مسألة : في الخروج من مكة بعد الاحلال من عمرة التمتع قبل أن
يأتى بالحج
أقوال :
1 - ما نسب الى المشهور وهو
عدم جواز الخروج إلا أن يحرم بالحج فيخرج
محرما به وإن خرج محلا ورجع
بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة
[ . . . ]
2 - ما في المنتهى والتذكرة
والعروة وعن السرائر والنافع وموضع من التحرير
وظاهر التهذيب وموضع من
النهاية والمبسوط وهو عدم حرمة الخروج وجوازه محلا
على كراهية
3 - حرمة الخروج ما لم يتم
الحج وإن أحرم به
4 - عدم جواز الخروج قبل أن
يتم حجه مع عدم الحاجة وجوازه بعد أن يحرم
به معها وهناك وجوه اخر
ستطلع عليها .
ومنشأ الاختلاف اختلاف
النصوص وهى على طوائف :
الاولى : ما يدل على المنع
من الخروج مطلقا كصحيح زرارة عن الامام الباقر
( عليه السلام ) قلت له :
كيف أتمتع فقال ( عليه السلام ) : يأتى الوقت فيلبى بالحج
فإذا أتى مكة طاف وسعى وأحل
من كل شئ وهو محتبس وليس له أن يخرج من
مكة حتى يحج ( 1 )
وصحيح معاوية بن عمار عن أبى
عبد الله ( عليه السلام ) في حديث قال ( عليه
السلام ) : تمتع فهو والله
أفضل ثم قال : إن أهل مكة يقولون : إن عمرته عراقية وحجته
مكية . وكذبوا ، أو ليس هو
مرتبطا بحجه لا يخرج حتى يقضيه ( 2 ) ونحوهما غيرهما .
الثانية : ما يدل على عدم
جواز الخروج قبل الاحرام وبعده يجوز الى ما يقرب
مكة كخبر علي بن جعفر عن
أخيه موسى ( عليه السلام ) عن رجل قدم متمتعا ثم
أحل قبل يوم التروية أله
الخروج ؟ قال ( عليه السلام ) : لا يخرج حتى يحرم بالحج ولا
يجاوز الطائف وشبهها ( 3 ) .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 5 من
أبواب أقسام الحج حديث 1
( 2 ) الوسائل باب 4 من
أبواب أقسام الحج حديث 18
( 3 ) الوسائل باب 22 من
أبواب أقسام الحج حديث 11
[ . . . ]
وخبره الاخر قال : وسألته عن
رجل قدم مكة متمتعا فأحل أيرجع ؟ قال ( عليه
السلام ) : لا يرجع حتى يحرم
بالحج ولا يجاوز الطائف وشبهها مخافة أن لا يدرك الحج
فإن أحب أن يرجع الى مكة رجع
وإن خاف أن يفوته الحج مضى على وجهه الى
عرفات ( 1 ) .
الثالثة : ما يكون ظاهرا في
كراهة الخروج الى الطائف وما شابهها بدون
الاحرم وعدم جواز الخروج الى
مسافة بعيدة كصحيح الحلبى أو حسنه عن أبى
عبد الله ( عليه السلام ) عن
رجل يتمتع بالعمرة الى الحج يريد الخروج الى الطائف
قال : يهل بالحج من مكة وما
احب أن يخرج منها إلا محرما ولا يتجاوز الطائف إنها
قريبة من مكة ( 2 ) .
الرابعة : ما يدل على جواز
الخروج مع الاحرام بالحج إذا كان له حاجه
كصحيح حماد بن عيسى أو حسنه
عن أبى عبد الله ( عليه السلام ) : من دخل مكة
متمتعا في أشهر الحج لم يكن
له أن يخرج حتى يقضى الحج فإن عرضت له حاجة
الى عسفان أو الى الطائف أو
الى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا بالحج فلا يزال
على إحرامهم فإن رجع الى مكة
رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس
الى منى قلت : فإن جهل فخرج
الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام ثم رجع في أبان
الحج في أشهر الحج يريد الحج
فيدخلها محرما أو بغير إحرام قال ( عليه السلام ) : إن
رجع في شهره دخل بغير إحرام
وإن دخل في غير الشهر دخل محرما قلت : فأى
الاحرامين والمتعتين متعة
الاولى أو الاخيرة ؟ قال : الاخيرة هى عمرته وهى المحتبس
بها التى وصلت بحجته قلت :
فما فرق بين المفردة وبين عمرة المتعة إذا دخل في أشهر
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 22 من
أبواب أقسام الحج حديث 12
( 2 ) الوسائل باب 22 من
أبواب أقسام الحج حديث 7 ( * )
[ . . . ]
الحج ؟ قال : أحرم بالحج وهو
ينوى العمرة ثم أحل منها وليس عليه دم ولم يكن
محتبسا لانه لا يكون ينوى
الحج ( 1 )
وخبر حفص بن البخترى عن
الصادق ( عليه السلام ) في رجل قضى متعته
وعرضت له حاجة أراد أن يمضى
اليها قال : فقال : فليغتسل للاحرام وليهل بالحج
وليمض في حاجته فإن لم يقدر
على الرجوع الى مكة مضى الى عرفات ( 2 )
ومرسل أبان بن عثمان عنه (
عليه السلام ) : المتمتع محتبس لا يخرج من مكة
حتى يخرج الى الحج إلا أن
يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرما ولا يجاوز إلا
على قدر ما لا تفوته عرفة (
3 )
الخامسة : ما يدل على أنه
يجوز الخروج بغير إحرام حتى الى مسافة بعيدة إذا
علم أنه لا يفوته الحج كمرسل
الفقيه قال الصادق ( عليه السلام ) : إذا أراد المتمتع
الخروج من مكة الى بعض
المواضع فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلا
أن يعلم أنه لا يفوته الحج
وإن علم وخرج وعاد في الشهر الذى خرج دخل مكة
محلا وإن دخلها في غير ذلك
الشهر دخلها محرما ( 4 )
وأما الجمع بين النصوص فقد
يقال بأنه يقتضى البناء على الكراهة بقرينة
قوله ( عليه السلام ) في
صحيح الحلبى : وما احب أن يخرج منها إلا محرما
وفى الجواهر : وهو لا يخلو
عن وجه
ولكن يرد عليه : أنه في خصوص
الخروج الى المسافة القريبة وفى السافة
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 22 من
أبواب أقسام الحج حديث 6
( 2 ) الوسائل باب 22 من أبواب
أقسام الحج حديث 4
( 3 ) الوسائل باب 22 من
أبواب أقسام الحج حديث 9
( 4 ) الوسائل باب 22 من
أبواب أقسام الحج حديث 10
[ . . . ]
البعيدة صرح فيه بعدم
التجاوز .
وربما يقال كما في العروة :
بأن المنساق من جميع الاخبار المانعة أن ذلك للتحفظ
عن عدم إدراك الحج وفوته
لكون الخروج في معرض ذلك وعلى هذا فيمكن دعوى
عدم الكراهة أيضا مع علمه
بعدم فوات الحج منه انتهى .
وفيه أولا : أن في خبر أبان
أمر بأن يحرم بالحج ويخرج ولا يجاوز ما يفوته عرفة
وثانيا : أنه لا يلائم مع
الجمل المتتابعة المتضمنة للمنع من الخروج إلا للضرورة
وأنه على تقدير الضرورة
والحاجة لا يخرج محلا
والحق أن يقال : إن الجمع
بين النصوص يقتضى البناء على عدم جواز الخروج
إلا في موردين :
أحدهما : الخروج الى ما يقرب
من مكة كالطائف فإنه يجوز الخروج اليه حتى
بدون الاحرام ولكن يكره ذلك
وذلك لان الطائفة الثانية تخصص الطائفة الاولى
وهى وإن تضمنت الخروج محرما
إلا أن الطائفة الثالثة بقرينة تضمنها قوله ( عليه
السلام ) : ما احب توجب حمل
النهى عن الخروج بغير الاحرام في الثانية على
الكراهة .
ثانيهما : ما إذا عرضت له
حاجة فإنه يجوز أن يخرج منها محرما على قدر لا
يفوته عرفة فإن الطائفة
الرابعة التى هى أخص من الاولى تقتضى ذلك فتخصص
الاولى بها
لا يقال : إن الطائفة
الخامسة تدل على جواز بدون الاحرام مع عدم الحاجة
أيضا إذا علم بأنه لا يفوته
الحج
فإنه يقال : إن الطائفة
الرابعة الدالة على عدم جواز الخروج بدون الحاجة
وجوازه محرما معها موردها
صورة العلم بعدم فوت الحج فإنه بعد الامر بالخروج محرما
[ . . . ]
في صورة الحاجة قال : فإن
رجع الى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع
الناس الى منى . فما فيها من
المفهوم وهو عدم جواز الخروج بدون القيدين - أى
الحاجة والاحلال - يوجب
تقييد هذه الطائفة أيضا
وأما ما اورد على مرسل
الصدوق بأنه ضعيف للارسال فيرد عليه : ما تكرر
منا بأن المرسل على قسمين
قسم يعبر فيه بمثل : روى عن الصادق ( عليه السلام ) مثلا
وقسم يعبر فيه بمثل : قال
الصادق ( عليه السلام ) وبعبارة اخرى : قسم يسند فيه
الخبر الى المعصوم جزما وقسم
لا يسند به اليه والذى لا يكون حجة إذا كان الراوى
ثقة هو القسم الاول وأما
القسم الثانى الذى ينسب فيه الخبر الى المعصوم جزما فهو
حجة فإن من اسناد الخبر اليه
يستكشف كون الواسطة كان ثقة عنده وثبت لديه
صدوره من المعصوم وإلا لزم
الكذب .
ودعوى : أنه لعل ثبوت ذلك
كان مستندا الى مقدمات حدسية اجتهادية
لا يعتمد عليها ، يدفعها :
أنه إذا علمنا اتحاد مسلك الراوى معنا في ما هو ظابط حجية
الخبر لا يعتنى الى هذه
الاحتمالات البعيدة ، كما لا يخفى
1 - أن المراد بالحاجة
الموجبة لجواز الخروج هى الحاجة العادية لا خصوص
الحاجة الضرورية الموجب
فوتها العسر والحرج لاطلاق صحيح حماد وخبر حفص
وأما مرسل أبان الظاهر في أن
الحاجة المسوغة هى ما كان من قبيل أن يأبق
غلامه أو تضل راحلته فمضافا
الى ضعف سنده لا يصلح للتقييد إذ منطوقه أعم من
صحيح حماد وخبر حفص فيخصص
بهما ومفهومه معهما من قبيل المتوافقين لا يحمل
[ . . . ]
المطلق على المقيد فيهما كما
هو واضح .
2 - لو خرج المعتمر من مكة
محلا أما في مورد جوازه أو للضرورة أو جهلا
فهل يجب عليه الاحرام لدخول
مكة بعمرة اخرى أو لا يجب ذلك ؟ ذهب سيد
العروة الى الثانى
واستدل له : بأن ظاهر النصوص
الامرة بالعمرة إذا دخلها بعد الشهر الذى
خرج فيه أنه من جهة أن لكل
شهر عمرة ومعلوم أن العمرة التى هى وظفية كل
شهر ليست واجبة .
وبخبر إسحاق بن عمار قال :
سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن المتمتع
يجئ فيقضى متعة تم تبدو له
الحاجة الى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض
المعادن ، قال ( عليه السلام
) : يرجع الى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذى تمتع فيه
لان لكل شهر عمرة وهو مرتهن
بالحج ( 1 ) الى آخره فإنه صريح في أن علة الامر
بالعمرة هى أن لكل شهر عمرة فالمأمور
به هو الوظيفة المستحبة المتوجهة الى كل
أحد
ولكن يرد عليه : ما تنبه هو
- قده - له وهو أن صحيح حماد وغيره الامرة
بالعمرة إنما تدل على أن
المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده ومعلوم أن شهر
الخروج قد لا يكون شهر
الاعتمار ولا وجه للحمل على الغالب من كون الخروج
بعد الاعتمار بلا فصل مضافا
الى منع الغلبة وعليه فمورد التعليل غير مورد النصوص
فلا يصلح للحكومة عليها
فالجمع بين خبر إسحاق وما تقدم يقتضى أن يقال إن
هناك جهتين : إحداهما مقتضية
لاستحباب العمرة وهى ما لو دخل بعد شهر التمتع
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 22 من
أبواب أقسام الحج حديث 8 ( * )
[ . . . ]
ثانيتهما : مقتضية لوجوبها
وهى ما لو دخل بعد شهر الخروج فلو دخل بعد شهر
الخروج وشهر التمتع يجتمع
الجهتان فيبنى على الوجوب مضافا الى محبوبيتها من
جهة اخرى أيضا فالمتحصل :
أنه يجب الاحرام للعمرة إذا دخلها بعد شهر الخروج
وبذلك يرتفع نزاع آخر ، وهو
أنه هل المدار على شهر الخروج أو على شهر
التمتع ؟ وقد أطال صاحب
الجواهر - ره - في آخر مباحث الاحرام في حكم دخول مكة
- الكلام في ذلك واستشهد
لكون المدار على شهر الخروج بالنصوص المتقدمة وأيده
بكلمات الاساطين في المقنعة
والنافع والذخيرة وغيرها ، وأشكل عليه الامر في خبر
إسحاق وطعن فيه بالاجمال
ولكن على ما بيناه لا مورد
لهذا النزاع أصلا فإن المدار في استحباب العمرة
شهر التمتع وفى وجوبها شهر
الخروج والله العالم .
3 - لو دخل في الشهر الذى
خرج فيه دخلها محلا كما صرح بذلك في
النصوص المتقدمة وأفتى به
الاصحاب فهل يجوز أن يحرم من الميقات بالحج ؟
وجهان
يشهد للجواز : ما في ذيل خبر
إسحاق المتقدم قلت : فإنه دخل في الشهر الذى
خرج فيه قال ( عليه السلام )
: كان أبى مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما
رجع بلغ ذات عرق أحرم من ذات
عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج
قال المصنف في محكى التذكرة
بعد البحث في المسألة : اذا عرفت هذا فلو خرج
من مكة بغير إحرام وعاد في
الشهر الذى خرج فيه استحب أن يدخلها محرما بالحج
ويجوز له أن يدخلها بغير
إحرام على ما تقدم
روى الشيخ - في الصحيح - عن
إسحاق بن عمار ثم ساق الحديث الى آخره
كما تقدم .
[ . . . ]
ثم قال : هذا قول الشيخ - ره
- واستدلاله
وفيه إشكال : إذ قد بينا أنه
لا يجوز إحرام الحج للمتمتع إلا من مكة . انتهى
وعن الدروس : ولو رجع في
شهره دخلها محلا فإن أحرم فيه من الميقات بالحج
فالمروى عن الصادق ( عليه
السلام ) : أنه فعله من ذات عرق وكان قد خرج من
مكة اليها انتهى .
ويشهد للمنع : ما دل على أن
إحرام حج التمتع لا يجوز إلا من مكة وأفتى
بذلك الاصحاب
ولكن لولا عدم إفتاء الاصحاب
لكنا ملتزمين بتخصيص تلك الادلة بمصحح
إسحاق لكونه أخص منها
اللهم إلا أن يقال : إن فعل
الصادق ( عليه السلام ) كان هو الاحرام بالعمرة
المتمتع بها لا الاحرام
بالحج .
توضيحه : أنه ( عليه السلام
) بعد ما حكم باستحباب العمرة لمن دخلها في غير
الشهر الذى تمتع فيه قال
الراوى : قلت : فإنه دخل في الشهر الى آخره ظاهر
السؤال : أنه هل العمرة
مستحبة حتى ولو كان دخوله في الشهر الذى خرج فيه ؟
والامام ( عليه السلام ) في
مقام الجواب عن ذلك اكتفى بنقل فعل الصادق ( عليه
السلام ) وقوله : أحرم من
ذات عرق بالحج أى : حج التمتع وعليه فلا ينافى المصحح
النصوص الدالة على أن إحرام
حج التمتع لا بد وأن يكون من مكة فتدبر فإنه حقيق
به .
4 - إذا دخل مكة بعد شهر
بإحرام فهل عمرة التمتع هى العمرة الاولى أو
الاخيرة ؟ وجهان أظهرهما :
الثانى وعن كشف اللثام : لعله اتفاقى
ويشهد به : صحيح حماد أو
حسنة المتقدم قلت : فأى الاحرامين والمتعتين متعته
[ . . . ]
الاولى أو الاخيرة ؟ قال (
عليه السلام ) : الاخيرة هى عمرته وهى المحتبس بها التى
وصلت بحجته
وعليه فهل يجب طواف النساء
في الاولى التى وقعت مفردة كما في الحدائق
والعروة أم لا كما عن كشف
اللثام والمدارك وعن الدروس نقل الوجهين من غير
اختيار لاحدهما
وغاية ما استدل به لعدم
وجوبه في مقابل إطلاق ما دل على لزومه في العمرة
المفردة : أنه بعد ما أحل من
الاولى بالتقصير ربما يأتى النساء قبل الخروج وهو جائز
عليه فإن قلنا بوجوبه بعد
ذلك لزم حرمة النساء عليه قبل الاتيان به ولازم ذلك
حرمتهن من غير موجب .
ولكن يرد عليه : أنه بعد أن
أحرم للعمرة الثانية ينكشف أنه من الاول لم تكن
العمرة المأتى بها عمرة
التمتع بل كانت مفردة فكان إتيان النساء عليه حلالا ظاهرا
لا واقعا فلا تكون حرمتهن
بعد ذلك بلا موجب
وإن شئت قلت : إن هذه
الاستبعادات في مقابل النص اجتهادات في مقابلة
ولا يعتنى بها فالاظهر وجوبه
ولكن صاحب الحدائق يصرح بعدم الوقوف على قائل
بذلك
5 - إذا ترك الاحرام بعد
الدخول في شهر آخر مع كونه واجبا عليه فهل لا
يكون ذلك موجبا لبطلان عمرته
السابقة فيصح حجه أم يكون موجبا لذلك فلا يصح
حجه ؟ قال صاحب الجواهر بعد
أن يذكر عدم تعرض الاصحاب لذلك ولكن الذى
يقوى في النظر الاول لعدم
الدليل على فسادها انتهى .
وأورد عليه بعض الاعاضم من
المعاصرين : بأنه لا يبعد أن يكون الامر بالعمرة
الثانية إرشادا الى بطلان
العمرة الاولى والاحتياج الى الثانية في صحة الحج بملاحظة
[ . . . ]
ان الامر والنهى في أمثال هذه
الموارد إرشاديان الى الشرطية والمانعية
ولا ينافيه ما دل على أنه لو
رجع قبل شهر جاز له الدخول محلا لامكان
اختصاص البطلان بخصوص صورة
وجوب الاحرام للعمرة
وفيه : أنه يتعلق الامر
بالعمرة الثانية في ضمن الحج ولم ينه عن الحج بدونها
كى يكون ذلك إرشادا الى الشرطية
أو المانعية وإنما أمر العمرة نفسها وذلك
بضميمة مطلوبية العمرة في
نفسها يمنع عن ظهوره في الشرطية .
وما دل على أن عمرته الثانية
إنما يدل على أنه بعد تحقق العمرتين العمرة
المتمتع بها هى الثانية
لاتصالها بالحج وذلك لا يدل على قابلية الاولى ، لكونها
كذلك في صورة الانفراد سيما
وكونها صحيحة على التقديرين لوقوعها مفردة على
التقدير الاخر لا أنها باطلة
رأسا فالاظهر أنه لا يبطل حجه ولو تركه فعليه الاثم
خاصة .
6 - مقتضى إطلاق النصوص عدم
الفرق في الاحكام المذكورة بين الحج
الواجب والمستحب فلو نوى
التمتع مستحبا ثم أتى بعمرته يكون مرتهنا بالحج
ويكون حاله في الخروج محرما
أو محلا والدخول كذلك كالحج الواجب
7 - لو دخل مكة بعد العمرة
والخروج عنها بغير إحرام للحج فهل يكون
سقوط العمرة عنه على وجه
الرخصة فيجوز أن يعتمر مع فرض مضى أقل زمان يعتبر
فاصلا بين العمرتين أخذا
بإطلاق ما دل على مشروعية العمرة أم يكون على وجه
العزيمة ؟ وجهان ؟ أظهرهما :
الثانى وذلك لانه بناء على ما هو صريح النص من كون
الثانية عمرة التمتع يشك في
مشروعيتها قبل مضى شهر والاصل عدمها بل يشهد
لعدم الجواز : ما في صحيح
جميل من الامر بدخول مكة محلا إن دخل في الشهر الذى
خرج . فتأمل
[ . . . ]
حد
الضيق المسوغ للعدول عن التمتع
مسألة : لا خلاف بين الاصحاب
في أن من فرضه التمتع ليس له العدول الى
غيره اختيارا وعن المعتبر
وجملة من كتب المصنف - ره - دعوى الاجماع عليه ودليله
واضح ، فإن فرضه التمتع فلو عدل
الى غيره لم يكن آتيا بالمأمور به فلا يجزيه وقد
صرح في بعض الاخبار المتقدمة
بأنه ليس لاحد إلا أن يتمتع .
ويجوز ذلك مع ضيق الوقت عن
إدراك أفعال الحج لو أتم العمرة المتمتع بها
فمن أحرم للعمرة وضاق وقته
عن الاتيان بمناسكها وإدراك الحج بمناسكه عدل عن
نية التمتع الى الافراد ،
وإن كان ممن تعين عليه التمتع ثم مضى كما هو الى الموقف
وبعد إتمام الحج ياتى بعمرة
مفردة بلا خلاف وعن غير واحد دعوى الاجماع عليه
وفى الجواهر بلا خلاف أجده
فيه : بل لعل الاجماع بقسميه عليه ويشهد به الاخبار
الاتية
إنما الخلاف في حد الضيق المسوغ
للعدول ، واختلفوا فيه على أقوال :
1 - ما عن والد الصدوق وعن
المفيد وهو زوال يوم التروية 2 - ما عن الصدوق في
المقنع والمفيد في المقنعة وهو : غروب يوم التروية .
3 - ما عن الشيخ في المبسوط
والنهاية والاسكافى والقاضى في المهذب وابن
حمزة في الوسيلة والسيد في
المدارك والفاضل الخراسانى في الذخيرة وعن كشف
اللثام وهو : زوال الشمس من
يوم عرفة .
