأيت رجاله كلهم ثقات ليس فيهم من يتوقف فيه فسنده قوي .

وايضا عنه : أنه مختص بصورة المعالجة وترتب الضرر على إبقائها .

وفيه : أن يعالج ليس ظاهرا في ذلك فإن العلاج بمعنى العمل والممارسة .

والحق أن يقال : إنه عام والنصوص المتقدمة مختصة بالحلمة فيجب تقييدها به .

فالمتحصل : أن ما أفتى به الشيخ وتابعوه من عدم جواز إلقاء الحلمة هو

الصحيح .

الى هنا تم الجزء العاشر من كتاب فقه الصادق ويتلوه الجزء الحادي عشر في

ما يتعلق ببقية مباحث الحج والحمد لله أولا وآخرا .

…………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 80 من أبواب تروك الاحرام حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 80 من أبواب تروك الاحرام حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 80 من أبواب تروك الاحرام حديث 4 . ( * )