4 - ما عن ابن إدريس ومحتمل
الحلبى وهو : خوف فوت اضطرارى عرفة
5 - ما عن الحلبيين وابنى
إدريس وسعيد والمصنف في القواعد وهو فوات
الركن من الوقوف الاختيارى
من وقوف عرفة وهو المسمى منه
[ . . . ]
6 - ما عن ظاهر الدروس وهو :
خوف فوات الاختيارى من وقوف عرفة
7 - ما نقله صاحب الجواهر عن
بعض متأخرى المتأخرين وهو : التخيير بعد
زوال يوم التروية بين العدول
والاتمام إذا لم يخف الفوت
ومنشأ الاختلاف : النصوص
فإنها مختلفة وعلى طوائف :
الاولى : ما يدل على أن الحد
يوم التروية كصحيح علي بن يقطين عن أبى
الحسن موسى ( عليه السلام )
عن رجل والمرأة يتمتعان بالعمرة الى الحج ثم يدخلان
مكة يوم عرفة كيف يصنعان ؟
قال : يجعلانها حجة مفردة وحد المتعة الى يوم التروية ( 1 )
وخبر إسحاق بن عبد الله عن أبى
الحسن ( عليه السلام ) : إنما المتعة الى يوم
التروية ( 2 )
وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج
قال : أرسلت الى أبى عبد الله ( عليه السلام )
إن بعض من معنا من صرورة
النساء قد اعتللن فكيف نصنع ؟ قال ( عليه السلام ) :
تنتظر ما بينها وبين التروية
فإن طهرت فلتهل وإلا فلا يدخلن عليها التروية إلا
وهى محرمة ( 3 ) ونحوها في
ذلك صحيح جميل في خصوص الحائض ( 4 )
الثانية : ما يدل على
التحديد بزوال الشمس من يوم التروية كصحيح إسماعيل
بن بزيغ قال : سألت أبا
الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن المرأة تدخل مكة متمتعة
فتحيض قبل أن تحل متى تذهب
متعتها ؟ قال ( عليه السلام ) : كان جعفر ( عليه
السلام ) يقول : زوال الشمس
من يوم التروية وكان موسى ( عليه السلام ) يقول :
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 21 من
أبواب أقسام الحج حديث 11
( 2 ) الوسائل باب 21 من
أبواب أقسام الحج حديث 9
( 3 ) الوسائل باب 21 من
أبواب أقسام الحج حديث 15
( 4 ) الوسائل باب 21 من
أبواب أقسام الحج حديث 2
[ . . . ]
صلاة الصبح من يوم التروية
فقلت : جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية
ويطوفون ويسعون ثم يحرمون
بالحج فقال : زوال الشمس فذكرت له رواية عجلان
أبى صالح - تأتى هذه الرواية
في المسألة الاتية - فقال ( عليه السلام ) : لا إذا زالت
الشمس ذهبت المتعة فقلت :
فهى على إحرامها أو تجدد إحرامها للحج ؟ فقال : لا
هى على إحرامها قلت : فعليها
هدى قال ( عليه السلام ) : لا إلا أن تحب أن تطوع
ثم قال : اما نحن فإذا رأينا
هلال ذى الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة ( 1 )
الثالثة : ما دل على التحديد
بإدراك الناس بمنى كصحيح مرازم بن حكيم قال :
قلت لابى عبد الله ( عليه
السلام ) : المتمتع يدخل ليلة عرفة مكة أو المرأة الحائض متى
يكون لها المتعة ؟ قال (
عليه السلام ) : ما أدركوا الناس بمنى ( 2 )
ومرسل ابن أبى بكير عن بعض
أصحابنا وقد سأل عن أبى عبد الله ( عليه
السلام ) عن المتعة متى تكون
؟ قال ( عليه السلام ) يتمتع ما ظن أنه يدرك الناس
بمنى ( 3 )
وصحيح الحلبى عنه ( عليه
السلام ) : المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا
والمروة ما أدرك الناس بمنى
( 4 ) . ونحوها غيرها .
الرابعة : ما دل على التحديد
بسحر عرفة كصحيح محمد بن مسلم قال : قلت
لابى عبد الله ( عليه السلام
) : الى متى يكون للحاج عمرة ؟ قال : الى السحر من ليلة
عرفة ( 5 )
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 21 من
أبواب أقسام الحج حديث 14
( 2 ) الوسائل باب 20 من
أبواب أقسام الحج حديث 14
( 3 ) الوسائل باب 20 من
أبواب أقسام الحج حديث 6
( 4 ) الوسائل باب 20 من
أبواب أقسام الحج حديث 8
( 5 ) الوسائل باب 20 من
أبواب أقسام الحج حديث 9 ( * )
[ . . . ]
الخامسة : ما دل على التحديد
بأول عرفة كخبر زرارة قال سألت أبا جعفر
( عليه السلام ) عن الرجل
يكون في يوم عرفة وبينة وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع
بالعمرة الى الحج فقال (
عليه السلام ) : يقطع التلبية تلبية المتعة ويهل بالحج بالتلبية
إذا صلى الفجر ويمضى الى
عرفات فيقف مع الناس ويقضى جميع المناسك ويقيم
بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم
ولا شئ عليه ( 1 )
وخبر زكريا بن آدم عن أبى
الحسن ( عليه السلام ) عن المتمتع إذا دخل يوم
عرفة قال ( عليه السلام ) :
لا متعة له يجعلها عمرة مفردة ( 2 )
السادسة : ما دل على التحديد
بغروب يوم التروية كصحيح عيص بن القاسم
عن أبى عبد الله ( عليه
السلام ) عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر تفوته
المتعة فقال ( عليه السلام )
: له ما بينه وبين غروب الشمس وقال : قد صنع ذلك
رسول الله صلى الله عليه
وآله ( 3 )
وصحيح عمر بن يزيد عنه (
عليه السلام ) : اذا قدمت مكة يوم التروية وأنت
متمتع فلك ما بينك وبين
الليل أن تطوف بالليل وتسعى وتجعلها متعة ( 4 ) ونحوها غيرها .
السابعة : ما دل على التحديد
بزوال الشمس من يوم عرفة كصحيح جميل بن
دراج عن أبى عبد الله ( عليه
السلام ) : قال : المتمتع له المتعة الى زوال الشمس من يوم
عرفة وله الحج الى زوال
الشمس من يوم النحر ( 5 )
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 21 من
أبواب أقسام الحج حديث 7
( 2 ) الوسائل باب 21 من
أبواب أقسام الحج حديث 8
( 3 ) الوسائل باب 20 من
أبواب أقسام الحج حديث 10
( 4 ) الوسائل باب 20 من
أبواب أقسام الحج حديث 12
( 5 ) الوسائل باب 20 من
أبواب أقسام الحج حديث 15 ( * )
[ . . . ]
ومرفوعة سهل بن زياد عنه (
عليه السلام ) في متمتع دخل يوم عرفة قال :
متعته تامة الى أن يقطع
التلبية ( 1 ) وقطع التلبية كناية عن زوال الشمس من يوم عرفة
الثامنة : ما دل على أن
المناط خوف فوت الوقوف بعرفة كخبر يعقوب بن
شعيب قال : سمعت أبا عبد
الله ( عليه السلام ) يقول : لا بأس للمتمتع إن لم يحرم من
ليلة التروية متى ما تيسر له
ما لم يخف فوت الموقفين ( 2 ) .
وعن الوافى : وفى بعض النسخ
: إن لم يحرم من ليلة عرفة . بدل : إن لم يحرم من
ليلة التروية
وخبر محمد بن سرد - وعن
المنتقى : أنه محمد بن مسرور - قال كتبت الى أبى
الحسن الثالث ( عليه السلام
) ما تقول في رجل متمتع بالعمرة الى الحج وافى غداة
عرفة وخرج الناس من منى الى
عرفات أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه الى أى وقت
عمرته قائمة اذا كان متمتعا
بالعمرة الى الحج فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية
فكيف يصنع ؟ فوقع ( عليه
السلام ) : ( ساعة يدخل مكة إن شاء الله تعالى يطوف
ويصلى ركعتين ويسعى ويقصر
ويخرج بحجته ويمضى الى الموقف ويفيض مع
الامام ( 3 )
وصحيح الحلبى عن أبى عبد
الله ( عليه السلام ) عن رجل أهل بالحج والعمرة
جميعا ثم قدم مكة والناس
بعرفات فخشى إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن
يفوته الموقف قال : يدع
العمرة قال يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة ولا هدى
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 20 من أبواب أقسام الحج حديث 7
( 2 ) الوسائل باب 20 من
أبواب أقسام الحج حديث 5
( 3 ) الوسائل باب 20 من
أبواب أقسام الحج حديث 16 ( * )
[ . . . ]
عليه ( 1 ) ونحوها غيرها هذه
هى النصوص المختلفة الواردة في المقام
وللاصحاب في مقام الجمع
بينها مسالك :
أحدها : ما عن جماعة منهم
صاحب الجواهر وسيد العروة وهو حمل الطوائف
الاولى أى غير الطائفة
الاخيرة على صورة عدم إمكان الادراك إلا قبل هذه
الاوقات ، فإنه مختلف
باختلاف الاوقات والاحوال والاشخاص ، فإن بعض
الاشخاص لا يصل الى عرفات في
أول زوال الشمس من عرفة إلا إذا خرج اليها
من أول يوم التروية ومنهم من
لا يصل اليها إلا إذا خرج من أول ليلتها ، ومنهم من
لا يصل اليها إلا إذا خرج من
سحر عرفة وهكذا .
وفيه : أن وجود أشخاص لا
يصلون في أول زوال الشمس الى عرفات إذا لم
يخرجوا ليلة التروية أو
يومها وما شاكل نادر جدا إن لم يكن مجرد فرض
والالتزام بأن النصوص
الكثيرة واردة في مقام بيان حكم هؤلاء ومع ذلك لو لم تكون
مطلقة كما ترى مع أن بعض
النصوص المتقدمة لا يصلح للحمل على ذلك لو لم يكن
ممتنعا أضف اليه : أنه جمع
لا شاهد له
ثانيها : ما عن الشيخ في
التهذيب وهو : حمل النصوص على اختلاف مراتب
الفضل فالافضل الاحرام بالحج
بعد الفراغ من العمرة عند الزوال يوم التروية فإن
لم يفرغ عنده من العمرة كان
الافضل العدول الى الحج ، ثم ليلة عرفة ثم يومها الى
الزوال السابق منها أفضل من
اللاحق وإن كانت مشتركة في التخيير وعند الزوال
يوم عرفة يتعين العدول ،
لفوات الموقف غالبا ثم قال : هذا اذا كان الحج مندوبا لا
فيما اذا كان هو الفريضة
انتهى .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 21 من
أبواب أقسام الحج حديث 6
[ . . . ]
واستجوده سيد المدارك وبعض
الأعاظم من المعاصرين بعد نقل ما عن
الشيخ - ره - قال : ويشهد
لهذا الجمع ما في ذيل صحيح ابن بزيع المتقدم : أما نحن
فإذا رأينا هلال ذي الحجة
قبل أن نحرم فاتتنا المتعة ، فإن المراد به فوت أفضل الأفراد
لجواز الإتيان بالعمرة
المتمتع بها في شهر ذي الحجة قطعا .
ولكن يرد على هذا لوجه أولا
: أنه لا وجه للتخصيص بالحج المندوب بعد
فرض عموم الأخبار للجميع ،
بل صحيح ابن الحجاج المتقدم في التحديد بيوم التروية
مورده صرورة النساء فيكون
حجهن حج الإسلام .
وثانيا : أنه كيف يصح الجمع
بين الطائفة الاولى المتضمنة أن من يدخل مكة
يوم عرفة يتبدل وظيفته الى
الإفراد ، وأنه لا متعة له بعد يوم التروية ، وبين ما يدل على
بقاء وقت المتعة الى يوم
عرفة ، سيما مثل صحيح محمد بن ميمون المتضمن لقدوم أبي
الحسن متمتعا ليلة عرفة ، ثم
الإهلال بالحج والخروج ، فإن فعله ( عليه السلام ) لو لم
يدل على أنه أفضل لا إشكال
في الدلالة على أن غيره ليس أفضل منه .
وبالجملة طوائف من النصوص
المتقدمة آبية عن الحمل على الأفضل .
ثالثها : ما أفاده بعضهم -
ويقرب مما ذكره الشيخ ره : بأن يحمل الأخبار
المختلفة على بيان أنه لعمرة
التمتع أوقات مختلفة :
أحدها : الوقت الا ضطراري ،
وهو بعد زوال الشمس من يوم عرفة الى أن
يدرك المسمى من الوقوف .
ثانيها : الوقت الاختياري
الإجزائي وهو يوم عرفة ما قبل زوال الشمس .
ثالثها : وقت الفضيلة ، وله
مراتب : 1 - الى زوال الشمس من يوم التروية .
2 - الى غروبها من يوم
التروية .
[ . . . ]
3 - الى سحر عرفة .
وفيه : أنه جمع تبرعي لا
شاهد له ، ومجرد الاختلاف بين الأخبار لا يصلح لذلك .
رابعها : حمل جميع الطوائف غير
الأخيرة على التقية إذا لم يخرجوا مع الناس
يوم التروية فيكون التقية في
عمل المكلف ، ذكره في العروة .
وفيه : أولا : أن المخالفين
غير مفتين بما تضمنته تلك النصوص المختلفة ، كي
تحمل على التقية .
وثانيا : أن موافقة العامة
من مرجحات إحدى الحجتين على الاخرى بعد
فرض فقد جملة من المرجحات لا
من مميزات الحجة عن اللاحجة .
خامسها : ما في العروة أيضا
، قال : مع أنا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة
شدة اختلافها وتعارضها ،
نقول مقتضى القاعدة هو ما ذكرناه ، لأن المفروض أن
الواجب عليه هو التمتع ،
فمادام ممكنا لا يجوز العدول عنه ، والقدر المسلم من جواز
العدول صورة عدم إمكان إدراك
الحج ، واللزم إدراك الا ختياري من الوقوف ، فإن
كفاية الاضطراري منه خلاف
الأصل . انتهى .
وفيه : أنه مع وجود النصوص
لا مجال للرجوع الى القاعدة ، إذ لو أمكن الجمع
العر في بين النصوص تعين ،
ومع عدم إمكانه إن كان لبعض الأطراف مرجح من
المرجحات المنصوصة يقدم ذلك
، وإلا تخير في العمل بأيها شاء ، فعلى جميع التقادير لا
تصل النوبة الى الرجوع الى
القاعدة إلا أن يكون مراده من القاعدة ما يستفاد من
الكتاب والسنة ، ويجعل ذلك
مرجحا للنصوص الدالة على ما اختاره ، ولا بأس به
حينئذ إذا لم يمكن الجمع
العر في بين النصوص ، وكانت المرجحات التي قبل موافقة
الكتاب مفقودة ، وسيمر عليك
ما هو الحق .
والحق أن يقال : إن الطائفة
الاولى والثالثة والرابعة والخامسة من الطوائف
[ . . . ]
الثمان المتقدمة لم يعمل بها
الأصحاب ، فهي مطروحة ، للإعراض .
وأما الطائفة فلم يعمل بها
إلا ابن بابويه ، وذلك لايخرجها عن الشذوذ
الموهنلها .
اضف الى ذلك : أن تصوصها
واردة في الحائض ، والتعدي الى غيرها كما
هو المطلوب يحتاج الى دليل
مفقود ، مع أن الثانية أشهر ، ورواياتها أصح وأكثر فتقدم
عليها .
وكذ السادسة ، فإنه لم يعمل
بها غير المفيد في المقنعة والصدوق في المقنع ، فهي
أيضا مهجورة عند بقية الأ
صحاب ، ومعارضة بما هو أصح سندا ، وأشهر منها ، فيبقى
من الطوائف المتقدمة
الطائفتان الأخيرنان .
فإن قلنا بان الوقوف الواجب
هو المسمى منه - كما أفتى به جماعة - لا تعارض
بين الطائفتين ، فإن من أتم
العمرة زوال الشمس من يوم عرفة وأحرم بالحج بحسب
الغالب يدرك الناس بعرفات في
أواخر يوم عرفة .
وإن قلنا بأن الواجب هو جميع
ما بين الزوال الى الغروب فقد يقال : إنه
تتعارض الطائفتان ، ولكن لا
يبعد القول بظهور فوت الموقف سيما بقرينة نصوص
التحديد بزوال يوم عرفة ،
وفهم الأصحاب ، لعدم إفتاء أحد منهم بأن المدار على خوف
فوت تمام الواجب ، بل
المشهور - كما عرفت - أن المدار على خوف فوت المسمى منه ،
في إرادة خوف فوت المسمى منه
الذي هو ركن وبعبارة اخرى : ظهوره في فوت الموقف
تماما ، وعليه فلا تعارض
بينهما ، فما هو المشهور هو المتعين .
وإن أبيت عن ذلك فلا محالة
يقع التعارض بينهما ، والترجيح مع نصوص
التحديد بزوال عرفة : لكونها
أشهر ، بل على هذا لا قائل بنصوص التحديد بخوف
فوت الموقف ، فتحصل : أن
الأظهر أن حد الضيق المسوغ للعدول عن التمتع الى
[ . . . ]
الإفراد هو فوات الركن من
الوقوف الاختياري وهو المسمى منه ، وإن شئنا أن نحدد
آخر المتعة نحدده بزوال
الشمس من يوم عرفة .
بقي في المقام ما استدل به
للقول بأن المدار على درك الوقوف الا ضطراري من
وقوف عرفة ، فإنه استدل له
بالأخبار الدالة على أن من أتى بعد إفاضة الناس من
عرفات وأدركها ليلة النحر تم
حجه .
ولكن يرد عليه أولا : أن تلك
النصوص واردة فيمن لا يدرك الوقوف
الاختياري ، ومحل الكلام ما
يمكن إدرا كه إلا أنه من جهة كونه في اثناء العمرة يحتمل
أن يكون ذلك بحكم عدم الإدراك
فما نحن فيه أجنبي عن مورد تلك الأخبار .
وثانيا : أن النصوص المتقدمة
كالنص في إرادة الاختياري منه ، لاحظ : قوله
( عليه السلام ) في خبر محمد
بن سرور : ويفيض مع الإمام : فإنه صريح في أن إتمام
العمرة إنما هو مع إدراك
الإمام في عرفات ، وقوله في صحيح الحلبي : والناس بعرفات
فخشي - الى قوله - أن يفوته
الموقف ، فإن الوقوف بعرفات مع الناس هو الاختياري
منه . ونحوهما غيرهما .
1 - الظاهر عدم اختصاص
هذاالحكم بالحج الواجب ، وشموله للمندوب ،
لإطلاق النصوص وقد مر أن
الشيخ - قده - حمل نصوص التحديد بغير الضيق على
المندوب فكان الحكم فيه أوضح
.
وعليه فهل يجب عليه العمرة
بعد الحج كما في الحج الواجب نظرا الى الأمر
بها في النصوص الظاهر في
الوجوب ، أم لا ؟ وجهان ، أقواهما : الثاني ، لأن الظاهر منها
[ . . . ]
أن الأمر بالعمرة إنما يكون
إرشاديا الى بقاء الأمر بها وتغيير مكانها ، وأن ما أمر به
قبل الحج يكون أمره باقيا
بعده فيؤتي به بعد ذلك ، وعليه فإن كان امر العمرة وجوبيا
كان كذلك وإلا فلا .
2 - هل يجزي الإفراد عن
التمتع في الضيق بحيث لو كان الواجب عليه حج
التمتع فأتى بالإفراد يكون
التكليف بالحج ساقطا عنه ، أم لا ؟ وجهان قد استدل
للأول بالمرسل عن أبي عبد
الله ( عليه السلام ) : المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة أقام الى
هلال المحرم واعتمر فأجزأت
عنه مكان عمرة المتعة ( 1 ) .
وبقوله ( عليه السلام ) في
خبر زرارة المتقدم : ولاشئ عليه . وبأنه يجب عليه
حج الإفراد ، للنصوص المتقدمة
، ولا يجب الحج في العمر إلا مرة واحدة .
وفي الجميع نظر .
أما الأول ، فلإرساله .
وأما الثاني ، فلأنه لا
إطلاق له من هذه الجهة .
وأما الثالث : فلأن عدم وجوب
الحج أكثر من مرة إنما هو بمقتضى التشريع
الأصلي ، وذلك لا ينافي وجوبه
بعنوان آخر كالنذر واليمين ، والشروع في الحج الموجب
لإتمامه ، ولعل المقام من
ذلك القبيل .
ولكن يمكن أن يستدل للإجزاء
بأن الظاهر من النصوص تبدل الوظيفة ،
وتغيير مكان العمرة الواجبة
عليه ، لا أن ما يأتي به واجب مستقل ، وعليه فظاهر
نصوص الباب هو الإجزاء
3 - ولو دخل في العمرة بنية
التمتع في سعة الوقت واخر الطواف والسعي
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 21 من
أبواب أقسام الحج حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
متعمدا ، الى ضيق الوقت ،
فهل يجوز العدول ويكفي عن الواجب عليه ، أم يجب إتمام
العمرة والإجتزاء في فعل الحج
بإدراك المشعر ، أم لا يكفي ذلك عن الحج الواجب
عليه ؟ وجوه وأقوال .
استدل للأول بإطلاق نصوص
الباب ، وأيده بعض بملاحظة نظائر المقام من
موارد الأبدال الا ضطرارية ،
فإن من أراق ماء الوضوء عملا صح تيممه ، ومن أخر
الصلاة حتى ادرك ركعة من
الوقت صحت صلاته ، ومن عجز نفسه عن القيام في
الصلاة صحت صلاته ، الى غير
ذلك من الموارد . انتهى .
وفيه : أن الظاهر من نصوص
الباب كغيره من موارد الأبدال الا ضطرارية أن
الموضوع هو عدم الإدراك طبعا
لا اختيارا ، ولذا في مسألة من أخر الصلاة حتى أدرك
ركعة بنينا على سقوط التكليف
بالصلاة وأن حكمه حكم من لم يدرك ركعة ، وفي مسألة
من أراق ماء الوضوء عمدا
أفتى المفيد - قده - والشهيد - ره - بوجوب إعادة الصلاة
وإن كان هناك بحث ، وبالجملة
ظاهر النصوص الاختصاص بغير العامد ، نعم في
خصوص الصلاة من جهة مادل على
أنها لاتسقط بحال بحث .
واستدل للثاني بعموم قوله (
عليه السلام ) : من أدرك الوقوف بالمشعر فقد تم
حجه .
ويرد عليه ما أوردناه على
سابقه ، وعلى هذا فيدور الأمر بين فعلين : إما إتمام
العمرة ، والحج من قابل ، او
الإتيان بحج الإفراد وتأخير العمرة ، مقتضى
الا ستصحاب هو الأول .
* * *
[ . . . ]
حكم
الحائض والنفساء اذا ضاق وقتهما عن إتمام العمرة
مسالة : إذا حاضت المرأة
المتمتعة أو نفست ومنعها العذر من الطواف وبقية
أفعال عمرتها لضيق الوقت عن
التربص للطهر ، ففيها أقوال :
1 - أنها تعدل الى الإفراد
ثم تأتي بعمرة بعد الحج وهو الأشهر كما في المدارك
والذخيرة والكفاية والمفاتيح
وشرحه ، بل في الأخيرين كاد أن يكون إجماعا . كذا في
المستند .
وفي الجواهر : على المشهور
شهرة عظيمة ، بل في المنتهى : الإجماع عليه . انتهى .
وفي التذكرة دعوى الإجماع
عليه ، وكذا عن المنتهى .
2 - ما عن علي بن بابويه
والحلبي وابن زهرة والا سكافي وغيرهم ، وهو : أنه مع
الضيق لا تعدل ، بل تؤخر
طواف العمرة ، وتأتي بالسعي ثم تحرم بالحج وتقضي طواف
العمرة مع طواف الحج . وعن
الغنية دعوى الإجماع عليه .
3 - التخيير بين الأمرين .
نسب الى الا سكافي ، وفي المستند : واحتمله بعض
متأخري المتاخرين .
4 - ما عن الوافي والمفاتيح
والحدائق ، وهو : أنه إن أحرمت هي بالمتعة قبل
الحيض تمتعت كما في القول
الثاني ، وإن حاضت قبل الإحرام أفردت كما في القول
الأول .
5 - أن المرأة تستنيب للطواف
ثم تتم العمرة وتأتي بالحج ، ولكن صاحب
الجواهر وغيره لم يعرفوا قائله
، هذه هي أقوال المسألة .
واما النصوص فهي على طوائف :
الاولى : ما يكون ظاهرا في
القول الأول كصحيح جميل ، قال : سألت أبا عبد الله
[ . . . ]
( عليه السلام ) عن المرأة
الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال ( عليه السلام ) :
تمضي كما هي الى عرفت فتجعلها
حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم
فتجعلها عمرة ( 1 ) .
ومصحح إسحاق بن عمار عن أبي
الحسن ( عليه السلام ) : سألته عن المرأة
تجئ متمتعة فتطمث قبل أن
تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات ، قال ( عليه
السلام ) تصير حجة مفردة
وعليها دم اضحيتها ( 2 ) .
وصحيح ابن بزيع المتقدم في
المسألة السابقة الدال على التحديد بزوال
الشمس من يوم التروية ، وقد
تؤيد أو تعضد ببعض الأخبار الآتية في المسألة اللاحقة .
الثانية : ما يدل على القول
الثاني كصحيح العلاء بن صبيح ، وعبد الرحمن بن
الحجاج ، وعلي بن رئاب ،
وعبيد الله بن صالح ، كلهم يروونه عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) : المرأة المتمتعة
اذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية ، فإن
طهرت طافت بالبيت وسعت ، وإن
لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم
سعت بين الصفا والمروة ، ثم
خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طاف
بالبيت طوافا لعمرتها ، ثم
طافت طوافا للحج ، ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك
فقد أحلت من كل شئ يحل منه
المحرم إلافراش زوجها ، فإذا طافت اسبوعا آخر
حل لها فراش زوجها ( 3 ) .
وخبر عجلان أبي صالح ، قلت
لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : متمتعة قدمت مكة
فرأت الدم كيف تصنع ؟ قال (
عليه السلام ) : تسعى بين الصفا والمروة وتجلس في بيتها ،
………………………………………….
1 - الوسائل باب 21 من ابواب
اقسام الحج حديث 2 .
2 - الوسائل باب 21 من أبواب
أقسام الحج حديث 13 .
3 - الوسائل باب 84 من أبواب
الطواف حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
فإن طهرت طافت بالبيت ، وإن
لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء
وأهلت بالحج وخرجت الى منى
فقضت المناسك كلها ، فإذا قدمت مكة طافت بالبيت
طوافين ثم سعت بين الصفا
والمروة ، فاذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شئ ما عدا
فراش زوجها . قال : وكنت أنا
وعبد الله بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد
فدخل عبيدالله على أبي الحسن
( عليه السلام ) فخرج إلي فقال : سالت أبا الحسن
( عليه السلام ) عن رواية
عجلان فحدثنا بنحو ما سمعنا عن عن عجلان ( 1 ) . ونحوه
خبراه الآخران ( 2 ) ، وقريب
منها مرسل يونس بن يعقوب ( 3 ) .
الثالثة : ما يكون ظاهره
القول الرابع ، وهو خبر أبي بصير ، قال : سمعت أبا
عبد الله ( عليه السلام )
يقول : في المرأة المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر ثم حاضت قبل
أن تقضي متعتها سعت ولم تطف
حتى تطهر ، ثم تقضي طوافها وقد تمت متعتها ، وإن
هي أحرمت وهي حائض لم تسع
ولم تطف حتى تطهر ( 4 ) .
وقيل : في الجمع بين النصوص
: امور :
الأول : ما أفاده صاحب
الحدائق وهو أن خبر أبي بصير يصلح شاهدا للجمع
بين الطائفتين ، وبه تحمل
الاولى الدالة على العدول الى الإفراد على ما إذا أحرمت
وهي حائض ، وتحمل الثانية
الدالة على البقاء على المتعة وقضاء طواف العمرة بعد
المناسك على ما إذا أحرمت
وهي طاهر .
وأيد بعضهم ذلك بوجهين :
………………………………………….
1 - الوسائل باب 84 من أبواب
الطواف حديث 6 .
2 - الوسائل باب 84 من أبواب
الطواف حديث 3 و 2 .
3 - الوسائل باب 84 من أبواب
الطواف حديث 8 .
4 - الوسائل باب 84 من أبواب
الطواف حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
أحدهما : أنها في الصورة
الاولى لم تدرك شيئا من أفعال العمرة طاهرا فعليها
العدول الى الإفراد ، وفي
الصورة الثانية أدركت بعض أفعالها طاهرا فتبني عليها
وتقضي الطواف بعد الحج .
ثانيهما : ما عن شرح الفقيه
للمجلسي ، ومحصله : أنها في الصورة الاولى لا تقدر
على نية العمرة ، لأنها تعلم
أنها لا تطهر للطواف وإدراك الحج ، بخلاف الصورة الثانية ،
فإنها حيث كانت طاهرة وقعت
منها النية والدخول فيها .
أقول : يرد على ما أفاده
صاحب الحدائق - ره - أن خبر أبي بصير شاذ لم يعمل
به الأصحاب ، فهو موهون بعدم
العمل فلايصلح مقيدا لإطلاق ما تقدم من الطائفتين
مع أن جملة من نصوص العدول
الى الإفراد ظاهرة في كون الحيض بعد الإحرام ،
لاحظ : مصحح إسحاق ، فإن
قوله فيه : تجئ متمتعة فتطمث . ظاهر بقرينة العطف
بالفاء الدالة على الترتيب
في كون الحيض بعد دخول مكة ، ومن المعلوم أن دخول
مكة للتمتع إنما يكون بعد
الإحرام ، وكذا صحيح ابن بزيع .
أضف الى ذلك : أنه مطلق من
حيث حدوث الحيض قبل الطواف أو بعد أربعة
أشواط منه ، ولذا حمله الشيخ
- قده - على ما بعدها ، واستشهد به عليه ، وعليه فيقيد
إطلاقه بما سيأتي من النصوص
في المسألة اللاحقة ، ويحمل البقاء على المتعة على ما
إذا حاضت بعد أربعة أشواط من
الطواف .
واما الوجه الأول من التأييد
فيرد عليه أن مجرد درك بعض أفعال العمرة
طاهرة لا يكفي في الحكم
بوجوب إتمامها كما أن مجرد عدم إدراكه لا يكفي في وجوب
العدول .
وأما الوجه الثاني فيرد عليه
: أنه إذا تم دلالة النص على البقاء على المتعة
وقضاء الطواف بعد الحج تكون
قادرة على نية العمرة في الصورة الاولى ، مع أنه إذا
[ . . . ]
كان مراده عدم القدرة على
النية الجزمية فيها ففي الصورة الثانية أيضا مع احتمال
طرو الحيض لا تقدر على تلك ،
وإن كان مراده عدم القدرة على النية الا حتمالية
والإتيان بقصد الرجاء فعدم
القدرة ممنوع .
الثاني : ما عن سيد المدارك
- قده - قال بعد نقل صحيحة العلاء والجماعة معه :
والجواب : أنه بعد تسليم
السند والدلالة يجب الجمع بينها وبين الروايات السابقة
المتضمنة للعدول الى الإفراد
بالتخيير بين الأمرين ، ومتى ثبت ذلك كان العدول أولى ،
لصحة مستنده وصراحة دلالته ،
وإجماع الأصحاب عليه . انتهى .
وفيه : أنه إن أريد بالتخيير
التخيير في المسألة الفرعية بدعوى : أن ذلك
مقتضى الجمع العر في بين
الطائفتين . فيرد عليه : أن أهل العرف يرون الطائفتين
المتضمن كل منهما لتعين
الوظيفة في شئ معين متعارضتين ، ولا يفهمون منهما التخيير ،
وإن اريد به التخيير في
المسألة الاصولية وهو الأخذ بإحدى الطائفتين ، فهو يتوقف
على فقد المرجحات ، وسيمر
عليك أنها تقتضي ترجيح الاولى .
الثالث : أن الطائفة الاولى
تتضمن التحديد بزوال يوم التروية ، وقد سبق أن
الأخبار المقتضية لذلك
مردودة لا مجال للعمل بها كغيرها من التحديدات التي لم يقل
بها المشهور .
وفيه : أن صحيح ابن بزيع وان
كان كذلك إلا أن مصحح إسحاق خال عنه ،
وصحيح جميل مورده صورة
استمرار الحيض الى ما بعد قضاء المناسك ، لقوله فيه : ثم
تقيم حتى تطهر . ولا مانع من
خروج المرأة يوم التروية الى عرفات بعد عدولها الى
الحج في تلك الصورة ، وفيهما
كفاية .
والحق أن يقال : إن الطائفة
الثانية إما أن تحمل على ما اذا حاضت بعد أربعة
أشواط من الطواف أو تطرح ،
وذلك ، لأن مرسل أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ الصحيح
[ . . . ]
عمن أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عنه قال : حدثني من سمع أبا عبد الله
( عليه السلام ) يقول :
المرأة التمتعة اذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت
فمتعتها تامة ( 1 ) .
ونحوه خبر إبراهيم بن إسحاق
وزاد فيه : وإن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط
فلتستأنف الحج ، فإن أقام
بها جمالها بعد الحج فلتخرج الى الجعرانة أوالى التنعيم
فلتعتمر ( 2 ) . فإن مفهوم
الأول أنه قبل أربعة أشواط لا تكون متعتها تامة ، ودلالة الثاني
على ذلك واضحة ، وبهما يقيد إطلاق
تلك النصوص ، وتختص بذلك ، ثم بتلك النصوص
يقيد إطلاق النصوص الاولى .
هذا على القول بانقلاب
النسبة في أمثال هذا المورد الذي يكون هناك طائفتان
متعارضتان ولإحداهما مقيد لو
قيدت به انقلب نسبتها مع معارضتها الى العموم
المطلق .
وأما على القول بعدم
الانقلاب كما هو المختار ، فالطائفتان متعارضتان ، وحيث
إن الأصحاب عملوا بالاولى
وهي أشهر من حيث العمل والاستناد ، والشهرة أول
المرجحات فتقدم هي لذلك ،
وتطرح الطائفة .
ويؤيد الطرح اشتمال ما هو
الصحيح منها من حيث السند ، كصحيح
عبد الرحمن وعلي بن رئاب على
التحديد بيوم التروية ، ولأجل ذلك لا مجال للاعتماد
عليه ، وغير المشتمل منها
على ذلك ضعيف من حيث السند .
فتحصل : أن الأقوى هو القول
الأول المشهور بين الأصحاب ، وبما ذكرناه
………………………………………….
1 - الوسائل باب 86 من أبواب
الطواف حديث 2 .
2 - الوسائل باب 85 من أبواب
الطواف حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
ظهر مدرك القول الثاني
والثالث والرابع ، والجواب عنه ، واما القول الخامس فلم يذكر
له وجه ولا عرف قائله .
والمناط للحائض والنفساء
أيضا ما مر في من ضاق وقته وهو إدراك الركن من
الموقف الاختياري كما مر
دليله .
وعن الفاضل الخراساني : أن
المناط فيهما زوال الشمس من يوم التروية مع أنه
اختار في المسألة السابقة أن
المدار على زوال الشمس من يوم عرفة الذي قد عرفت
إمكان انطباقه على ما
اخترناه .
وفي المستند : الظاهر أنه
خرق الإجماع المركب ، ونسبة هذا القول إلى علي بن
بابويه والمفيد لا تفيد ،
لأنهما قالا بذلك فيه أيضا . انتهى .
وقد استدل له بصحيحي ابن
بزيع وجميل ، ولكن صحيح جميل قد عرفت
ظهوره في بقاء الحيض
واستمراره الى ما بعد قضاء المناسك ، وكذا صحيح ابن بزيع
ظاهر في ذلك ، فإنه صرح فيه
بانها تحيض بعد دخول مكة ، وبأن عامة الموالي يدخلونها
يوم التروية ، ولازم ذلك أن
تحيضها لم يتقدم على التروية فلا تتطهر قبل غروب
الشمس من يوم عرفة .
إذا
حدث الحيض في اثناء طواف العمرة
مسألة : إذا حدث الحيض وهي
في أثناء طواف عمرة التمتع ، ففيه أقوال :
الأول - ما هو المشهور بين
الأصحاب شهرة عظمية وهو أن ذلك إن كان قبل
تمام أربعة أشواط بطل طوافها
، وحينئذ إن كان الوقت موسعا أتمت عمرتها بعد الطهر ،
وإلا فيجري عليها حكم الحائض
والنفساء المتقدم في المسألة السابقة ، وإن كان بعد
[ . . . ]
تمام أربعة أشواط تقطع
الطواف وبعد الطهر تأتي بالثلاثة الباقية وتسعى وتقصر مع
سعة الوقت ، ومع ضيقه تأتي
بالسعي وتقصر ثم تحرم للحج وتأتي بأفعاله ثم تقضي بقية
طوافها ، وحجها صحيح تمتعا .
الثاني : ما عن الصدوق - قده
- فإنه صحح الطواف والمتعة وإن حاضت قبل
أربعة أشواط ، قال - قده -
بعد نقل ماسيأتي من صحيح محمد بن مسلم : قال مصنف
هذا الكتاب رضي الله عنه ،
وبهذا الحديث افتي . انتهى .
الثالث : ما عن الحلي وهو
بطلان المتعة وإن كان الحيض بعد أربعة أشواط .
وقد استدل صاحب الجواهر - ره
- للأول بعموم ما دل على إحراز الطواف
بإحراز الأوبعة منه ، وبخبر
أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : إذ حاضت المرأة
وهي بالطواف بالبيت وبين
الصفا والمروة فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا
طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها
من الموضع الذي علمته ، فإن هي قطعت طوافها في
أقل من النصف فعليها أن
تستأنف الطواف من أوله ( 1 ) . ونحوه خبر أحمد بن عمر
الحلال عن أبي الحسن ( عليه
السلام ) ( 2 ) . بتقريب : أن المراد بمجاوزة النصف بلوغ
الأربع فمازاد بقرينة غيره
من النص والفتوى ، وذكر الصفا والمروة لا ينافي حجيتهما
فيه كما هو واضح . انتهى .
أقول : إن محل الكلام في هذه
المسالة ليس بطلان الطواف وصحته ، إنما الكلام
في أنما تعدل الى الإفراد
وتأتي بعمرة مفردة بعد الحج أو أنها تأتي بحج التمتع وتقضي
ما لم تأت به من أفعال
العمرة بعد الحج ، وما ذكر من العمومات والخصوصات تفيد في
المسألة الاولى دون الثانية
.
…………………………………………
1 - الوسائل باب 85 من أبواب الطواف حديث 1 .
2 - الوسائل باب 85 من أبواب
الطواف حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
فالحق أن يستدل له بصحيح ابن
مسكان عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ قال :
حدثني من سمع أبا عبد الله (
عليه السلام ) يقال : في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت
أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها
تامة وتقضي ما فاتها من الطواف بالبيت وبين
الصفا والمروة وتخرج الى منى
قبل أن تطوف الطواف الآخر ( 1 ) . ورواه الكليني الى
قوله : فمتعتها تامة . فإن
مفهومه عدم تمامية المتعة إذا طافت أقل من ذلك ، وإرساله
لا يضر بعد كون الراوي من
أصحاب الإجماع ، مضافا الى استناد الأصحاب اليه .
وفي الحدائق ولعل المراد
بالطواف الآخر الطواف المقضي .
ومرسل إبراهيم بن ابي إسحاق
- الصحيح - عمن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه ، عمن سأل
أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن امرأة طافت أربعة
أشواط وهي معتمرة ثم طمثت ،
قال ( عليه السلام ) : تم طوافها وليس عليها غيره ،
ومتعتها تامة ، ولها أن تطوف
بين الصفا والمروة لأنها زادت على النصف وقد قضت
متعتها فلتستأنف بعد الحج ،
وإن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج ، فإن
أقام بها جمالها فلتخرج الى
الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر ( 2 ) .
وظاهر الخبرين أن بقية
الطواف وما بعده من الأعمال تأتي بها بعد الحج ، ولكن
في محكي القواعد : ولو طافت
أربعا فحاضت سعت وقصرت وصحت متعتها وقضت
باقي المناسك وأمتت بعد
الطهر . انتى .
وظاهر ذلك أنها تسعى وتقصر
في حال الحيض ، وإن المأتي به من الأشواط
الأربعة بمنزلة الطواف التام
، ولعله يشهد بجواز السعي مرسل إبراهيم المتقدم ، ولها
………………………………………….
1 - الوسائل باب 86 من أبواب
الطواف حديث 2 .
2 - الوسائل باب 85 من أبواب
الطواف حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
أن تطوف بين الطفا والمروة ،
ولكن الأولى الإتيان به بعد الحج .
ربما يقال : إن ظاهر الخبرين
عنم الفرق في ذلك بين سعة الوقت وضيقه ، وفي
كليهما لها أن تحرم للحج
وتقضيي ما بقي من عمرتها بعد الحج ، وهو الظاهر من عبارة
القواعد المتقدمة لإطلاقها
سيما وبعد تلك العبارة قال : ولو كان أقل فحكمها حكم
من لم تطف فتنتظر الطهر فإن
حضر وقت الوقوف ولم تطهر خرجت الى عرفة وصارت
حجتها مفردة ، وإن طهرت
وتمكنت من طواف العمرة وأفعالها صحت متعتها ، وإلا
صارت مفردة . انتهى ، فإن
تفصيله في هذا المورد كالصريح في عدم التفيل في المورد
الأول ، ولكن بما أن احد
الخبرين المتقدمين مورده ضيق الوقت وآلاخر غير خال عن
التشويش ففي صورة السعة لا
مخرج عما دل على اعتبار الترتيب بين العمرة والحج
وبين الطواف والسعي فلابد في
تلك الصورة من أن تنتظر حتى تطهر ثم تأتي ببقية
أشواط الطواف ثم تسعى بين
الصفا والمروة وتقصر ثم تحرم للحج .
وبذلك ظهر ما في الجواهر
أيضا حيث أنه - ره - جعل ذلك أولى وأحوط .
وقد استدل للقول الثاني
بصحيح محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله
( عليه السلام ) عن إمرأة
طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما ، قال ( عليه
السلام ) : تحفظ مكانها فإذا
طهرت طافت واعتتد بما مضى ( 1 ) .
وكلن يرد عليه أولا : أنه
يعارض الخبر الخبران المتقدمان الدالان على بطلان
الطواف إن حدث الحيض قبل
أربعة أشواط ، وحيث إنه مطلق وهما مختصان بالمتمتعة
فيقيد إطلاقه بهما ، سيما
بعد تأييدهما بخبري أبي بصير وأحمد المتقدمين ، ولهذا حمله
الشيخ - ره - على طواف
النافلة ، وهو حسن .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 85 من أبواب
الطواف حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
وثانيا : أنه يدل على انقلاب
الفرض الى الإفراد أو بقاء ما عليه من العمرة
وسقوط الترتيب بين بقية
الأفعال والحج الذي هو محل الكلام .
واستدل للثالث ابن إدريس قال
: والذي تقتضيه الأدلة انه إذا جاء الحيض
قبل جميع الطواف فلا متعة
لها ، وإنما ورد بما قاله شيخنا أبو جعفر خبران مرسلان
فعمل عليهما وقد بينا أنه لا
يعمل بالأخبار الآحاد وإن كانت مسندة فكيف
بالمراسيل . انتهى .
واستحسنه السيد في محكي
المدارك عملا باشتراط الترتيب بين السعي وتمام
الطواف وبين أفعال الحج
وتمام أفعال عمرة .
وبصحيح ابن بزيع المتقدم .
ولكن حيث عرفت أن المرسلين
المتقدمين حجتان ، لصحة السند ولعمل
الأصحاب بهما فبهما يخرج عن
القواعد ويقيد إطلاق الصحيح .
وبما ذكرناه ظهر حكم ما لو
حدث الحيض بعد الطواف وقبل صلاته ، فإنه لا
إشكال ولا كلام في صحة
طوافها .
ويشهد بها - مضافا الى ما
تقدم - صحيح أبي الصباح الكناني ، قال : سالت أبا
عبد الله ( عليه السلام ) عن
امرأة طافت بالبيت في حج أوعمرة ثم حاضت قبل أن
تصلي الركعتين ، قال ( عليه
السلام ) : إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم
( عليه السلام ) وقد قضت
طوافها ( 1 ) . ونحوه مضمر زرارة ( 2 ) .
وعليه ففي السعة تنتظر الطهر
عملا بالقواعد ، وفي الضيق تخرج للحج وتأتي
………………………………………….
1 - الوسائل باب 88 من أبواب
الطواف حديث 2 .
2 - الوسائل باب 88 من أبواب
الطواف حديث 1 . ( * )
( وشرط الباقيين النية ووقوعه
في أشهر الحج وعقد الإحرام من الميقات او
من منزله إن كان دون الميقات )
ببقية أعمال العمرة بعد الحج
، لا للخبرين المتقدمين حتى يقال . كما عن سيد المدارك :
وفي الدلالة نظر وفي الحكم إشكال
، بل للأولوية من الصورة السابقة التي كان الحيض
فيها قبل تمام الطواف .
هذا كله في شرائط التمتع ( و
) أما ( شرط الباقيين ) وهما الإفراد والقران
هذا كله في ائط التمتع ( و )
أما ( شرط الباقيين ) وهما الإفراد والقران
فثلاثة : ( النية ) على ما
مر في حج التمتمع ( ووقوعه في أشهر الحج ) بلا خلاف فيه
بيننا ، وفي المعتبر : عليه
اتفاق العلماء . كذا في الجواهر .
ويشهد به - مضافا الى
العمومات كتابا وسنة - خصوص صحيح معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) في قول الله تعالى : * ( الحج أشهر معلومات فمن
فرض فيهن الحج ) * والفرض
التلبية والإشعار والتقليد فأي ذلك فعل فقد فرض الحج
ولا يفرض الحج إلا في هذه
الشهور التي قال الله عزوجل : * ( الحج أشهر
معلومات ) * وهي شوال وذو
القعدة وذو الحجة ( 1 ) .
وخبر زرارة عن أبي جعفر (
عليه السلام ) في قوله تعالى : * ( الحج أشهر
معلومات ) * شوال وذو القعدة
وذو الحجة ليس لأحد أن يحرم بالحج فيما سواه ( 2 ) .
ونحوهما غيرهما من الأخبار
الكثيرة .
( وعقد الإحرام من الميقات
أو من منزله إن كان دون الميقات ) بلا خلاف
………………………………………….
1 - الوسائل باب 11 من أبواب
أقسام الحج حديث 2 .
2 - الوسائل باب 11 من أبواب
أقسام الحج حديث 8 . ( * )
] ويجوز لهما الطواف
قبل المضي الى عرفات [
فيه أيضا بيننا ، إنما
الكلام في اعتبار الأقربية الى مكة كما في أكثر الأخبار أو الى عرفة ،
وسيجئ الكلام فيه إن شاء
الله تعالى .
وفي الجواهر ، وعن المبسوط :
زيادة رابع ، وهو الحج من سنته .
قال في الدروس : وفيه إيماء
الى انه لوفاته الحج انقلب الى العمرة فلا يحتاج
الى قلبه عمرة في صورة
الفوات . قلت : يمكن أن يقول بالبطلان حينئذ . انتهى .
( و ) الظاهر أنه لا خلاف
بين الأصحاب في أنه ( يجوزلهما ) أي القارن والمفرد
( الطواف ) المندوب ( قبل
المضي الى عرفات ) .
وفي الجواهر بل في كشف
اللثام الظاهر الاتفاق على جوازه ، كما في الايضاح .
انتهى .
واستدل له سيد المدارك
بالأصل السالم عن المعارض ، ومراده عموم ما دل على
رجحانه من النصوص الكثيرة .
واستدل له في الحدائق بحسن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) :
قال : سألته عن المفرد للحج
هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة ؟ قال : نعم ماشاء
ويجدد التلبية بعد الركعتين
، والقارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلا من الطواف
بالتلبية ( 1 ) .
وقد عقد صاحب الوسائل بابا
ذكر فيه حديثين ، ثم قال : ويأتي ما يدل على
………………………………………….
1 - الوسائل باب 16 من أبواب
أقسام الحج حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
ذلك .
وأما تقديم الطواف الواجب
ففي الحدائق : فهو قول الأكثر ، وعزاه في المعتبر
الى فتوى الأصحاب .
ونقل عن ابن إدريس المنع من
التقديم محتجا بإجماع علمائنا على وجوب
الترتيب .
وأجاب عنه العلامة في
المنتهى : بأن الشيخ ادعى الإجماع على جواز التقديم
فكيف يصح له دعوى الإجماع
على خلافه ؟ قال : والشيخ أعرف بمواضع الوفاق
والخلاف . انتهى .
وعن الغنية : جماع عليه .
واستدلوا للمشهور بجملة من
النصوص كصحيح حماد بن عثمان سألت أبا
عبد الله ( عليه السلام ) عن
مفرد الحج أيعجل طوافه أو يؤخره ؟ قال ( عليه السلام ) :
هووالله سواء عجله أو أخره (
1 ) . ونحوه أخبار اخرمو ثقات .
وعن المصنف - ره - في
المنتهى والمختلف ، والمحقق في المعتبر الا عتراض على
هذه الا خبار : باحتمال
إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء أيام من التشريق
وبعده . وهومتين .
ولكن يشهد به النصوص الصحيحة
الواردة في حجة الوداع الصريحة في
ذلك ( 2 ) .
وموثق زرارة ، قال : سالت
أبا جعفر ( عليه السلام ) عن مفرد الحج يقدم طوافه
أو يؤخره ؟ فقال : يقدمه .
فقال رجل الى جنبه : لكن شيخي لم يفعل ذلك كان إذا قدم
………………………………………….
1 - الوسائل باب 14 من أبواب
أقسام الحج حديث 1 .
2 - الوسائل باب 2 من أبواب
أقسام الحج . ( * )
[ . . . ]
أقام بفخ حتى اذا رجع الناسن
الى منى راح معهم . فقلت له : من شيخك ؟ فقال : علي
بن الحسين ( عليه السلام ) ،
فسالت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين ( عليه
السلام ) لامه ( 1 ) .
وموثق ابن عمار في حديث ،
قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن المفرد
للحج إذا طاف بالبيت وبالصفا
والمروة أيعجل طواف النساء ؟ قال ( عليه السلام ) : لا
إنما طواف النساء بعد ما
يأتي من منى ( 2 ) .
وخبر أبي بصير المتقدم عن
الامام الصادق ( عليه السلام ) : إن كنت أحرمت
بالعمرة فقدمت يوم التروية
فلامتعة لك فاجعلها حجة مفردة تطوف بالبيت وتسعى
بين الصفا والمروة ثم تخرج
الى منى ولا هدي عليك .
والظاهر كما صرح به في
الرياض والجواهر عدم الكراهة أيضا كما هو ظاهر
المتن .
وعن المحقق في الشرائع
والمصنف في القواعد الكراهة ، واستدل لها بالشبهة
الناشئة من خلاف الحلي .
وبموثق زرارة المتقدم ، فقال
رجل الى جنبه : لكن شيخي لم يفعل ذلك .
ولكن يرد على الأول : أن
دليل الحلي واضح الفساد ، فإنه استدل له بالأصل ،
وبالا حتياط ، للإجماع على
الصحة مع التأخير .
وبصحيح ابن اذينة عن أبي عبد
الله ( عليه السلام ) أنه قال : وهؤلاء الذين
يفردون الحج اذا قدموا مكة
وطافوا بالبيت أحلوا وإذا لبوا أحرموا فلا يزال يحل
………………………………………….
1 - الوسائل باب 14 من أبواب
أقسام الحج حديث 3 .
2 - الوسائل باب 14 من أبواب
أقسام الحج حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
ويعقد حتى يخرج الى منى بلا
حج ولا عمرة ( 1 ) .
وبصحيح زرارة عن أبي جعفر (
عليه السلام ) في حديث ، قلت : فما الذي يلي
هذا ؟ قال ما يفعله الناس
اليوم يفردون الحج فإذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلوا
وإذا لبوا أحرموا فلايزال
يحل ويعقد حتى يخرج الى منى بلا حج ولا عمرة ( 2 ) .
وتقريب الا ستد لال بهما :
أن ظاهر هما إرادة بطلان حجهم بتقديم طوافه
المقتضي للتحلل المزبور .
ويرد على الأولين : أنه لا
يرجع اليهما مع النصوص الخاصة الدالة على جواز
التقديم ، وعلى الأخيرين ما
ستعرف في تجديد التبية في ذيل هذه المسألة .
وأما موثق زرارة فهو على عدم
الكراهة أدل ، لقول أبي جعفر ( عليه السلام )
فيه : يقدمه . مجرد نقل
تأخير علي بن الحسين لا يصلح دليلا على كراهة التقديم ،
فالأظهر عدم الكراهة .
هذا كله في المفرد والقارن ،
وأما المتمتع فالكلام فيه في موردين :
الأول : في تقديم الطواف
المندوب على الوقوف بعرفات إذا أحرم بالحج ، قيل :
الأشهر المنع . وعن جماعة
منهم صاحب الجواهر - ره - الجواز .
واستدل للأول بحسن الحلبي ،
قال : سألته عن رجل أتى المسجد الحرام وقد
أزمع بالحج أيطوف بالبيت ؟
قال ( عليه السلام ) : نعم ما لم يحرم ( 3 ) .
وقد حمله صاحب الجواهر - ره
- على الكراهة ، قال : لقوة إطلاق ما دل على
………………………………………….
1 - الوسائل باب 3 من أبواب
أقسام الحج حديث 18 .
2 - الوسائل باب 4 من أبواب
أقسام الحج حديث 23 .
3 - الوسائل باب 83 من أبواب
الطواف حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
جوازه ، بل إسحاق بن عمار ،
سألته - يعني أبا الحسن ( عليه السلام ) - عن
الرجل يحرم بالحج من مكة ثم
يرى البيت خاليا فيطوف قبل أن يخرج عليه شئ ؟
فقال : لا ( 1 ) . بناء على
ظهوره في إراادة نفي أن يكون عليه شئ لا النهي عن الطواف
خصوصا بعد خبر عبد الحميد بن
سعيد عن أبي الحسن ( عليه السلام ) : سألته عن
رجل أحرم يوم التروية من عند
المقام بالحج ثم طاف بالبيت بعد إحرامه وهو لا يرى
لاينبغي أينقض طوافه بالبيت
إحرامهم ؟ فقال : لا ولكن يمضي على إحرامه .
انتهى ( 2 ) .
ولكن يرد على الأول : أن
المطلق مهما بلغ إطلاقه في القوة لا يصلح لمعارضة
المقيد وهو يكون مقدما إلا
أن الموثق ظاهر في الجواز كما أفاده .
وما ذكره بعض من أن قوله (
عليه السلام ) : لا راجع الى الطواف قبل الخروج ،
خلاف الظاهر ، ويؤيده خبر
عبد الحميد ، فالأظهر هو الكراهة .
المورد الثاني في تقديم
الطواف الواجب للحج على الوقوف بعرفات ، فالمشهور
بين الأصحاب المنع ، بل لا
خلاف فيه ظاهرا .
وعن المعتبر والمنتهى
والتذكرة دعوى إجماع العلماء عليه كافة .
نعم استشنوا من ذلك صورة
الضرورة والعذر .
وعن الشيخ حسن في كتابه
المنتقى ، والسيد في مداركه الجواز مطلقا .
وعن الحلي المنع كذلك .
وأما النصوص فهي على طوائف :
الاولى : ما يدل على الجواز
مطلقا كصحيح علي بن يقطين ، قال : سالت أبا
………………………………………….
1 - الوسائل باب 13 من ابواب
أقسام الحج حديث 7 .
2 - الوسائل باب 83 من أبواب
الطواف حديث 6 . ( * )
[ . . . ]
عبد الله ( عليه السلام ) عن
الرجل المتمتع يهل بالحج ثم يطوف ويسعى بين الصفا
والمروة قبل خروجه الى منى
قال ( عليه السلام ) : لا بأس ( 1 ) .
وصحيح عبد الرحمان بن الحجاج
عن أبي إبراهيم ( عليه السلام ) عن الرجل
فقال : ( عليه السلام ) : لا
بأس ( 2 ) . ونحوهما غيرهما .
الثانية : ما دل على المنع
كذلك كخبر أبي بصير ، قلت : رجل كان متمتعا وأهل
بالحج ، قال : لا يطوف
بالبيت حتى يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من
غير عله فلا يعتد بذلك
الطواف ( 3 ) .
الثالثة : ما دل على التفصيل
بين ذوي الأعذار وغيرهم كخبر إسماعيل بن
عبد الخالق ، قال : سمعت أبا
عبد الله ( عليه السلام ) يقول : لا بأس أن يعجل الشيخ
الكبير والمريض والمرأة
والمعلول طواف الحج قبل أن يخرج الى منى ( 4 ) .
وموثق إسحاق بن عمار ، قال :
سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن المتمتع إذا
كان شيخا كبيرا أو امرأة
تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى ؟ فقال
( عليه السلام ) : نعم من
كان هكذا يعجل ( 5 ) . وحسن الحلبي ومعاوية بن عمار
جميعا عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : لا بأس
بتعجيل الطواف للشيخ الكبير
والمرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج الى منى ( 6 ) .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 13 من أبواب
أقسام الحج حديث 3 .
2 - الوسائل باب 13 من أبواب
أقسام الحج حديث 2 .
3 - الوسائل باب 13 من أبواب
أقسام الحج حديث 5 .
4 - الوسائل باب 13 من أبواب
أقسام الحج حديث 6 .
5 - الوسائل باب 13 من أبواب
أقسام الحج حديث 7 .
6 - الوسائل باب 13 من أبواب
أقسام الحج حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
وما رواه الشيخ بإسناده عن
موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى الأزرق
عن أبي الحسن ( عليه السلام )
عن امرأة تمتعت بالعمرة الى الحج ففرغت من طواف
العمرة وخافت الطمث يوم
النحر أيصلح لها أن تعجل طوافها طواف الحج قبل أن
تأتي منى ؟ قال ( عليه
السلام ) : إذا خافت أن تضطر الى ذلك فعلت ( 1 ) .
واستدل المجوزون مطلقا
بالطائفة الاولى ، والمانعون كذلك بالثانية .
واستدل لما هو المشهور بان
الطائفة الثالثة تقيد كلا من الاولى والثانية ، لكونها
أخص مطلق مهنما فتكون
النتيجة هو التفصيل بين صورة العذر ، وعدمه ، ويجوز في
الاولى خاصة ، ولكن بما أن
الطائفة الثالثة لا مفهوم لشئ من أخبارها غير الأخير
بناء على ما هو الحق من عدم
المفهوم للوصف ، كي يقيد به نصوص الجواز ومنطوقها
لا يصلح للتقييد ، لكونه
معها من قبيل المتوافقين ، ولا يحمل المطلق على المقيد فيهما .
وأما الأخير فالظاهر انه
تصحيف ، والصواب : عن يحيى ، فإن صفوان بن يحيى
من الآحاد ، لم يقيد في
ترجمته بالأزرق ، ويحيى الأزرق حاله مجهول ، نعم إن كان
الراوي عنه صفوان بن عثمان
الذي هو من أصحاب الإجماع لاعتمدنا عليه ، لكنه
غير معلوم ، فالخبر ساقط عن
الحجية .
لايقال : إن موثق أسحاق من
جهة تضمنه للقضية الشرطية يدل على المنع في
غير صورة العذر ، فإن القضية
الشرطية مذكورة في السؤال ، وفي الجواب الامام ( عليه
السلام ) بين الحكم بغير
صورة القضية الشرطية .
فإن قبل إنه يقيد خبر المنع
بنصوص العذر ، ويختص بغير صورة العذر فتقيد
به أخبار الجواز .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 84 من أبواب
الطواف حديث 9 . ( * )
[ . . . ]
أجبنا عنه : بأن ذلك يتوقف
على القول بانقلاب النسبة ولا نقول به ، وعلى هذا
فما أفاده صاحب المنتقي وسيد
المدارك بحسب الروايات أظهر ، فإنه بواسطة نصوص
الجواز يحمل خبر المنع على
الكراهة ، ولكن لعدم إفتاء الأصحاب بذلك لا يترك
الاحتياط .
وأما طواف النساء فالمشهور
بين الأصحاب أنه لا يجوز تقديمه اختيارا ، ويجوز
مع الضرورة ، وفي الحدائق
دعوى الاتفاق على ذلك .
وعن ظاهر الخلاف جواز
التقديم مطلقا .
وعن الحلي عدم الجواز ولو
للضرورة .
واستدل للجواز مطلقا بصحيح
علي يقطين عن الإمام الكاظم ( عليه
السلام ) : لا بأس بتعجيل
طواف الحج وطاف النساء قبل الحج يوم التروية قبل
خروجه الى منى ، وكذلك لا
بأس لمن خاف أمرا لا يتهيا له الانصراف الى مكة أن
يطوف ويودع البيت ثم يمر كما
هومن منى إذا كان خائفا ( 1 ) .
وهذا الخبر كما ترى ظاهر في
جواز التقديم اختيارا كما أفاده صاحب
الحدائق ، فالا ستدلال به للقول
باختصاص الجواز بصورة الضرورة كما عن جمع ، وهو
ظاهر الجواهر ، في غير محله
.
وأما الروايات التي استدلوا
بها لاختصاص الجواز بصورة الضرورة فهي في
غير طواف النساء .
نعم بإزاء ذلك روايتان تدلان
على المنع مطلقا إحداهما موثقة إسحاق عن أبي
الحسن ( عليه السلام ) عن
المفرد للحج اذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة أيعجل طواف
………………………………………….
1 - الوسائل باب 64 من أبواب
الطواف حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
النساء ؟ قال ( عليه السلا )
: لا إنما طواف النساء بعد ما يأتي من منى ( 1 ) . ومورده وإن
كان حج الإفراد إلا أن
الجواب عام .
ثانيتهما : رواية علي بن أبي
حمزة عن أبي الحسن ( عليه السلام ) عن الرجل
يدخل مكة ومعه نساء وقد
أمرهن فتمتعن قبل التروية بيوم أويومين أوثلاثة فخشي
على بعضهن الحيض ، قال (
عليه السلام ) : اذا فرعن من متعتهن وأحللن فلينظر الى
التي يخاف عليها الحيض فيأمرها
فتغتسل وتهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت
وبالصفا والمروه ، فإن حدث
بها شئ قضت بقية المناسك وهي طامث ، فقلت : أليس
قدبقي طواف النساء ؟ قال (
عليه السلام ) : بلى قلت : فهي مرتهنة حتى تفرغ منه ؟
قال : نعم . قلت فلم لما
يتركها حتى تقضي مناسكها ؟ قال ( عليه السلام ) يبقى عليها
منسك واحد أهون عليها من أن
يبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان . قلت : أبي
الجمال أن يقيم عليها
والرفقة . فقال ( عليه السلام ) : ليس لهم ذلك تستعدي عليهم
حتى يقيم عليها حتى تطهر
وتقضي مناسكها ( 2 ) . وظاهر ذلك المنع حتى في صورة
العذر .
ولكن الخبر ضعيف ، لأن
المشهور بين الأصحاب أن علي بن أبي حمزة ضعيف .
قال ابن الغضائري : علي بن
أبي حمزة لعنه الله أصل الوقف وأشد الخلق عداوة
للمولى يعني الرضا ( عليه
السلام ) بعد أبي إبراهيم . انتهى .
وروى الكشي عن ابن مسعود قال
: سمعت علي بن الحسن يقول : ابن أبي
حمزة كذاب ملعون ، وقد رويت
عنه أحاديث كثيرة - الى أن قال - إلا أنى لا استحل
أن أروي عنه حديثا واحدا .
ونحو ذلك كلمات غيرهما .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 14 من أبواب
أقسام الحج حديث 4 .
2 - الوسائل باب 64 من أبواب
الطواف حديث 5 . ( * )
] لكنهما يجددان
التلبية عند كل طواف [
فالعمدة هو الأول ، وعلى هذا
فإن أمكن الجمع بين النصوص بحمل خبر المنع
على الكراهة وكان ذلك جمعا
عرفيا ، لزم منه البناء على الجواز مطلقا ، وإلا فيرجع الى
المرجحات ، ويقدم خبر المنع
، للشهرة ، ولازمه البناء على المنع مطلقا ، فلا دليل على
الجواز في صورة العذر ، إلا
أن يستدل له حينئذ باطلاق نصوص جواز تقديم الطواف
في صورة العذر الشامل لطواف
الحج وطواف النساء المتقدم بعضها ، وهو محل تأمل ،
والله تعالى أعلم .
وكيف كان فقد ظهر أن للقارن والمفرد
الطواف مندوبا وواجبا ( لكنهما
يجددان البية عند كل طواف )
بلا خلاف .
إنما الكلام في أنه هل يجب
ذلك أم يكون مستحبا ، وعلى التقدير الأول هل
يحل بالطواف بدون النية أم
لا ؟ وفي ذلك أقوال :
أحدها : ما عن الشيخ في
المبسوط والخلاف والنهاية ، والشهيدين في المسالك
والروضة ، بل قال الشهيد :
الفتوى به مشهورة ، وهو أنه يجب تجديد التبية عند كل
طواف لئلا يحل .
ثانيها : ما عن الشيخ في
التهذيب ، وعن سيد الرياض والذخيرة ، وهو أنه إنما
يحل المفرد دون القارن .
ثالثها : ما عن المرتضى
والمفيد وهو عكس ذلك .
رابعها : ما عن الحلي ، وفي
الشرائع ، واختاره المصنف وولده ، وهو أنه لا يحلان
إلا بالنية ولكن مع ذلك
يجددان التبلية عقيب صلاة الطواف الذي هو المراد بقولهم
] استحبابا [
عند كل طواف ( استحبابا ) بل
عن المفاتيح نسبته الى المتاخرين ، بل ظاهر المحكي
عن التذكرة الإجماع ممن عدا
الشيخ على القول الرابع .
يشهد لوجوب التلبية وانهما
يحلان بدون النية : جملة من النصوص كحسن
معاوية بن عمار المتقدم عن
الامام الصادق ( عليه السلام ) ، ساله عن المفرد للحج هل
يطوف بالبيت بعد طواف
الفريضة ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم ماشاء ويجدد التلبية بعد
الركعتين ، والقارن بتلك
المنزلة يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية ( 1 ) .
وصحيح ابن الحجاج ، قلت لأبي
عبد الله ( عليه السلام ) : إني اريد جوار مكة
كيف أصنع ؟ فقال : إذا رأيت
الهلال - الى أن قال - قلت له : أليس كل من طاف بالبيت
وسعى بين الصفا والمروه فقد أحل
؟ فقال : إنك تعقد بالتلبية . ثم قال كلما طفت طوافا
وصليت ركعتين فاعقد طوافا
بالتلبية ( 2 ) .
وصحيح معاوية بن عمار عن
الإمام الصادق ( عليه السلام ) في المفرد يطوف
بالبيت ويقصر ثم ذكر بعد ما
قصر أنه مفرد ، قال ( عليه السلام ) : ليس عليه شئ إذا
صلى فليجدد التلبية ( 3 ) .
وموثق زرارة سمعت أبا جعفر (
عليه السلام ) يقول : من طاف بالبيت وبالصفا
والمروة أحل أحب أو كره ( 4
) . ونحوها غيرها .
وبإزاء هذه النصوص طائفتان
من الأخبار :
إحداهما : ما يدل على اختصاص
ذلك بالمفرد وعدم ثبوته للقارن ، كموثق زرارة
………………………………………….
1 - الوسائل باب 16 من أبواب
أقسام الحج حديث 2 .
2 - الوسائل باب 16 من أبواب
أقسام الحج حديث 1 .
3 - الوسائل باب 11 من أبواب
الحلق والتقصير حديث 1 .
4 - الوسائل باب 5 من أبواب
أقسام الحج حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
المتقدم آنفا على ما رواه
الصدوق ، فإنه - في نقل - بعد نقل الخبر كما تقدم قال : إلا
من اعتمر في عامه ذلك أو ساق
الهدي وأشعره وقلده .
وصحيح زرارة : جاء رجل الى
أبي جعفر ( عليه السلام ) وهو خلف المقام فقال :
إني قرنت بين حجة وعمرة ،
فقال له : هل طفت بالبيت ؟ قال : نعم . فقال : هل سقت
الهدي ؟ قال : لا . فأخذ
أبوجعفر بشعره وقال أحللت والله ( 1 ) . ونحوهما غيرهما .
ثانيتهما : ما يدل على أن
لمن طاف بالبيت أن يحل ويجعل ما أتى به متعة . وظاهره
عدم الإحلال به بدون النية
كخبر صفوان ، قلت لأبي الحسن علي بن موسى ( عليه
السلام ) : إن ابن السراج
روى عنك أنه سألك عن الرجل يهل بالحج ثم يدخل مكة
فطاف بالبيت سبعا وسعى بين
الصفا والمروة فيفسخ ذلك ويجعلها متعة . فقلت له : لا .
فقال : قد سألني عن ذلك وقلت
له : لا ، وله أن يحل ويجعلها متعة ( 2 ) .
وحسن معاوية بن عمار ، سألت
أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل لبى بالحج
مفردا فقدم مكة وطاف بالبيت
وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا
والمروة ، فقال ( عليه
السلام ) : فليحل وليجعلها متعة إلا أن يكون ساق الهدي ( 3 ) . فإن
ظاهر قوله : فليحل . أنه لا
يحل بالطواف بدون النية ، هذه هي نصوص الباب .
وفي الجواهر ذكر في الجمع
بين النصوص الصريحة في أن القارن لا يحل حتى
يبلغ الهدي محله وإن طاف ولم
يلب لا معارض لها سوى حسن ابن عمار المتقدم الذي
جعل فيه القران بمنزلة
المفرد ، ويمكن إرادة العازم على الحج والعمرة من القارن فيه ،
مع أنه متحد لا يعارض
المتعدد المعتضد بالأصل وبغيره .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 5 من أبواب
أقسام الحج حديث 7 .
2 - الوسائل باب 22 من أبواب
الإحرام حديث 6 .
3 - الوسائل باب 5 من أبواب
أقسام الحج حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
ثم قال : إن من المستبعد جدا
الإحلال قهرا والانقلاب عمرة كذلك ، خصوصا
في الطواف المندوب الذي قد
عرفت جوازه من القارن المفرد وخصوصا فيمن كان
فرضه ذلك ، فإن الأدلة
المزبورة لا تصلح لإثبات الانقلاب القهري خصوصا بعد
معلومية توقف الإحلال على
التقصير نصا وفتوى ، واحتمال تخصيص ذلك بما هنا ليس
بأولى من العكس على معنى أن له
الإحلال إن شاء به في مقام يجوز العدول الى
العمرة انتهى ملخصا .
وفي كلامه - قده - مواقع
للنظر والمناقشة .
1 - ما ذكره من المحمل لحسن
ابن عمار ، فإن قوله ( عليه السلام ) : في ذيله :
والقارن بتلك المنزلة يعقدان
ما أحلا به من الطواف بالتلبية . يدفع ذلك .
2 - ما أفاده من أنه متحد لا
يعارض المتعدد المعتضد بالأصل ، فإنه يرد عليه : أن
التعدد وكذا الا عتضاد
بالأصل ليس من المرجحات الموجبة لتقديم واجدها .
3 - ما أفاده من الا
ستبعادات ، فإنه يرد عليه : أن تلك الا ستبعادات لا توجب
رفع اليد عن ظهور الأخبار .
والحق أن يقال : إن الطائفة
الأخيرة إنما هي في مقام بيان ان له أن يجعل ما
أتى به عمرة ويجعل حجته متعة
.
وقوله : وليحل . أي يبقى على
الإحلال ولا يعقد بالتلبية ، ثم ياتي بالحج ويصير
ذلك تمتعا ، وله أن يعقد
ويتمها إفرادا .
وأما الطائفة الثانية فهي معارضة
مع حسن معاوية ، فإن كان الجمع بينهما ممكنا
بأن تحمل الطائفة الثانية
على إرادة عدم صحة العدول الى التمتع من جهة ما فيها
من استشناء القارن عن
الإحلال فهو ، وإلا فيرجع الى المرجحات ، والترجيح مع تلك
الطائفة الموافقة للكتاب
والسنة الدالين على أن القارن لا يحل حتى يبلغ الهدي محله
[ . . . ]
وحتى يقصر .
وعليه فالمتعين هو الأخذ
بطاهر النصوص الاولى الدالة على أن المفرد يحل
بالطواف ، وأنه يجب عليه
العقد بالتلبية ، وإذا انضم اليها نصوص جواز العدول الى
التمتع تكون النتيجة هو وجوب
العقد بالتلبية ، إلا اذا جاز له العدول الى التمتع
وقصد ذلك .
1 - أن ما أفاده السيد في
محكي المدارك بعد نقل بعض ما تقدم من الروايات
وبعد نقل ما عن الشعيد - ره
- من أن دليل التحلل ظاهر ، والفتوى به مشهورة ،
والمعارض منتف ، قال : وهو
كذلك لكن ليس في الروايات دلالة على صيرورة الحجة
مع التحلل عمرة كما ذكره
الشيخ - ره - وأتباعه . انتهى . هو الصحيح .
وإيراد صاحب الحدائق - ره -
عليه بأن ظاهر صحيح معاوية أو حسنه المتقدم :
فليحل وليجعلها متعة . أنه
مع عدم العقد بالتلبية فالواجب عليه الإحلال والعدول الى
التمتع ، واذا انضم الى ذلك
الأخبار الواردة في حجة الوداع المتضمة لأمر الله عزوجل
بأن من لم يسق الهدي يجب
عليه العدول الى التمتع بعد الطواف والسعي - يستنتج
أن كل من أحرم مفردا وطاف
وسعى ولم يسق الهدي ولم يعقد إحرامه بالتلبية فإنه يصير
محلا ، ويجب عليه أن يجعل ما
أتى به عمرة يتمتع به الى الحج في غير محله ، فإن السيد
لا يدعي أنه لا يجوز العدول
، بل مدعاه أن النصوص لا تدل على الاتقلاب القهري ،
وهو متين وما أفاده لايدل
على الانقلاب القهري .
2 - أفاد سيد المدارك أن
مراد المحقق ومن قال بمقالته من النية : أن المفرد
[ . . . ]
لا يحل إلا بنية العدول الى
العمرة فيتحلل مع العدول بإتمام أفعالها ، وعلى هذا فلا
يتحقق التحلل بالنية إلا في
مورد يسوغ فيه العدول الى العمرة .
أقول : الظاهر صحة ما أفاده
، وعليه فلايرد على هؤلاء ما أورده المحقق الثاني
- ره - بعد أن جعل مرادهم من
النية نية التحلل بالطواف بأن اعتبار النية لا يكاد
يتحقق ، لأن الطواف منهي عنه
إذا قصد به التحلل فيكون فاسدا فلا يعتد به في كونه
محلا ، لعدم صدق الطواف
الشرعي حينئذ ، والرواية بالفرق بين القارن والمفرد ضعيفة ،
فالأصح عدم الفرق ، ولكن على
هذا القول يوتر كالتلبية ، فالذي يلزمهما في الرواية
وعبارة الشيخ أن حجهما يصير
عمرة فينقلب تمتعا - الى أن قال - فعلى هذا هل يحتاج
الى طواف آخر للعمرة أم لا ؟
كل منهما مشكل .
أما الأول ، فلأنه إن احتيج
اليه لم يكن لهذا الطواف أثر في الإحلال ، وهو
باطل .
واما الثاني ، فلأن إجزاءه
عن طواف العمرة بغير نية أيضا معلوم
البطلان . انتهى .
ويرد على المحقق الثاني - ره
- مضافا الى ما عرفت : أن الطواف بقصد التحلل
في المورد لا يكون منهيا عنه
كما تقدم ، مع أن إجزاء ما أتى به عن الطواف للعمرة بعد
دلالة أخبار حجة الوداع حيث
إنه لم يذكر في شئ من تلك الأخبار أنهم أعادوا
الطواف بعد أمر الرسول ( صلى
الله عليه وآله ) لهم بالإحلال من حجهم وجعله عمرة -
لا إشكال فيه .
3 - قد عرفت اتفاق النص
والفتوى على أنه بعد الطواف والسعي يعقد
الإحرام بالتلبية ، وأن الحج
صحيح إلاان هناك خبرين صريحين في بطلان الحج :
أحدهما : صحيح عمر بن اذينة
أو حسنه عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : أنه
[ . . . ]
قال : وهؤلاء الذين يفردون
الحج إذا قدموامكة وطافوا بالبيت أحلوا ، وإذا لبوا أحرموا
فلايزال يحل ويعقد حتى يخرج
الى منى بلاحج ولا عمرة ( 1 ) .
والمحدث الكاشاني - ره - بعد
نقل ذلك قال : بيان : كانوا يقدمون الطواف
والسعي على مناسك منى وربما
يكررون فحكم ببطلان حجهم بذلك وذلك لأن طواف
البيت وسعيه موجب للإحلال ،
لأنها آخر الأفعال ، فإذا طاف قبل الإتيان بمناسك
منى فقد أحل من حجه قبل
تمامه ، فإذا جدد التبية فقد أحرم إحراما آخر ، وإن لم
يطف بعد ذلك فقد بقي حجه بلا
طواف فلاحجة ولا عمرة له أيضا ، لعدم نيتد لها ،
وعدم إتمامه إياها ، لأنه لم
يأت بالتقصير بعد فقد خرج منها قبل كمالها فبطلت ، ثم إذا
كرر الطواف والتلبية فقد كرر
الحل والعقد . انتهى .
ثم إنه - قده - بعد ذلك قال
ولأجل ذلك يحمل حسن معاوية - المتقدم - على
التقية .
ثانيهما : صحيح زرارة عن أبي
جعفر ( عليه السلام ) في حديث ، قلت : فما الذي
يلي هذا في الفضل ؟ قال : ما
يفعله الناس اليوم يفردون الحج فإذا قدموا مكة وطافوا
بالبيت أحلوا ، وإذا لبوا
أحرموا فلايزال يحل ويعقد حتى يخرج الى منى بلا حج
ولاعمرة ( 2 ) .
ولأجل ذلك توقف صاحب الحدائق
- ره - في الحكم ، وقال : فالمسألة عندي
محل إشكال ووجهه أن الخبرين
صريحان في بطلان الحج ، ولازم ذلك حمل النصوص
امتقدمة على التقية ، ولكن
الأصحاب عملوابها .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 3 من أبواب
أقسام الحج حديث 18 .
2 - الوسائل باب 4 من أبواب
أقسام الحج حديث 23 . ( * )
[ . . . ]
أقول : إن لم يمكن الجمع
بينهما وبين ما تقدم يطرحان ، لأن الشهرة مع
معارضهما وهي أول المرجحات .
4 - صريح الأخبار المتقدمة :
أن الطواف موجب للإحلال ، لاحظ : قوله ( عليه
السلام ) : ماطاف بالبيت
والصفا والمروة أحد إلا أحل . وقوله ( عليه السلام ) : في صحيح
ابن الحجاج في جواب السائل :
أليس من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد
أحل ؟ إنك تعقد بالتلبية .
وقوله ( عليه السلام ) في حسن معاوية : يعقدان ما أحلا من
الطواف بالتلبية ، وأن التلبية
توجب عقد الإحرام .
وقد استشكل في ذلك المحقق
الأردبيلي بان حصول الإحرام الجديد بالتلبية
مستلزم لتوال فاسدة لأن
المتجدد ليس بإحرام بالحج ولا بالعمرة لسبق بعض عمل
الحج وعدم فعل العمرة ،
ولأنه ما ذكر له وقت ولاميقات ، ولأنه ماذكر له نية ولا قال
به أحد ، مع أنه لابد في
العبادات كلها من النية ، ولأجل ذلك التزم بان المراد من
الأخبار أنه إن لبى لايحصل
الإحلال بالطواف وأن التلبية مانعة عنه ، وتبعه صاحب
المدارك ره .
ولكن يرد عليهما : أنه لا
مانع من الالتزام بالإحلال بالطواف ، وان التلبية
توجب تجديد الإحرام الأول لا
أنه إنشاء إحرام جديد ، ولا استبعاد في ذلك ، وعليه فلا
صارف عن ظهور الروايات .
] ويجب على المتمتع
الهدي ولا يجب على الباقين الباب الثالث في الإحرام
وإنما يصح من الميقات [
( ويجب على المتمتع الهدي )
بالإجماعين والكتاب والسنة ، كذا في المستند .
قال الله تعالى : * ( فمن
تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم
يجد فصيام ثلاثة أيام في
الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن
أهله حاضري السجد الحرام ) *
( 1 ) .
والنصوص الدالة على ذلك
كثيرة ، وسيأتي الكلام في ذلك مفصلا ( و ) ستعرف
أنه ( لا يجب على الباقين )
.
( الباب الثالث : في الإحرام
، وإنما يصح من الميقات ) والمراد به الأمكنة
المعينة شرعا للإحرام ، فإن
الإحرام لا ينعقد إلا من المكان المعين الذي قرره الشارع
بالإجماع والأخبار التي ستمر
عليك ، إطلاقه على ذلك المكان إنما يكون من باب
إطلاق الكلي على الفرد ، فإن
الميقات أصله موقات ، فانقلبت الواوياء لأن ما قبلها
مكسور ، ويكون للزمان
والمكان ، فميقات الصلاة الزمان ، وميقات الحج المكان .
فما عن المصباح المنير من أن
الميقات : الوقت ، والجمع مواقيت ، وقد استعير
الوقت للمكان ، ومنه :
مواقيت الحج موضع الإحرام . انتهى ، ونحوه ماعن النهاية
الأثيرية ، غير تام .
………………………………………….
1 - البقرة : آية 196 . ( *
)
] وهي ستة [
ويؤيد ما ذكر ناه ما عن
الصحاح والقاموس : أن الميقات : الوقت المضروب
للفعل والموضع يقال : هذا
ميقات أهل الشام للموضع الذي يحرمون منه .
وبذلك ظهر أن ما في العروة
من أن المواقيت إطلقت على المواضع المعينة
للإحرام مجازا أو حقيقة
متشرعية . في غير محله .
وكيف كان فلا ريب في أنه
لابد وأن يحرم الحاج والمعتمر من مكان معين ، وقد
قرر الشارع الأقذس لكل طئفة
مومضعا خاصا ، وباعتبار تعدد الطوائف تكثرت
المواقيت .
( و ) قد اختلفت كلمات القوم
- تبعا للنصوص - في تعدادها ، فمنهم من قال :
( هي ) خمسة ، ومنهم من
جعلها ( ستة ) ومنهم من قال : إنها سبعة ومنهم من ذكر عشرة ،
وليس ذلك اختلافا في الحكم ،
بل هم متفقون على جواز الإحرام من الجميع ، بل
لكل نكتة في تعيين العدد
بحسب نظره ، ولكن المشهور بين الأصحاب ذكر الستة .
وقد اختلفت النصوص أيضا ،
وفي بعضها ذكر ستة كصحيح معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) : من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها
رسوالله ( صلى الله عليه
وآله ) لا تجاوزها إلا وأنت محرم فإنه وقت لأهل العراق - ولم
يكن حينئذ عراق - بطن العقيق
من قبل أهل العراق ، ووقت لأهل اليمن يلملم ،
ووقت لأهل الطائف قرن
المنازل ، ووقت لأهل المغرب الجحفة وهي مهيعة ، ووقت
لأهل المدينة ذاالحليفة ،
ومن كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله ( 1 ) .
وفي بعض الأخبار ذكر خمسة
كصحيح الحلبي ، قال أبو عبد الله ( عليه السلام )
الإحرام من مواقيت خمسة
وقتها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا ينبغي لحاج ولا
………………………………………….
الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 2 . ( * )
] لأهل العراق العقيق [
معتمر أن يحرم قبلها ولا
بعدها ، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة
يصلي فيه ويفرض الحج ، ووقت
لأهل الشام الجحفة ، ووقت لأهل نجد العقيق ، ووقت
لأهل الطائف قرن المنازل ،
ووقت لأهل اليمن يلملم ، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن
مواقيت ربول الله ( صلى الله
عليه وآله ) ( 1 ) . ونحوه غيره .
ولكن المستفاد من مجموع
النصوص ما عليه فتوى الفقهاء من أن المواضع
التي يجوز الإحرام منها عشرة
كما سيمر عليك عند ذكرها .
أحدها : ما ( لأهل العراق )
ونجد ومن يمر عليه من غيرهم وهو ( العقيق )
بفتح أوله وكسر ثانيه وقافين
بينهما ياء مثناة ، وهو في اللغة : كل واد عقه السيل أي
شقه فأنهره ووسعه ، وسمي به
أربعة أودية في بلاد العرب ، أحدها : الميقات . وهو واد
يندفق سيله في غورى تهامة
كما عن تهذيب اللغة .
وفي المستند : وله طرفان
ووسط ، فأوله المسلخ - الميم وكسرها كما في
السرائر ، ثم بالمهملتين كما
عن فخر المحققين والتنقيح - أي : الموضع العالى أو مكان
أخذ السلاح ولبس لامة الحرب ،
ويناسبه تسميته ببريد البعث أيضا كما يأتي ، اوبالخاء
العجمة كما حكاه الشهيد
الثاني عن بعض الفقهاء ، أي موضع النزع سمي به ، لأنه
ينزع فيه الثياب للإحرام ،
ومقتضى ذلك تأخير التسمية عن وضعه ميقاتا ، وأوسطه
غمرة بالمعجمة ثم الميم
الساكنة وقيل : المكسورة ، ثم المهملة : منهلة من مناهل طريق
………………………………………….
1 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
مكة وهي فصل ما بين نجد
وتهامة كما عن الأزهري والقاموس ، سميت به ، لزحمة
الناس فيها ، وآخره : ذات
عرق بالمهملة المكسورة ثم المهملد الساكنة ، وهو : الجبل
الصغير ، سميت بها ، لأنه
كان بها عرق من الماء أي : قليل ، قيل : إنها كانت قرية
فخربت . انتهى .
ويشهد لكون أول العقيق السلخ
: جملة من النصوص كخبر أبي بصير عن
أحدهما عليهما السلام : حد
العقيق ما بين المسلخ الى عقبة غمرة ( 1 )
وخبره الآخر عن الامام الصادق
( عليه السلام ) قال حد العقيق : اوله المسلخ
وآخبره ذات عرق ( 2 ) .
ومرسل الصدوق ، قال الصادق (
عليه السلام ) وقت رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) لأهل العراق العقيق ،
وأوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق ، وأوله
افضل ( 3 ) . ونحوها غيرها .
ولكن في بعض النصوص : أول
العقيق بريد البعث كصحيح معاوية بن عمار
عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) قال : اول العقيق بريد البعث وهو دون المسلخ
بستة أميال مما يلي العراق ،
وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا بريدان ( 4 ) . وهذا
الخبر كما ينافي الأخبار
المتقدمة وما صرح به الأصحاب من أن اول العقيق المسلخ -
كذلك ينافيهما من جهة أن
لازم ذلك كون آخره غمرة ، لما دل من النصوص على آن
مسافة العقيق بريدان ، ما
بين بريد البعث الى غمرة بريدين ، وقد صرح بذلك
………………………………………….
1 - الوسائل باب 2 من أبواب
المواقيت حديث 5 .
2 - الوسائل باب 2 من أبواب
المواقيت حديث 7 .
3 - الوسائل باب 2 من أبواب
المواقيت حديث 9 .
4 - الوسائل باب 2 من أبواب
المواقيت حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
أيضا في صحيح عمر بن يزيد عن
أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : وقت رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) لأهل
المشرق العقيق نحوا من بريدان ما بين البعث الى
غمرة . الحديث ( 1 ) .
وفي رواية اخرى : أن آخر
العقيق أوطاس وهي جمع وطس : اسم واد في بلاد
هوازن مانت فيه وقعة حنين
لاحظ : صحيح معاوية عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) قال : آخر العقيق
بريد أوطاس ( 2 ) .
ولكن في مرسل ابن فضال عنه (
عليه السلام ) : أوطاس ليس من العقيق ( 3 ) .
ولا يحضرني الآن شئ يمكن أن
يجمع به بين هذه النصوص المختلفة في تعيين حدود
العقيق ، وأما من ناحية
الإحرام فسيأتي الكلام فيه فانتظر .
ونجد على ما صرح به الفيومى
، هو : ما ارتفع من الأرض ، والجمع : نجود ، سمي
به بلاد معر وفة من جزيرة
العرب أوها من ناحية الحجاز ذات عرق ، وآخرها سواد
العراق ، ولهذا قيل : ليست
من العراق .
وعن القاموس : أنه اسم لما
دون الحجاز مما يلي العراق أعلاه تهامة واليمن ،
وأسفله العراق والشام ،
وأوله من جهة الحجاز دات عرق . وهو مؤذن بدخول العراق .
كون العقيق ميقاتا لمن ذكر
مما لا خلاف فيه .
وفي المستند : نقل الإجماع
عليه مستفيض .
ويشهد لكونه ميقاتا لأهل
العراق : صحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق
( عليه السلام ) : من تمام
الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله ( صلى
………………………………………….
1 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 6 .
2 - الوسائل باب 2 من أبواب
المواقيت حديث 1 .
3 - الوسائل باب 2 من أبواب
المواقيت حديث 6 . ( * )
[ . . . ]
الله عليه وآله ) لاتجاوزها
إلا وأنت محرم ، فإنه وقت لأهل العراق - ولم يكن يومئذ عراق
بطن العقيق من قبل أهل
العراق ( 1 ) .
وصحيح عمر بن يزيدين عنه (
عليه السلام ) : وقت رسول الله ( صلى الله عليه وآله
لأهل المشرق العقيق نحوا من
بريدين ( 2 ) .
وصحيح علي بن جعفر عن أخيه (
عليه السلام ) أما أهل الكوفة وخراسان
وما يليهم فمن العقيق ( 3 )
. ونحوها غيرها .
ويشهد لكونه ميقاتا لأهل نجد
: صحيح أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله
( عليه السلام ) : ووقت لأهل
نجد العقيق وما انجدت ( 4 ) .
وصحيح علي بن رئاب عنه (
عليه السلام ) في حديث : ولأهل نجد العقيق ( 5 ) .
وصحيح الحلبي عن أبي عبد
الله ( عليه السلام ) : الإحرام من مواقيت خمسة
وقتها رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) - الى أن قال - ووقت لأهل نجد العقيق ( 6 ) .
وصحيح رفاعة بن موسى عنه (
عليه السلام ) : وقت رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) العقيق لأهل نجد ،
وقال : وهو وقت لما انجدت الأرض وأنت منهم ( 7 ) . ونحوها
غيرها .
ويشهد لكون العقيق ميقاتا
لمن يمر عليه : جملة من النصوص المتقدمة
………………………………………….
1 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 2 .
2 2 - الوسائل باب 1 من
أبواب المواقيت حديث 6 .
3 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 5 .
4 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 1 .
5 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 7 .
6 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 3 .
7 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 10 . ( * )
] وأفضله المسلخ
وأوسطه غمرة وآخره ذات عرق [
كصحيح عمر بن يزيد وصحيح الخزار
وصحيح رفاعة ، لأن قوله : وما انجدت . إشارة
الى وجوب الإحرام من هذا
الميقات على من مر به وإن لم يكن من أهل نجد ، لأن
الإنجاد الدخول في أرض نجد ،
وتانيث الضمير باعتبار الأرض المفهومة من السياق
في صحيح الخزاز والمصرح بها
في صحيح رفاعة ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك عند تعرض
المصنف - ره - لهذه المسألة
.
وصريح النصوص المتقدمة أن
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقت لأهل
العراق ذلك ، وقد ذهب الى
ذلك طائفة من أهل السنة ، ورووا في ذلك روايات ، ولكن
عن جماعة منهم أنه اقته عمر
بن الخطاب ، وعن جماعة آخرين منهم أنه ثبت قياسا ،
واستد لوا له بأن أهل العراق
كانوا مشركين في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وأجاب عن ذلك المصنف - ره -
في محكي التذكرة بقوله : ولا حجة فيه ، لعمه
( صلى الله عليه وآله )
بأنهم يسلمون أويمر على هذا الميقات مسلم كما عن أبي عبد الله
( عليه السلام ) ، ثم نقل
صحيح معاوية المتقدم .
والمشهور بين الأصحاب أنه
يجوز الإحرام اختيارا من كل من المسلخ وغمرة
وذات عرق ( و ) أن ( أفضله
المسلخ ، وأوسطه غمرة وآخره ذات عرق ) .
ويشهد به : جملة من النصوص ،
وقد تقدمت ، لاحظ : خبر أبي بصير ومرسل
الصدوق وخبر إسحاق المتقدمة
.
إنما الكلام هنا في موردين :
الأول : أنه قد عرفت دلالة
جملة من النصوص كخبر أبي بصير وصحيح عمر
بن يزيد وصحيح ابن عمار
المتقدمة على أن أول العقيق بريد البعث وهو دون المسلخ
بستة أميال ، وقد مر أنه لا
يمكن لنا الجمع بينها وبين النصوص والكلمات المصرحة
بأن أول العقيق المسلخ .
[ . . . ]
وما أفاده في المستند قال :
وقيل إن هذه الستة أميال وإن كانت من العقيق
ولكنها خارجة عن بطنه الذي
هو الميقات كما نص عليه في صحيحة ابن عمار الاولى .
انتهى . يرد عليه أن هذا الجمع
وإن كان يتم بالنسبة الى صحيح معاوية الثاني ، ولكن
لا يتم بالنسبة الى صحيح عمر
بن يزيد ، وقت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأهل
المشرق العقيق نحوا من
بريدين ما بين بريد البعث الى غمرة . فالمتعين أن يقال : إنه
لإعراض الأصحاب عن هذه
النصوص يتعين طرحها ، إذ الظاهر أن عدم جواز تقديم
الإحرام على المسلخ إجماعي ،
وفي المستند : وادعى بعضهم الاتفاق عليه ، وعلى فرض
عدم سقوطها بالإعراض الموهن
، ومعارضتها مع النصوص الاخر تقدم تلك
النوص ، للشهرة التي هي أول
المرجحات .
المورد الثاني : يجوز
التأخير الى ذات عرق اختيارا كما هو المشهور ، بل
قيل : كاد أن يكون إجماعا ،
بل عن الخلاف والناصر يات والغنية الإجماع عليه ، أم
لايجوز التاخير اليها إلا
لمرض أو تقية كما عن الشيخ في النهاية ، ووالد الصدوق
والصدوق في المقنع والهداية
، والشهيد في الدروس ، وظاهر المدارك الميل اليه ؟ وجهان .
يشهد للأول : خبر أبي بصير ،
ومرسل الصدوق ، وخبر إسحاق المتقدمة .
ويشهد للثاني : صحيح عمر بن
يزيد وصحيح معاوية ، وخبر أبي بصير المتقدمة .
وربما يقال : إن الجمع بين
الطائفتين إنما يكون بحمل نصوص المشهور على
التقية بشهادة ما رواه في
الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه كتب
الى صاحب الأمر أرواحنا فداه
، يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون
متصلا بهم يحج ويأخذ عن
الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ فهل يجوز لهذا الرجل
أن يؤخر إحرامه الى ذات عرق
فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة أم لا يجوز إلا أن
يحرم من المسلخ ؟ فكتب اليه
في الجواب : يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في
[ . . . ]
نفسه فإذا بلغ الى ميقاتهم
أظهره ( 1 ) .
ولكن يرد عليه : أن التوقيع
الشريف إن دل على تعين الإحرام من المسلخ فهو
مما لم يفت به أحد ، فلابد
من رد علمه الى قائله ، وإن دل على الفضل وأن مراد السائل
من يجوز ولا يجوز من جهة ترك
الأفضل فهولا يصلح شاهدا على ما ذكر .
وأما الجمع بذلك نفسه فهو
مخدوش من جهات لا تخفى .
وعن الحلي الجمع بين النصوص
بنحو آخر وارتضاه صاحبا الحدائق والجواهر ،
وحاصله : أنه يجوز الإحرام من
أي جهة من جهات العقيق إلا أن له ثلاثة أوقات : أولها :
المسلخ وهو أفضلها عند
ارتفاع التقية ، وأوسطها غمرة وهي يلي المسلخ في الفضل
عند ارتفاع التقية ، وآخرها
ذات عرق وهي أدونها في الفضل إلا عند التقية والشناعة
والخوف ، فذات عرق هي أفضلها
في هذا الحال ، وحينئذ فما في مكاتبة الحميري تعليم
للجمع بين مراعاة الفضل
والتقية - وهذا أيضا جمع تبرعي لا شاهد له .
فالحق أن يقال : إن النصوص
الدالة على عدم جواز التأخير الى ذات عرق مع
كثرتها وصحة أسانيدها أعرض
الأصحاب عنها ، فهي موهونة بذلك لابد من طرحها
، لسقوطها عن الحجية ، وقد
حقق في محله أن الخبر كلما ازداد صحة ازداد ضعفا
بالإعراض .
فان قيل إن جماعة من الأصحاب
عملوا بها وأفتوا بمضمونها فلا تكون معرضا
عنها .
قلنا : أولا : أن عمل نفر
قليل في مقابل إعراض الجل لا يفيد .
وثانيا : قد مر أن تلك
النصوص من جهة تضمنها أن أول العقيق هو بريد
البعث لم يفت أحد بمضمونها
فهى مطر وحة لذلك أيضا .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 2 من أبواب
المواقيت حديث 10 . ( * )
] فلا يجوز عبورها إلا
محرما [
وثالثا : أنه لم يثبت إفتاء
الشيخ وابني بابويه بذلك ، لاحظ : كلما تهم .
قال الشيخ - ره - في محكي
النهاية وقت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لكل
قوم ميقاتا على حسب طرقهم ،
فوقت لأهل العراق ومن حج على طر يقهم العقيق ،
وله ثلاثة أوقات أولها :
المسلخ وهو أفضلها ، ولا ينبغي أن يؤخر الانسان الإحرام منه
إلاعند الضرورة وأوسطها :
غمرة وآخرها : ذات عرق ، ولا يجعل إحرامه من ذات
عرق إلا عند الضرورة والتقية
لا يتجاوز ذات عرق إلا محرما على حال . انتهى .
وقال في محكي المقنع : ولأهل
العراق : العقيق ، وأول العقيق : المسلخ ، ووسطه :
غمرة ، وآخره : ذات عرق ،
ولا يؤخر الإحرام الى ذات عرق إلا من علة ، وأوله أفضل .
انتهى .
وظاهر هذه الكلمات أن ذات
عرق من العقيق غاية الأمر أن الأفضل أن لا
يؤخر الإحرام إليها ، وأصرح
من ذلك عبارة الدروس ، فإذا هذه النصوص مخالفة
للإجماع ، ولم يثبت إفتاء
أحد بمضمونها فالأقوى ما عليه المشهور .
والمتفق عليه بين الأصحاب
كون آخره : ذات عرق ( فلا يجوز عبورها ) أي : ذات
عرق ( إلا محرما ) ويشهد به
: النصوص المتقدمة .
فما في بعض النصوص المتقدمة
من أن آخر العقيق : أو طاس ، فلمخالفته
للإجماع والإتفاق لابد من
طرحه .
وقد يقال : إن أفضل مواضع
العقيق بركة الشريف وهي بركة مربعة في يمين
من يذهب من العراق الى مكة
في حواليها أشجار الشوك الكثيرة ، ولم يذكر لذلك
دليل سوى كونها أول المسلخ
وقد دل النص على أن أول العقيق أفضل ، ولكن في
المستنند : لم يظهر لي ذلك
بعد التفحص .
] ولأهل المدنية مسجد
الشجرة [
( و ) ثانيها : ما ( لأهل المدينة
) وهو ( مسجد الشجرة ) كما في المتن والمنتهى
والتذكرة والشرائع ، وعن
المقنعة والناصر يات وجمل العلم والعمل والمبسوط والخلاف
والنهاية والنافع والارشاد
والقواعد والكافي والاشارة والغنية والسرائر والمعتبر والتحرير
والمهذب ، بل جميع كتب الشيخ
والصدوق والقاضي والديلمي .
ويشهد به : طوائف من الأخبار
.
الاولى : ما دل على أن
الميقات هو مسجد الشجرة كصحيح معاوية عن الامام
الصادق ( عليه السلام )
المتضمن لبيان حج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : فلما
انتهى الى ذي الحليفة فزالت
الشمس اغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند
الشجرة فصلى فيه الظهر وعزم
بالحج ( 1 ) .
وصحيح الفضلاء عن أبي عبد
الله ( عليه السلام ) : إذا صليت في مسجد
الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر
الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم ، ثم قم فامش
حتى تبلغ الميل وتستوي بك
البيداء ، فاذا استوت بك فليه ( 2 ) . ورواه الصدوق
بإسناده عن حفص بن البختري
ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي
كلهم عن أبي عبد الله .
وما رواه المفيد في المقنعة
قال ( عليه السلام ) اذا أحرمت من مسجد الشجرة
………………………………………….
1 - الوسائل باب 2 من أبواب
أقسام الحج حديث 4 .
2 - الوسائل باب 35 من أبواب
الإحرام حديث 3 .
[ . . . ]
فلا تلب حتى تنتهي الى
البيداء ( 1 ) . ونحوها غيرها :
الثانية : ما دل على أن
الميقات ذو الحليفة ، ولكنه قد فسر بمسجد الشجرة
كصحيح الحلبي المتقدم : وقت
لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة ( 2 ) .
وخبر الأمالي : أن رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) وقت لأهل العراق العقيق -
الى أن قال - ووقت لأهل
المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة ( 3 ) .
وما عن المقنع : وقت رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) - الى أن قال - ولأهل المدينة
ذاالحليفة وهو مسجد الشجرة (
4 ) .
الثالثة : ما دل على أن
الميقات : الشجرة كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله ( عليه السلام ) :
من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ثم بداله أن يخرج في
غير طريق أهل المدينة الذين
يأخذونه فليكن إحرامه حذاء الشجرة من البيداء ( 5 ) .
وخبر علي بن جعفر عن أخيه عن
المتعة في الحج من أين أحرامها وإحرام
الحج ؟ قال ( عليه السلام )
: وقت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأهل العراق من
العقيق ، ولأهل المدينة ومن
يليها من الشجرة . الحديث ( 6 ) . ونحوهما في ذلك صحيح
الحلبي .
وتقريب الا ستد لال بها : أن
من المعلوم أن ليس المراد بالشجرة نفس الشجرة ،
………………………………………….
1 - الوسائل باب 34 من أبواب
الإحرام حديث 9 .
2 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 3 .
3 ت الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 11 .
4 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 12 .
5 - الوسائل باب 7 من أبواب المواقيت
حديث 1 .
6 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 9 . ( * )
[ . . . ]
بل الظاهر أن المراد بها
مسجد الشجرة .
الطائفة الرابعة : ما دل على
أن الميقات هو ذو الحليفة ، وفسر ذلك بالشجرة
كصحيح علي بن رئاب عن الامام
الصادق ( عليه السلام ) عن الأوقات التي وقتها
رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) للناس ، فقال ( عليه السلام ) : إن رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) وقت لأهل
المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة ( 1 ) .
ولا ينافي ذلك النصوص الدالة
على أنه ذو الحليفة من دون أن يفسره الظاهر
في بادئ النظر في أنه المكان
الذي فيه المسجد كصحيح أبي أيوب الخزاز المتقدم : وقت
لأهل المدينة ذا الحليفة ( 2
) .
وصحيح معاوية المتقدم أيضا
قال ( عليه السلام ) : ووقت لأهل المدينة ذا
الحليفة ( 3 ) . ونحوهما
غيرهما ، لا لما أفاده في العروة من أنه يجب حمل المطلق على المقيد ،
لأن مسبة المسجد الى ذي
الحليفة - بناء على أنه المكان الذي فيه المسجد - نسبة الجزء
الى الكل لا الجزئي الى
الكلي ، بل ، لأنه فسر في النصوص الاخر ذو الحليفة بالسجد ،
وعليه فما في حملة من كلمات
الفقهاء من أن ميقات أهل المدينة ذو الحليفة إنما هو لأجل
تبعية النصوص ، وإلا فمرادهم
منه هو المسجد ، وعليه فلا خلاف في هذا الميقات .
قال السيد في العروة : لكن
مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد
ولو اختيارا وإن قلنا بأن ذا
الحيفة هو المسجد ، وذلك لأن مع الإحرام من جوانب
المسجد يصدق الإحرام منه
عرفا إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد أو بالإحرام
فيه .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 1 من أبواب
الموقيت حديث 7 .
2 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 1 .
3 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
هذا ، مع إمكان دعوى أن المسجد
حد للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته ، وإن
شئت فقل : المحاذاة كافية
ولو مع القرب . انتهى .
أقول : يرد على ما أفاده
أولا : أن الإحرام من خارج المسجد لو صدق عليه
الإحرام من المسجد فإنما هو
من الجانب المتصل به دون الجانب منه مع عدم الاتصال ،
لأن الابتداء حينئذ ليس من
المسجد .
ويرد على الثاني : إن ظاهر
النصوص خصوصية المسجد لا أنه اخذ في
الموضوع بلحاظ البعد عن مكة
فيكفي جميع ما يحاذيه من المواضع المساوية له في
البعد ، وأما الثالث فسيأتي
الكلام في الميقات التاسع في أن كفاية ألمحاذاة هل تكون
مختصة بصورة البعد ، أم تشمل
القريب من المسجد ، فانتظر .
وقد اختلفت كلمات اللغويين
بل الفقهاء في مقدار بعد ذي الحليفة عن
المدينة ، فعن القاموس : أنه
موضع على ستة أميال من المينة وهو ماء لبني جشم .
وعن النووي في تهذيب الأسماء
واللغات : أنه بضم الحاء المهملة وفتح اللام
وإسكان الياء المثناة من تحت
وبالفاء ، وهو على نحو ستة أميال من المدينة . وقيل :
سبعة . وقيل : أربعة .
وفي شرح مسلم لعياض : ذو
الليفة ماء لبني جشم . انتهى . ونحوه ما عن
تحريره .
وعن المصباح المنير : ماء من
مياه بني جشم ، ثم سمي به الموضع ، وهو ميقات
أهل المدينة نحو مر حلة ،
ويقال على ستة أميال .
] وعند الضرورة الجحفة
[
وفي التذكرة ، وعن المسوط :
وهو على عشرة أميال من مكة وعن المدينة ميل .
وعن شرح الإرشاد لفخر
الإسلام : ويقال لمسجد الشجرة ذو الحليفة ، وكان
قبل الإسلام اجتمع فيه ناس
وتحالفوا . ونحوه عن التنقيح .
أقول : ريب في أنه لا فائدة
في هذا النزاع والاختلاف ، إذ مسجد الشجرة
لم يزل معروفا من صدر
الإسلام الى اليوم كما صرح به في الجواهر ، ولعل وقوع
الاختلاف المذكور من الغرائب
.
الجحفة
ميقات لأهل المدينة عند الضرورة
ثم انه لا اشكال ( و ) لا خلاف
بينهم في أنه يجوز لأهل المدينة أن يحرموا ( عند
الضرورة ) من ( الجحفة )
ويشهد به النصوص الاتية .
إنما الكلام في موارد : 1 -
في تعيين الجحفة ، وبيان المراد منها .
2 - في أنه هل يجوز تأخير
الإحرام اليها اختيارا أم لا ؟
3 - أنه هل يختص الضرورة
بالمرض والضعف أم تعم كل ضرورة ؟
4 - في أنه هل يجوز الإحرام
منها اختيارا إذا مشى من غير طريق ذي الحليفة ،
فيختص المنع بمن مشى من ذلك
الطريق ، أم لا يجوز ؟
5 - في أنه بناء على عدم
جواز التأخير لو لم يحرم من ذي الحليفة وجاوزه
فأحرم من الجحفة هل يكون
إحرامه صحيحا وإن عصى بالتأخير أم لا ؟
أما الأول ففي المستند :
الجحفة بالجيم المضمومة ثم المهملة الساكنة ثم الفاء
المفتوحة فناء على سبع مراحل
من المدينة وثلث من مكة كما عن بعض أهل اللغة .
[ . . . ]
وعنه : أن بينها وبين البحر
نحو ستة أميال ، وعن غيره ميلان . قيل : ولا
تناقض ، لاختلاف البحر
باختلاف الازمنة .
وقيل : كانت مدينة فخربت
سميت بها : لاجحاف السيل بها أي ذهابه بها ،
وسميت مهيعة بفتح الميم
وسكون الهاء وفتح الياء المثناة التحتانية معناه : المكان
الواسع .
وفي القاموس : كانت قرية
جامعة على اثنين ميلا من مكة يسمى مهيعة
فنزل بها بنو عبيد وهم إخوة
عاد وكان أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل
فاجتحفهم فسميت الجحفة .
وعن المصباح المنير : منزل
بين مكة ومدينة قريب من رابغ بين بدر وخليص .
انتهى .
وفي المجمع : هي مكان بين
مكة والمدينة محاذية لذي الحليفة من الجانب الشامي
قريب من رابغ بين بدر وخليص
.
وقال : ياقوت : كانت قرية
كبيرة ذات مبني على طريق المدينة من مكة على
أربع مراحل وهي ميقات مصر
والشام إن لم يمروا على المدينة ، وإنما سميت الجفحة ،
لان السيل اجتحفها وحمل
أهلها في بعض الاعوام وهي الآن خراب . انتهي .
وقيل إنها تبعد من مكة المكرمة
تقريبا مائتين وعشرين كيومترا .
وأما المورد الثاني ،
فالمشهور بين الاصاب شهرة عظيمة انه لا يجوز التاخير
اليها اختيارا ولم يخالف إلا
الجعفي وابن حمزة في الوسيلة ، فانها جوز التاخير اليها
اختيارا .
استدل للاول بجملة من النصوص
كخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي
الحسن موسى ( عليه السلام )
قال : سالته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد
[ . . . ]
وكثرة الايام يعني الاحرام
من الشجرة وأرادوا أن ياخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا
منها ، فقال ( عليه السلام )
: لا - وهو مغضب - من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلا
من المدينة ( 1 ) .
قوله : إلا من المدينة . أي
: من ميقات أهل المدينة هو مسجد الشجرة ، كما دل
على ذلك النصوص المتقدمة .
وخبر أبي بصير ، قلت لابي
عبد الله ( عليه السلام ) : خصال عابها عليك أهل
مكة ، قال : وما هي ؟ قلت :
قالوا أحرم من الجحفة ورسول الله صلى الله عليه وآله أحرم
من الشجرة . قال : الجحفة
أحد الوقتين فاخذت بادناهما وكنت عليا ( 2 ) ، إذ ظاهره أن
وجه تاخيره كونه عليلا فيدل
بالمفهوم على عدم جواز التاخير بدون ذلك .
وصحيح أبي بكر الحضرمي ، قال
أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إني خرجت باهلي
ماشيا فلم أهل حتى أتيت
لجحفة وقد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسالون عني
فيقولون : لقيناه وعليه
ثيابه وهم لا يعلمون وقد رخص رسول الله ( عليه السلام ) لمن
كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم
من الجحفة .
هذا ، مضافا الى ما تقدم من
النصوص المعينة لمسجد الشجرة لأهل المدينة
الظاهرة في التعيين .
واستدل للقول الآخر بصحيح
علي بن جعفرعن أخيه موسى ( عليه السلام ) ،
قال سالته عن إحرام أهل
الكوفة وأهل خراسان وما يليهم ، وأهل الشام ومصر من
أين هو ؟ قال : أهل الكوفة
وخراسان وما يليهم فمن العقيق ، وأهل المدينة من ذي
………………………………………….
1 - الوسائل باب 8 من أبواب
المواقيت حديث 1 .
2 - الوسائل باب 6 من أبواب
المواقيت حديث 4 .
3 - الوسائل باب 6 من أبواب
المواقيت حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
الحليفة والجحفة ، وأهل
الشام ومصر من الجحفة ، وأهل اليمن من يلملم . الحديث ( 1 ) .
وصحيح معاوية بن عمار أنه
سال أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل من أهل
المدينة أحرم من الجحفة .
فقال ( عليه السلام ) : لا باس ( 2 ) .
وصحيح الحلبي ، سالت أبا عبد
الله ( عليه السلام ) : من أين يحرم الرجل إذا
جاوز الشجرة ؟ فقال ( عليه
السلام ) : من الجحفة ولا يجاوز الجحفة إلا محرما ( 3 ) .
ولا جل هذه النصوص الصريحة
في الجواز أي جواز الاحرام من الجحفة
اختيارا حمل هذا القائل نصوص
تعين مسجد الشجرة على إرادة الأفضلية .
والتحقيق : أن يقال : هذه
النصوص وإن كانت ظاهرة في الجواز وصالحة
للقرينية على حمل نصوص تعين
مسجد الشجرة على إرادة الافضلية ، وخبرين من
أخبار عدم الجواز قابلان
للمناقشة في دلالتهما عليه وهما خبرا إبراهيم ، وأبي بصير .
أما الأول ، فلانه من
المحتمل إرادة الحصر بالإضافة الى ذات عرق ، بل الجمع
بينه وبين خبر أبي بصير
المصرح بأن الجحفة أحد الوقتين يقتضي ذلك .
. وأما الثانى ، فلظهورة
بقرينة قوله : الجحفة أحد الوقتين . في أن الاعابة كانت
بلحاظ تركه الافضل ،
واعتذاره بانه كان عليلا عن ذلك ، إلا أن صحيح الحضرمي
ظاهر في اختصاص الترخيص
بالمريض الضعيف لتضمنه معنى الشرط ، فيدل
بالمفهوم على عدم الجواز في
غير حال المرض والضعف ، وهو يصلح قرينة لحمل خبر
علي بن جعفر على إرادة بيان
أصل المشروعية ولو في حال الاضطرار ، وحمل صحيح
معاوية على إرادة أن متوطن
المدينة له أن يحرم من الجحفة ولو في بعض الموارد دفعا
………………………………………….
1 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 5 .
2 - الوسائل باب 6 من أبواب
المواقيت حديث 1 .
3 - الوسائل باب 6 من أبواب
المواقيت حديث 3 .
[ . . . ]
لتوهم السائل أن أهل المدينة
وإن مروا على طريق الشام يتعين عليهم الإحرام من
مسجد الشجرة ، فليحملا على
ذلك جمعا بين النصوص .
وأما صحيح الحلبى فالمفروض
فيه التجاوز عن الشجرة فلا يكون في مقام
بيان حكم التجاوز عنها وأنه
يجوز أم لا يجوز ، فإذا ما أفاده المشهور هو الأظهر .
وأما المورد الثالث ،
فالجمود على ظواهر النصوص يقتضي البناء على
الاختصاص بالمرض والضعف
للتصريح بهما في صحيح الحضرمي ، وبالمرض في خبر
أبي بصير ، إلا أن الأصحاب
فهموا منهما إرادة المثال ، وإلا فالمدار على الضرورة وهو
حسن ، وطريق الاحتياط معلوم
.
وأما المورد الرابع ، ففي
المستند والجواهر والعروة وعن الدروس والمدارك أنه
لو عدل عن طريقه ولو من
المدينة في الابتداء جاز وأحرم منها اختيارا .
واستدل له في الجواهر بأنها
أحد الوقتين .
وفيه : أن الجمع بين النصوص
اقتضى حمل ذلك على إرادة أحدهما في حال
الضرورة لا مطلقا ، فالأولى
أن يستدل له بعموم ما دل على أنه يجوز الإحرام من أي
ميقات أتفق المرور عليه ولو
لغير أهله ، وأن المراد بأهل كل ميقات من يمر عليه ، كما
يشهد به مضافا الى وضوحه ،
صحيح معاوية المتقدم الذي حملناه على إرادة ذلك
فلاحظه .
وبذلك يظهر أنه لو أتى الى
ذي الحليفة ورجع منه ومشى من طريق آخر له
أن يحرم من الجحفة ، وأن ما
دل على عدم جواز المرور عن الميقات بغير إحرام ظاهر
في ارادة التجاوز عنه ،
والمفروض في المثال عدم التجاوز فيشمله إطلاق ما دل على أن
كل من مر على ميقات له أن
يحرم منه ، وأما خبر إبراهيم المتقدم فهو ضعيف السند ،
فتأمل .
[ . . . ]
وأما المورد الخامس ، فعن
الدروس والمدارك وفي الجواهر أنه يصح إحرام من
أخر الإحرام عن ذي الحليفة
من الجحفة وإن عصى بتأخير الإحرام عنه .
واحتمل بعض أعاظم المعاصرين
عدم العصيان أيضا .
وفي الحدائق : لا يصح إحرامه
حينئذ منها .
وفي المستند : التفصيل
بالإمكان وعدم المشقة فلا يصح وإلا فيصح .
واستدل للأول في الجواهر
بصدق الإحرام من الميقات الذي هو وقت لكل من
يمر عليه وإن كان آثما أولا
عند المرور على الأول إلا أن ذلك لا يخرجه عن صدق
اسم المرور على الثاني ،
مضافا الى إطلاق نفي البأس عن الإحرام منه ، وتقييد الحكم
التكليفي لا يقتضي تقييدا
لحكم الوضعي المستفاد من ظاهر النصوص . انتهى ، ولعله
لذلك قال سيد المدارك :
ينبغي القطع بذلك .
أقول : لا يبعد دعوى اختصاص
ما دل على أن كل من مر على ميقات فهو
ميقات له بمن لم يمر على
ميقات بلده ، لا حظ : خبر صفوان كتب الى الامام الرضا
( عليه السلام ) : أن قوما
من أهل البصرة يمرون على بطن العقيق ولا يحرمون منه وإنما
يريدون الإحرام من منزل وراء
العقيق بخمسة عشر ميلا فكتب : أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وقت المواقيت
لأهلها ، ومن أتى عليها من غير أهلها ( 1 ) . الى آخره .
وأما نفي إطلاق البأس عن
الإحرام منه قيد بصورة الإضطرار ولم يقيد
خصوص الحكم التكليفي .
وبذلك ظهر وجه القول الثاني ،
ويشهد به مضافا الى ذلك : خبر إبراهيم بن
عبد الحميد المتقدم فيمن
يريد الإحرام من المدينة فأراد أن يأخذ منها الى ذات عرق ،
………………………………………….
1 - الوسائل باب 15 من أبواب
المواقيت حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
قال ( عليه السلام ) : من
دخل المدينة فليس له أن يحرم إلا من المدينة ( 1 ) . فتأمل ، فإن
الخبر ضعيف السند .
وصحيح الحلبي ، قال : سألت
أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل ترك الإحرام
حتى دخل الحرم ، فقال : يرجع
الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن
خشي أن يفوته الحج فليحرم من
مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ( 2 ) .
وخبر علي بن جعفر عن أخيه (
عليه السلام ) عن رجل ترك الإحرام حتى
انتهى الى الحرم كيف يصنع ؟
قال : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون به
فيحرم ( 3 ) .
ودلالتهما على المدعى واضحة
، وبهما يقيد إطلاق ما دل على أن من مر على
ميقات فهو ميقاته لو كان له
إطلاق شامل للمقام .
وأما التفصيل الذي ذهب اليه
في المستند ، فالظاهر أن مدرك الاكتفاء في صورة
المشقة وعدم الإمكان هو ما
دل على أن الجحفة ميقات لأهل المدينة عند الضرورة .
ولكن يرد عليه : أن التعدي
عن المرض والضعف الى مثل هذه الضرورة غير
ظاهر ، نعم إذا خاف فوت الحج
إن رجع الى الميقات الأول جاز الإحرام منها لصحيح
الحلبي .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 15 من أبواب
المواقيت حديث 2 .
2 - الوسائل باب 14 من أبواب
المواقيت حديث 7 .
3 - الوسائل باب 14 من أبواب
المواقيت حديث 9 . ( * )
[ . . . ]
حكم
إحرام الحائض والجنب من أهل المدينة
فرع : اذا كان المحرم جنبا
أو حائضا ولم يكن استعمال الماء ميسورا له ولو
لضيق الوقت ، فعلى القول
بجواز الإحرام من خارج المسجد أو جواز الإحرام من
الجحفة اختيارا لا إشكال .
وأما على ما اخترناه من لزوم
كون الإحرام من داخل المسجد وأنه لا يجزي
الإحرام من الجحفة اختيارا ،
فإن أمكن الإحرام في حال الاجتياز من المسجد لا كلام ،
وإن لم يمكن فهل يحرمان من
خارج المسجد كما عن الشهيد الثاني والمدارك والذخيرة
لوجوب قطع المسافة من المسجد
الى مكة محرما ، أم يؤخر انه الى الجحفة لكون العذر
ضرورة مبيحة للتأخير كما في
المستند ، أم يحرمان من خارج المسجد ويجددان الإحرام
من الجحفة أو محاذاتها ، أم
يفصل بين الحائض غير المنقطع دمها وبين الجنب والحائض
التي انقطع دمها ؟ وجوه
وأقوال .
والحق أن يقال : إن الجنب
والحائض المنقطع دمها يتيمان بدلا عن غسل
الجنابة والحيض ، إما للصلاة
، أو للكون في المسجد ، فيدخلان المسجد ويحرمان منه
ويصح إحرامهما .
ودعوى : أنه لا يشرع المكث
في المسجد لها مع التيم ، لقوله تعالى : ( ولا جنبا
إلا عابري سبيل حتى تغسلوا )
( 1 ) فجعل الغاية هو الغسل ، ولو أباحه التيمم لكان
أيضا غاية كما عن فخر
المحققين بن المصنف ( ره ) .
أجبنا عنها في مبحث التيم
مفصلا ، وحاصله : أن أدلة بدلية التيمم تكون
………………………………………….
1 - النساء : آية 43 . ( * )
[ . . . ]
حاكمة على الآية الكريمة
كحكومتها على غيرها من الأدلة ، كما أن ما أفاده بعض
الأعاظم من أن جعل المكث
غاية للغسل أو التيمم لايخلو عن إشكال ، إذ المتوقف
عليها جواز المكث لا نفس
المكث أجبنا عنه في الجزء الثالث من هذا الشرح في مبحث
وجوب إزالة النجاسة عن
المسجد .
وأما الحائض قبل نقائها
وانقطاع دمها فلا يشرع التيمم لها ، لأنه لا يقتضي
الإباحة فضلا عن رفع الحدث ،
ولا وجه لإحرامها من خارج المسجد ، لفرض أن
الميقات نفس المسجد وكفاية
المحاذاة إنما هي مع البعد ، فلا تتمكن من الإحرام قبل
الجحفة فيجوز لها تركه وتحرم
من الجحفة لا لكون ذلك عذرا ، بل لعموم ما دل على
أن من مر على ميقات يحرم منه
، وأن المراد من أهل كل ميقات من يمر عليه .
نعم بناء على كفاية المحاذاة
حتى للقريب يجب عليها أن تحرم من خارج
المسجد ، وسيمر عليك الكلام
في المبني .
وبذلك ظهر وجه الاحتياط بأن
تحرم من خارج المسجد وتجدد الإحرام من
الجحفة .
وأما خبر يونس بن يعقوب ،
قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن
الحائض تريد الإحرام ، قال (
عليه السلام ) تغتسل وتستثفر وتحتشي بالكرسف وتلبس
ثوبا دون ثياب إحرامها
وتستقبل القبلة ولا تدخل المسجد وتهل بالحج بغير
الصلاة ( 1 ) . الذي استدل
به سيد العروة لوجوب إحرامها من خارج المسجد ، فالظاهر
كونه أجنبيا عن المقام ،
لوروده في إحرام الحج دون العمرة ، اللهم إلا أن يقال : إن
العمرة جزء من الحج فيصح أن
يقال : إنها تهل بالحج في صورة الإهلال بالعمرة ،
فتأمل ، ولعله هذا الخبر
يوجب صيرورة الاحتياط المتقدم لزوميا .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 48 من أبواب
الإحرام حديث 2 .
]وهي ميقات أهل الشام اختيارا[
الجحفة
ميقات لأهل الشام ومصر والمغرب
ثالثها : الجحفة ( وهي ميقات
أهل الشام ) ومصر ، والمغرب ، ومن يمر عليها
من غيرهم ( اختيارا ) بلا
خلاف في شئ من ذلك ، ويشهد بالجميع نصوص كثيرة .
اما كونها ميقاتا لأهل الشام
فيشهد به صحيح رفاعة بن موسى عن أبي
عبد الله ( عليه السلام )
وقت رسول الله صلى الله عليه وآله العقيق - الى أن قال -
ووقت لأهل الشام الجحفة
ويقال لها : المهيعة ( 1 ) .
وصحيح الحلبي عنه ( عليه
السلام ) في حديث : ووقت لأهل الشام الجحفة ( 2 ) .
ونحوهما غيرهما .
وأما كونها ميقاتا لأهل مصر
، فيشهد به صحيح علي بن جعفر عن اخيه الإمام
موسى ( عليه السلام ) : وأهل
الشام ومصرمن الجحفة ( 3 ) . ونحوه غيره .
وأما كونها ميقاتا لأهل
المغرب فيشهد به صحيح أبي أيوب الخزاز ، قال : قلت
لأبي عبد الله ( عليه السلام
) : حدثني عن العقيق أوقت وقته رسول الله صلى الله عليه
وآله أو شئ صنعه الناس ؟
فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت لأهل المدينة
ذا الحليفة ووقت لأهل المغرب
الجحفة وهي عندنا مكتوبة مهيعة ( 4 ) . الى آخره .
ويشهد لكونها ميقاتا لمن يمر
عليها من غيرهم صحيح صفوان بن يحيى المتقدم
عن أبي الحسن الرضا ( عليه
السلام ) ، فكتب - أي الإمام ( عليه السلام ) - أن رسول
………………………………………….
1 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 10 .
2 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 3 .
3 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 5 .
4 - الوسائل باب 1 من أبواب
المواقيت حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
ولليمن يلملم
الله صلى الله عليه وآله وقت
المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها وفيها
رخصة لمن كانت به علة فلا
تجاوز الميقات إلا من علة .
( و ) الرابع : ما ( ل ) أهل
( اليمن ) وهو ( يلملم ) بلا خلاف فيه ، والنصوص
الدالة عليه مستفيضة ، ففي
صحيح الحلبي المتقدم : ووقت لأهل اليمن يلملم . ونحوه
صحيح الخزاز وصحيح معاوية بن
عمار وغيرهما .
واليمن على ما عن المراصد
بالتحريك سميت باليمن لتيا منهم لما تفرقت
العرب من مكة كما سميت الشام
لأخذهم الشمال ، والبحر يحيط بأرض اليمن من
المشرق الى الجنوب ثم راجعا
الى المغرب يفصل بينهما وبين باقي جزيرة العرب خط
يأخذ من بحر الهند الى بحر
اليمن عرضا في البرية من المشرق الى جهة المغرب .
وأما يلملم ، فعن المصباح
المنير والقاموس : قيل الأصل : الملم . فخففت
الهمزة ، وقد يقال : يرموم .
وعن شرح الارشاد أنه واد .
وعن القواعد : أنه جبل وفي الجواهر : جبل أو واد
يقال له : يلملم ، والملم ،
ويرموم . وهو على مرحلتين من مكة ، وقيل : إنه جبل ، ويبعد عن
مكة تقريبا أربعة وتسعون
كيلومترا .
وعن كتاب البلدان من مكة الى
صنعاء إحدى وعشرون مرحلة فأولها الملكان
ثم يلملم .
وقال ياقوت يلملم ، ويقال :
الملم وململم المجموع موضع على ليلتين من مكة
وهو ميقات أهل اليمن ، وفيه
مسجد معاذ بن جبل .
[ . . . ]
وللطائف قرن المنازل
ويعلم من هذه الكلمات أنه لا
خلاف بينهم في محله وإنما الاختلاف في أنه واد
أو جبل .
( و ) خامسها : ما ( ل ) أهل
( الطائف ) وهو ( قرن المنازل ) بفتح القاف
وسكون الراء المهملة خلافا
للمحكي عن الجوهري ففتحهما وزعم أن اويس القرني
منسوب اليه .
وفي كشف اللثام إتفق العلماء
على تغليطه فيهما وإنما اويس من بني قرن بطن
من مراد بخلاف ما نحن فيه
فإنه جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكه ،
ويقال له : قرن الثعالب وقرن
بلا إضافة ، وعن بعض : أن قرن الثعالب غيره وأنه جبل
مشرف على أسفل منى بينه وبين
مسجدها ألف وخمسمائة ذراع . كذافي الجواهر .
قال القاضي عياض : قرن
المنازل وهو قرن الثعالب - بسكون الراء - ميقات
أهل نجد تلقاء مكة على يوم
وليلة ، وهو قرن أيضا غير مضاف ، وأصله الجبل الصغير
المستطيل المنقطع عن الجبل
الكبير ، ورواه بعضهم قرن بفتح الراء . وهو غلط إنما
هو قبيلة من اليمن .
ومن الغريب ما في مجمع
البحرين ، قال : والقرن موضع وهو ميقات أهل نجد
ومنه اويس القرني ، ويسمى
أيضا قرن المنازل ، لما عرفت من اتفاق العلماء على تغليط
الجوهري في تحريكه ، ونسبة
اويس القرني اليه ، وكيف كان فالأمر سهل يعد معلومية
المكان المخصوص لدى المترددين
.
وقد دلت النصوص الصحيحة على
أنه ميقات أهل الطائف كصحيح الخزاز :
[ . . . ]
ولحج التمتع مكة ومن كان
منزله أقرب من الميقات فمنزله ميقاته
ووقت لأهل الطائف قرن
المنازل ، ونحوه صحيح معاوية بن عمار ، وصحيح الحلبي
المتقدم جميعها ، ونحوها
غيرها .
ولا ينافي ذلك ما في صحيح
علي بن رئاب المتقدم : ووقت لأهل اليمن قرن
المنازل . وما في صحيح عمر
بن يزيد عن الصادق ( عليه السلام ) وقد تقدم : ولأهل
نجد قرن المنازل ، فإنه لابد
من حمل الثاني على التقية أو على إرادة أن لنجد طريقين :
أحدهما يمر بالعقيق ، والآخر
يمر بقرن المنازل ، كما أن الأول يحمل على أن لليمن
طريقين : أحدهما بقرن
المنازل والآخر بيلملم .
تنبيه : عن المصنف في
المنتهى : أبعد تلك المواقيت الخمسة ذوالحليفة وهو على
عشرة مراحل من مكة على ميل
من المدينة ، ويليه في البعد الجحفة ، والمواقيت الثلاثة
الباقية على مساحة واحدة
بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان .
سادسها : مكة ( و ) قد تقدم
تفصيل القول في أن الميقات ( لحج التمتع مكة )
في الشرط الرابع من شروط حج
التمتع ، فلا نعيد .
ميقات
من منزله أقرب من الميقات
سابعها : ما ذكره بقوله : ( ومن
كان منزله أقرب من الميقات فمنزله ميقاته )
وهو المشهور بين الأصحاب .
وفي المنتهى : ذهب اليه
علمائنا أجمع ، وهو قول أهل العلم كافة إلا مجاهد . انتهى ،
وفي التذكره : باجماع
العلماء خلافا لمجاهد . انتهى .
وفي الجواهر : بل الإجماع
بقسميه عليه . انتهى .
ويشهد به كثير من الاخبار
الواردة عنهم عليهم السلام كصحيح معاوية بن
[ . . . ]
عمار عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) : من كان منزله دون الوقت الى مكة فليحرم من
منزله ( 1 ) .
وعن التهذيب بعد ما روى ذلك
وقال في حديث آخر اذا كان منزله دون
الميقات الى مكة فليحرم من
دويرة أهله ( 2 ) .
وصحيح عبد الله بن مسكان قال
: حدثني أبو سعيد قال : سألت أبا عبد الله
( عليه السلام ) عمن كان
منزله دون الجحفة الى مكة ، قال ( عليه السلام ) : يحرم منه ( 3 ) .
وصحيح مسمع عنه ( عليه السلام ) اذا كان منزل الرجل دون ذات عرق
الى
مكة فليحرم من منزله ( 4 ) .
ونحوها غيرها من الأخبار .
وهذه النصوص - كما ترى -
متفقة على ان المعتبر القرب الى مكة كما أفتى
المشهور بذلك .
ولكن عن موضع من المعتبر
اعتبار القرب الى عرفات ، وكذا في كنز العرفان .
والنصوص تدفع ذلك .
وأفاد بعض الأعاظم أن المراد
من القرب الى مكة أنه دون الميقات الى جهة
مكة . وهذا يلازم كونه أقرب
الى عرفات من الميقات فلا تفاوت بين العبارتين عملا
ولا خارجا وإن كان بينهما
تفاوت مفهوما انتهى ، وعلى هذا فلا يهم التعرض لما استدل
به له في مقابل النص
والإيراد بأنه اجتهاد في مقابل النص .
وهل يشمل هذا الحكم أهل مكة
إذا أرادوا أن يحجوا حج الإفراد أو القران كما
………………………………………….
1 - الوسائل باب 17 من أبواب
المواقيت حديث 1 .
2 - الوسائل باب 17 من أبواب
المواقيت حديث 2 .
3 - الوسائل باب 17 من أبواب
المواقيت حديث 4 .
4 - الوسائل باب 17 من أبواب
المواقيت حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
هو المشهور بين الأصحاب ،
وفي المستند : نفي بعضهم الخلاف فيه ، أم لا ؟ وجهان ، يشهد
للأول مرسل الفقيه : وسئل
الصادق ( عليه السلام ) عن رجل منزله خلف الجحفة من
أين يحرم ؟ قال ( عليه
السلام ) من منزله ( 1 ) . فإن مقتضى إطلاقه ثبوت هذا الحكم لأهل
مكة . وقد مر غير مرة أن
المرسل اذا كان مرسله ينسب ما تضمنه الى المعصوم ( عليه
السلام ) يكون حجة ، وغير
الحجة هو ما كان بلسان : روي . وما شاكل .
وخبر ابن أبي نصر عن أخيه
رياح : قال ، قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) إنا
نروي أن عليا ( عليه السلام
) قال : إن من تمام الحج والعمرة أن يحرم الرجل من دويرة
أهله . فقال : قد قال ذلك
علي ( عليه السلام ) لمن كان منزله خلف هذه المواقيت ( 2 ) .
ويمكن الاستدلال بالنصوص
المتقدمة بالتقريب الذي ذكره في المستند : بأن
يكون المراد بها من كان
منزله في جميع ذلك الموضع المبتدأ بدون الميقات المنتهى بمكة .
ثم قال : واستشكل بعضهم من
جهة أن الأقربية الى مكة تقتضي المغايرة .
وأجاب عنه : بأن الأقرب إنما
ورد في كلام الأصحاب دون أخبار الأطياب .
وعن الفاضل الخراساني :
الإشكال في الحكم : بأن في حديثين صحيحين ما
يخالف ذلك .
أحدهما : صحيح سالم الحناط ،
قال : كنت مجاورا بمكة فسألت ابا عبد الله ( عليه
السلام ) من أين أحرم بالحج
؟ فقال ( عليه السلام ) من حيث أحرم رسول الله صلى
الله عليه وآله من الجعرانة
أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف وفتح خيبر والفتح
( 3 ) . الحديث .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 17 من أبواب
المواقيت حديث 6 .
2 - الوسائل باب 17 من أبواب
المواقيت حديث 9 .
3 - الوسائل باب 9 من أبواب
المواقيت حديث 6 . ( * )
[ . . . ]
ثانيهما : صحيح عبد الرحمان
بن الحجاج ، قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إني
أريد الجوار بمكة فكيف أصنع
؟ فقال ( عليه السلام ) اذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة
فاخرج الى الجعرانة فأحرم
منها بالحج ( 1 ) .
وأجاب عنه في العروة : بأن
المتيقن منهما المجاور الذي لم ينتقل فرضه فلا
يشملان محل الكلام ، وهو
المجاور الذي انتقل فرضه .
ولكن يرد عليه : أن في ذيل
صحيح ابن الحجاج ينقل ( عليه السلام ) محاجته
مع سفيان ، ويعترض عليه
سفيان بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أحرموا
من المسجد ، قال : فقلت : إن
اولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء وأن هؤلاء قطنوا
مكة فصاروا كانه من أهل مكة
وأهل مكة لا متعة لهم . فأجبت أن يخرجوا من مكة الى
بعض المواقيت وأن يستغبوا به
أياما . الحديث ، فإنه لو لم يكن صريحا في أن مورده من
انتقل فرضه فلا أقل من كونه
ظاهرا فيه أو كونه المتيقن ، مع أن كون فرد متيقنا لا
يوجب تقييد الإطلاق .
وأجاب عنه في الحدائق ،
وتبعه غيره : بأن الصحيحين مختصان بالمجاور ولا
يعمان المتوطن ، ومن المحتمل
اختصاص الحكم به ، وما دل على أن المجاور بعد إقامة
سنتين بحكم أهل مكة .
وفي الصحيح : كأنهم من أهل
مكة ، اريد بهما انه بحكمهم في عدم المتعة لا من
جميع الجهات .
وعليه فأهل مكة يحرمون منها
، والمجاور يحرم من الجعرانة وهي أحد مواضع
أدنى الحل ، والأحوط لأهل
مكة أيضا أن يحرموا منها .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 9 من أبواب
أقسام الحج حديث 5 .
[ . . . ]
وفخ
هذا كله في حج الإفراد
والقران ، وأما اذا أرادوا التمتع فقد مر بيان ميقاته في
مسألة ما لو صار الآفاقي
مقيما بمكة . فراجع .
وهل يكون إحرام هؤلاء من
منزلهم من باب الرخصة فيجوز لهم الإحرام من
أحد المواقيت كما عن جماعة ،
بل عن الكافي والغنية والاصباح : ان الإحرام من الميقات
أفضل ، أم يكون من باب
العزيمة فلا يجوز ؟ ظاهر النصوص هو الثاني .
واستدل لأفضلية الإحرام من
الميقات كاشف اللثام وسيد العروة : ببعد
المسافة ، وطول الزمان .
وهما كما ترى .
نعم يمكن أن يقال : إنهم اذا
ذهبوا الى أحد المواقيت يجوز لهم الإحرام منه ،
لصدق المرور على الميقات ،
كما لا يخفى .
( و ) ثامنها : ( فخ ) بفتح
الفاء وتشديد الخاء المعجمة .
وفي المجمع : أنه بئر قريبة
من مكة على نحو فرسخ - الى أن قال - ويوم فخ
كان أبو عبد الله الحسين بن
علي بن الحسن بن عم موسى الكاظم دعا الى نفسه ، وقال
موسى بن جعفر حين ودعه :
يابن عم إنك مقتول فاجد الضراب فإن القوم فساق
فقتل بفخ كما أخبر به .
انتهى .
وعن كشف اللثام : أنه بئر
معروف على نحو فرسخ من مكة .
وعن السرائر : أنه موضع على
رأس فرسخ من مكة قتل فيه الحسين بن علي
بن الحسين بن الحسن بن علي
أمير المؤمنين .
وما عن القاموس من أنه موضع
بمكة ، وعن النهاية الأثيرية : أنه موضع عند
[ . . . ]
للصبيان
مكة . يمكن إرجاعهما الى ما
ذكره الآخرون .
وكيف كان فهو ميقات (
للصبيان ) في غير حج التمتع بمعنى جواز تأخير
إحرامهم الى هذا المكان - لا
أنه يتعين ذلك - عند جماعة .
قال المصنف - ره - في
التذكرة : والصبي ميقاته هذه المواقيت ، ويجوز أن يجرد
من فخ وأن يؤخر إحرامه اليه
. انتهى .
وقال في المنتهى : ويجرد
الصبيان من فخ ، ويجوز أن يحرم لهم من الميقات - الى
أن قال - أما جواز التأخير
الى فخ ، فلأن إحرامهم مستحب فلا يجب الإحرام لهم من
الميقات .
وفي الرياض : وعزاه بعضهم
الى الأكثر ، ويظهر ما آخر عدم الخلاف فيه .
وعن السرائر والمقداد
والمحقق الثاني وفي الجواهر : أنه لابد وأن يحرم لهم من
الميقات ، إنما ينزعون
الثياب من فخ . وتوقف في الحكم جماعة .
وقد استدل الطرفان بوجوه
اعتبارية لا يعتنى بها ، وبالنصوص وهي العمدة .
يشهد للثاني : عموم ما دل
على المواقيت ، فإنه يعم الصبيان كشموله للبالغين ،
فإنه متضمن لدخالة ذلك في
الحج لا وجوب ذلك نفسا ، كي يقال : إن حديث رفع القلم
يقيده بغير الصبيان .
وما دل على أنه لا يجوز
تأخير الإحرام عنها وضعا .
وصحيح معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله ( عليه السلام ) : انظروا من كان معكم
من الصبيان فقدموه الى
الجحفة أو الى بطن مرو يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ( 1 ) .
وفي الرياض : أنه على خلافه
أظهر ، ولعله من جهة خروج بطن مرمن
………………………………………….
1 - الوسائل باب 17 من أبواب
أقسام الحج حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
الميقات ، فإنه على مرحلة من
مكة ، والمرحلة مسيرة يوم ، واليوم عبارة عن أربعة
وعشرين ميلا ، وقد تقدم أن
بين أقرب المواقيت ومكة مرحلتين .
وموثق يونس بن يعقوب عن أبيه
، قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إن معي
صبية صغارا وأنا أخاف عليهم
البرد من أين يحرمون ؟ قال ( عليه السلام ) : إيت بهم
العرج فليحرموا منها فإنك
اذا أتيت بهم العرج وقت في تهامة . ثم قال : فإن خفت
عليهم فأت بهم الجحفة ( 1 )
. وهو ظاهر في مراعاة الميقات ولو ميقات الاضطرار .
وبإزاء ذلك خبران : أحدهما :
صحيح أيوب بن الحر قال : سئل أبو عبد الله
( عليه السلام ) من أين تجرد
الصبيان ؟ قال ( عليه السلام ) كان أبي يجردهم من فخ ( 2 ) .
ونحوه ثانيهما : وهو صحيح
علي بن جعفر عن أخيه موسى ( عليه السلام ) ( 3 ) .
لا ينبغي التوقف في أن
المراد بالتجريد في الصحيحين هو الإحرام كما أن
الخبرين المتقدمين سيما
بملاحظة ما في الموثق : وأنا أخاف عليهم البرد من أين
يحرمون ؟ ظاهران في الإحرام
مع التجريد .
وعليه فالطائفتان متعارضتان
، وحيث إن الأصحاب أفتوا بجواز تأخير
التجريد الى فخ ، فالصحيحان
أشهر ويقدمان لذلك ، وبهما يقيد إطلاق نصوص
المواقيت ، فتدبر حتى
لاتبادر بالإشكال فالمتحصل : أنه يجوز تأخير إحرامهم الى فخ .
ولكن الدليل مختص بفخ ،
وحمله عل إرادة المثال وأن المراد : أدنى الحل لا دليل
عليه ، فالمتعين الاقتصار
عليه ، فاذا سلكوا طريقا لا يصل الى فخ فاللازم إحرامهم
………………………………………….
1 - الوسائل باب 17 من أبواب
أقسام الحج حديث 7 .
2 - الوسائل باب 18 من أبواب
أقسام الحج حديث 1 .
3 - الوسائل باب 18 من أبواب
أقسام الحج حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
ومن حج على طريق أحرم من
ميقات أهله
من الميقات كما نص على ذلك
محكي القواعد وغيره .
( و ) قد تقدم في الميقات
الثاني والثالث أن ( من حج على طريق أحرم من
ميقات أهله ) .
تاسعها : محاذاة أحد
المواقيت الخمسة الاولى وهي ميقات لمن لم يمر على
أحدها . قاله جمع من الأصحاب
كما عن المدارك ، بل المشهور بينهم كما في المستند ، بل
عليه الشهرة العظيمة كما في
الرياض قال : إذ لم نجد مخالفا في المسألة عدا الماتن في
ظاهر الشرائع .
واحتمل في الجواهر عدم كونه
مخالفا في أصل الحكم وأن نسبته الى القيل من
جهة القيود الاخر ، ولذلك
نسبه في الجواهر الى ظاهر الأصحاب ، ومع ذلك فقد خالف
جماعة كالمحقق الأردبيلي ،
وسيد المدارك ، والفاضل الخراساني ، وصاحب الحدائق ، ولم
يفتوا بكفايتها .
واستدل للمشهور بصحيح ابن
سنان عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : من
أقام بالمدينة شهرا وهو يريد
الحج ثم بدا أن يخرج من غير طريق أهل المدينة الذي
يأخذونه فليكن إحرامه من
مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء ( 1 ) .
ورواه الصدوق بطريق آخر مع
اختلاف يسير في المتن .
وعلى كل من المتنين ظهوره في
كفاية المحاذاة لا إشكال فيه .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 7 من أبواب
المواقيت حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
ولا يعارضه مرسل الكافي :
وفي رواية اخرى : يحرم من الشجرة ثم يأخذ أي
طريق شاء ( 1 ) ولا خبر
إبراهيم بن عبد الحميد المتقدم في مسألة عدم جواز تأخير أهل
المدينة الإحرام الى الجحفة
اختيارا ، لضعفهما ، وعدم عمل الأصحاب بهما .
لكن الإشكال في التعدي عن
مورد الصحيح ، فإنه وارد في مورد خاص وهو
محاذاة مسجد الشجرة ذي قيود
، مثل كونه مقيما في المدينة شهرا وهو عازم على الحج ،
ويكون الإحرام من مسيرة ستة
أميال ، وجميع القيود في كلام المعصوم ( عليه السلام )
الظاهر ذلك في أن لها خصوصية
، فالتعدي يحتاج الى دليل .
وما قيل في وجهه من الإجماع
، وعدم القول بالفصل وفهم المثالية ، والقطع
بوحدة المناط . كما ترى ،
فإن الإجماع غير التعبدي ليس بحجة ، وفهم المثالية غير
ظاهر ، والمناط غير معلوم
حتى يقطع به .
وربما يستدل للاكتفاء
بالمحاذاة : بأن نصوص المواقيت مختصة بأهلها ومن
أتاها ، ولا تشمل غيرهم ، فمن
لا يمر بميقاة يشك في أنه هل يجب عليه أن يحرم من
الميقات ، أم يكفي الإحرام
من محاذاته ؟ والمرجع أصالة البراءة .
وفيه أن جملة من النصوص تدل
على أن الإحرام لابد وأن يكون من الميقات .
لاحظ : صحيح الحلبي المتقدم
، قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : الإحرام من مواقيت
خسمة وقتها رسول الله صلى
الله عليه وآله لا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا
بعدها .
وصحيح معاوية بن عمار عن
الامام الصادق ( عليه السلام ) وقد تقدم : من تمام
الحج والعمرة أن تحرم من
المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله لا تجاوزها
………………………………………….
1 - الوسائل باب 7 من أبواب
المواقيت حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
إلا وانت محرم . ونحوهما
غيرهما .
ودعوى أن المستفاد منها أنه
لابد وأن لا يقطع بقدر ما بين أحد المواقيت الى
مكة من المسافة إلا محرما من
أي جهة دخل فيكفي المحاذاة . مندفعة : بكون ذلك
خلاف ظاهر الصحيحين .
فالمتحصل : أن التعدي عن
مورد الصحيح والقول بكفاية المحاذاة مشكل
جدا ، وأظن أن قدماء الأصحاب
غير متعرضين لذلك .
وعلى فرض التعدي الأظهر لزوم
الاقتصار على المحاذاة غير البعيدة
والقريبة ، فإن الدليل ورد
في مورد خاص وهو المحاذاة للشجرة بمسيرة ستة أميال
عن المدينة ، والمحاذاة
الحاصلة من ذلك إنما تكون مع حد خاص ، فالتعدي الى طرفيه
بأن يكفي المحاذاة مع الفصل
عن الميقات بذراع مثلا ، أو يكفى المحاذاة مع البعد -
يحتاج الى دليل مفقود .
ويؤيده وجوب إحرام أهل
العراق من العقيق مع محاذاتهم على الظاهر لمسجد
الشجرة قبل وادي العقيق ،
ولا وجه له سوى عدم الاعتناء بالمحاذاة إذا كانت على
بعد ، وكذا أهل الشام إذا
جاؤا الى الجحفة فإنه يحاذون مسجد الشجرة قبل الجحفة .
وعلى القول بالتعدي اذا كان
في طريق يحاذي اثنين هل يجب محاذاة أبعد
الميقاتين ، أو أقربهما ، أم
يتخير ؟ ظاهر النص هو الأول .
وعن صريح المبسوط والمنتهى
وظاهر القواعد اختيار الثاني .
واستدل له سيد المدارك بأنه
يجب الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع
الوفاق . والظاهر أن مراده
أن الإحرام لابد وأن يكون من الميقات فمن محاذاة أقرب
المواقيت الى مكة يجب كونه
محرما اتفاقا ، وفيما زاد عليه لا دليل على ذلك ، والأصل
عدمه .
[ . . . ]
ولكنه كما ترى اجتهاد في
مقابل النص .
وعن الحلي اختيار الثالث ،
ولعله لإلغاء الخصوصية ، وفهم إرادة المثالية مما في
النص للميقات ، وهو غير بعيد
على فرض التعدي عن مورد النص .
وقد وقع الخلاف في بيان ما
به تتحقق المحاذاة ، ففي العروة ذكر وجهين :
أحدهما : أن يكون الخط من
موقفه الى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق .
ثانيهما : أن يصل في طريقه
الى مكة الى موضع يكون بينه وبين مكة كما بين ذلك
الميقات ومكة بالخط المستقيم
.
الوجه الثالث : ما ذكره
جماعة ، والظاهر أن اليه مرجع وجهي العروة ، وهو أن
يكون للمحاذي موضع من الطريق
لو فرضنا دائرة تكون مكة على مركزها ويمر
محيطها بالميقات لمر بذلك
الموضع أيضا .
ولكن الظاهر عدم تمامية شئ
من ذلك ، فإن الشخص إذا كان على موضع من
الدائرة المارة بالميقات
يكون الخط الخارج منه ومن موضعه الى الميقات قوسيا لا خطا
مستقيما فلا يكونا محاذيين .
الوجه الرابع : ما أفاده
المحقق النائيني - ره - وتبعه جمع ، وهو : أن ظابط
المحاذاة أن يكون مكة
المعظمة على جبهة المستقبل والميقات على يمينه أو شماله بالخط
المستقيم ، ولكن الظاهر
كفاية المحاذاة العرفية التي هي أوسع من ذلك .
ومع إمكان العلم بالمحاذاة
يتعين ذلك ، فهل يكفي الظن حتى معه أو بدونه ، أم
[ . . . ]
يفصل بين الظن الخاص وغيره ؟
وجوه ، المحكي عن المبسوط والجامع والتحرير
والمنتهى والتذكرة والدروس
وغيرها اختيار الأول .
واستدل لذلك في الجواهر :
بانسباق إرادة الظن في أمثال ذلك ، وفيها وفي محكي
كشف اللثام استدل له : بلزوم
الحرج ، والأصل .
وما في المستند : قالوا :
ويكفي الظن بالمحاذاة ، لعدم حصول غير الظن إما
مطلقا أو غالبا فلا يكون
متعلق التكليف إلا الظن - يرجع الى الوجه الأول .
وبه يندفع ما اورد عليه بأن
الانسباق غير ظاهر ، فإنه اذا كان الموضوع مما لا
يتعلق العلم به ، فمن توجه
الخطاب اليه يفهم بالملازمة العرفية الاكتفاء بالظن لا
أقول : إنه لا يمكن الامتثال
إلا به حتى يقال : إنه يمكن بالاحتياط بالطريق الآتي ،
أو نذر الإحرام من مكان خاص
بناء على جواز تقديم الإحرام بالنذر على الميقات ،
بل يكون ذلك من قبيل الدلالة
الالتزامية .
نعم الاستدلال له بالوجهين
الآخرين في غير محله ، إذ لا يلزم الحرج من عدم
اعتباره مع امكان الاحتياط ،
أو النذر ، والأصل غير أصيل ، فلأظهر الاكتفاء بالظن
كما أفاده الأساطين .
وإن لم يكن له سبيل الى الظن
، فإن أخبر ثقة بها اكتفي بخبره بناء على حجية
الخبر الواحد في الموضوعات ،
وإن لم يخبر بها فقد يقال : إن له أن يحرم من أول موضع
احتماله واستمرار النية
والتلبية الى آخر مواضعه .
وأورد عليه بإيرادات : 1 -
أنه كما يمتنع تأخير الإحرام عن الميقات كذلك يمتنع تقديمه عليه .
وفيه : أن حرمة الإحرام حرمة
تشريعية لا ذاتية ، فلا بأس به اذا كان بعنوان
الاحتياط ، مع أنه في كل
موضع يحتمل قبل الميقات المحاذاة يدور الأمر فيه بين وجوب
[ . . . ]
الإحرام منه وحرمته ، والأصل
يقتضى الجواز حينئذ ، أضف عليه أن غايته احتمال
الحرمة ، وهو يدفع بالأصل .
2 - أنه إن أمكن الذهاب الى
الميقات والامتثال التفصيلي لا يجزى الامتثال
الإجمالي ، لكونه في طوله .
وفيه : ما حققناه في محله من
أنه في عرضه لا في طوله .
3 - مقتضى أصالة عدم الوصول
الى المحاذاة الاكتفاء بالإحرام من آخر
مواضع احتمالها .
وفيه : أنه لا يثبت بذلك
المحاذاة المعتبرة في الإحرام .
ولو أحرم في موضع الظن
بالمحاذاة ولم يتبين الخلاف فلا إشكال ، وإن تبين
الخلاف ، فإن تبين كونه بعد
المحاذاة فسيأتي الكلام فيه في أحكام المواقيت ، وإن تبين
كونه قبله ولم يتجاوزه أعاد
الإحرام ، وإن تبين كونه قبله وقد تجاوز فإن أمكن العود
والتجديد تعين لبطلان إحرامه
.
وما أفاده صاحب الجواهر - ره
- من الحكم بالإجزاء . غير تام ، لعدم الإجزاء
في الأحكام الظاهرية ، وإن
لم يمكن العود يجدد الإحرام في مكانه كما سيأتي .
قال المصنف - ره - في محكي
القواعد : ولو لم يؤد الطريق الى المحاذاة
فالأقرب أن ينشأ الإحرام من
أدنى الحل ، ويحتمل مساواة أقرب المواقيت . انتهى .
والكلام في موضعين : الأول :
هل يتصور طريق لا يمر على ميقات ولا يكون
محاذيا لواحد منها أم لا ؟
الثاني في حكمه .
[ . . . ]
أما الأول فظاهر المصنف - ره
- في القواعد ، وولده في الشرح ، وسيد المدارك
وغيرهم - المفروغية عن صحة
الفرض . وأنكره صاحب المستند وصاحب الجواهر
وسيد العروة .
قال في المستند : واختلفوا
في حكم من سلك طريقا لا يحاذى شيئا منها ، وهو
خلاف لافائدة فيه ، إذ
المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب ، انتهى . ونحوه ما في
الجواهر وفي العروة .
أقول : يرد عليهم أمران :
أحدهما : ما ذكره جمع من
محشي العروة ، قالوا : إن ذا الحليفة والجحفة كليهما
في شمال الحرم على خط واحد
تقريبا ، وقرن المنازل في المشرق منه ، والعقيق بين الشمال
والمشرق ، فيبقى يلملم وحدها
لثلاثة أرباع الدورة المحيطة بالحرم ، وبينها وبين قرن
المنازل أكثر من ثلاثة أثمان
الدورة ، ومنها الى الجحفة قريب من ذلك .
ثانيهما : ما ذكرناه تبعا
لسيد العروة من اختصاص المحاذاة المعتبرة بالمحاذاة
غير البعيدة ، وعليه فيتم ما
ذكروه من الفرض .
وأما الموضع الثاني ، فقد
يقال : إنه يحرم من مساواة أقرب المواقيت الى مكة أي
محل يكون بينه وبين مكة بقدر
ما بين أقرب المواقيت اليها وهو مرحلتان ،
والمرحلتان - كما مر - عبارة
عن ثمانية وأربعين ميلا .
واستدلوا له بأن هذه المسافة
يجوز لأحد قطعها إلا محرما من أي جهة دخل ، وإنما الاختلاف فيما زاد عليها .
وفيه : أن ذلك إنما ثبت مع
المرور على الميقات لا مطلقا .
وقد يقال - كما في العروة
وغيرها : - إنه يحرم من ادنى الحل ، واستدل له بإطلاق
ما دل على عدم جواز دخول
الحرم بلا إحرام ، ولزوم الخروج عنه فيمن مر على
[ . . . ]
الميقات أو من حاذاه ، لنصوص
المواقيت - لايقتضي خروج غيره من الأفراد ،
والأصل البراءة عن وجوب
الإحرام قبله .
وفيه : ما تقدم من أن مقتضى
الأخبار كصحيح الحلبي وغيره أنه يتعين الإحرام
من المواقيت الخمسة التي
وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله خرج عنها بعض الموارد ،
ولا دليل على خروج الفرض
منها ، وعليه فيتعين أن يذهب الى الميقات ويحرم منه ، أو
الى موضع محاذ له على القول
بكفاية المحاذاة ، والله تعالى أعلم .
عاشرها : أدنى الحل ، وهو
ميقات العمرة المفردة بعد حج القرآن والإفراد
بلا خلاف فيه كما في المنتهى
والتذكرة .
ويشهد به صحيح عمر بن يزيد
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : من أراد
أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من
الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما . قال : وإن رسول
الله صلى الله عليه وآله
اعتمر ثلاث عمر متفرقات كلها في ذي القعدة : عمرة أهل
فيها من عسفان وهي عمرة
الحديبية ، وعمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة ، وعمرة
أهل فيها من الجعرانة وهي
بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين ( 1 ) .
وأورد عليه بأنه لا ظهور فيه
في وجوب الخروج عن مكة للاعتمار .
وفيه : أن ظاهر قوله من أراد
أن يخرج من مكة معتمرا كون الخروج مقدمة
للاعتمار بقول مطلق فيكون
واجبا .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 22 من أبواب
المواقيت حديث 1 - 2 . ( * )
[ . . . ]
وصحيح جميل بن دراج عن أبي
عبد الله ( عليه السلام ) عن المرأة الحائض اذا
قدمت مكة يوم التروية ، قال
( عليه السلام ) : تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة
ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى
التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة ( 1 ) .
والإيراد عليه بأنه لا يمكن
حمل الأمر بالإحرام من التنعيم على وجوب .
يدفعه : أنه يحمل عليه بعد
فهم المثال من ذكر التنعيم خاصة ، فلا إشكال في الحكم .
والصحيح الثاني وإن كان
مختصا بالعمرة المفردة بعد حج الافراد إلا أن
الصحيح الأول : عام شامل لكل
عمرة مفردة ياتي بها أهل مكة .
ولكن في الجواهر ادعى
الإجماع ظاهرا على اختصاص ذلك بالعمرة المفرده
بعد حج القران والإفراد .
وفي المستند والحدائق على ثبوته في كل عمرة مفردة .
وصريح صحيح عمر عدم خصوصية
للجعرانة والحديبية لقوله : أو ما أشبههما .
والتنعيم المذكور بالخصوص في
صحيح جميل ، قد عرفت تعين حمله على إرادة المثال ،
وكذا أمره صلى الله عليه
وآله لعائشة بالإحرام من التنعيم ، وفعله صلى الله عليه وآله
أعم من الأفضلية ، فإدا لا
دليل على أفضلية الإحرام من المواضع الثلاثة .
فما في العروة من أن الأفضل
أن يكون من الحديبية أو الجعرانة أو
التنعيم . ضعيف .
وأضعف منه ما في التذكرة من
أنه ينبغى أن يحرم عن الجعرانة ، فإن النبي صلى
الله عليه وآله اعتمر منها ،
فإن فاته فمن التنعيم ، لأن النبي صلى الله عليه وآله أمر
عائشة بالإحرام منه فإن فاته
فمن الحديبية ، لأن النبي صلى الله عليه وآله لما قفل
من خيبر أحرم عن الجعرانة .
انتهى .
………………………………………….
1 - الوسائل باب 21 من أبواب
أقسام الحج حديث 2 .